Monday, October 31, 2011

غربـــــــة - جزء رابع

غربــة - جزء رابع
ما الذي أقوله أستغفر الله ... كل شيء مكتوب وهذا ما كُتب لجميل ... الكثير من الأمور كهذه تدور في عقلي وعلى شفتاي ولا أدري لإرتعاشاتها غير أنني ربما كنت حانقاً أو خائفاً لا ادري ... ما مصير من يقتل زوجته؟ في هذه البلاد ... وهل إن ...
- لقد آذتني سيجارتك يا استاذ (الصوت يأتي من أسفل)
- أنا .. آسف .. من سعاد؟ أين كنتِ يا سعاد .. ماذا تفعلين هنا؟
- أستاذ أحمد ..
- ماذا تفعلين بالفندق يا سعاد؟
- كما ترى
- أود رؤيتك الآن فهناك شيء مهم حصل لصديقي الذي حدثتك عنه جميل! هل تذكرين قصته؟
- نعم .. صديقك الذي جئت من أجله
- نعم هو .. إنه بضائقةٍ كبيرة .. بل أكبر كثيراً مما كنت أتوقع
- فالتأتي إلى غرفتي أو.. أتريد أن آتي إليك؟
- لا هذا ولا ذاك إلى متى ستبقين هكذا يا سعاد أنت في مدينة محافظة، لنتقابل في كافتيريا الفندق ولكن لا تتأخري أرجوك
- حسناً ها أنا قادمة

أغلقتُ باب غرفتي بعدما عدتُ إليها من جديد لأعيد إصلاح هندامي وهرعت في طريقي إلى لقائها لا أدري ما الذي يدور في رأسي ... ما الذي أعادها إلى دربي ... أهو القدر ما يجمع بيننا أم صدفة لا أؤمن بها ... ولما أنا متلهفٌ هكذا لرؤيتها هل اشتاقت لعينيها عيناي أم تُراني في شغفٍ سأرقبُ شفتيها وأطمعُ في الحديث بصمتٍ إليها نعم أنا بشوق إليها ولكن ... قربَ باحة المصاعد وقفت بإنتظار وصولها وما أن رأيتها حتى ترافقت مع يدي يدها لا أعي لكننا تجاذبنا الحديث بأيدينا حتى وصولنا إلى المائدة ولا أدري لِما نسيتُ يدها بيدي وعندما تنبهتُ سحبتُ يدي فضحكت وهي تضع يدها على فمها
- هه .. ما الذي حصل لصديقك أخبرني؟
- إنه بالسجن متهم بقتل زوجته
صرخت سعاد
- ماذا .. (جميع من بالكافتيريا التفتوا إلى مصدر الصوت بعدما سمعوا ما صدر منها)
- أرجوك فالتمسكي أعصابك لسنا الوحيدين هنا
- (هامسة) .. أعذرني .. لكن الخبر لم يكن متوقعاً، لم أكن لأتصور أنه بهذه القسوة ... صديقك هذا
- لا يا سعاد لا أدري .. لست متأكد من أنه هو الفاعل

وحدثتها بما عرفته منذ وصولي إلى الأقصر وعثوري على شقته وما دار بيني وبين أصحاب الشقة الجديدة من حديث والمعلومات التي حصلت عليها منهم، ذهلت سعاد لما سمعت وكانت بدورها تطرح بعض الأسئلة التي كنت أجيب على بعضها مما عرفته وعلى بعضها الآخر مما أستنتجته من المعلومات التي اكتسبتها
- هذا فظيع ما سمعته منك يا أستاذ أحمد فظيع ومقرف، كيف تستطيع امرأة أن تفعل ما فعلته هذه المرأة وقد ضحى زوجها بكل شيء كما تقول من أجلها، ولكن هل الشرطة متأكدون من أن المرأة المقتولة هي زوجته ولكن اين أطفاله؟
- لا أعلم فأنا لم أحادث أحدا بهذا الموضوع بعد، لكنني بانتظار معلومات جديدة هذه الليلة وربما أستطيع مقابلة جميل في سجن المركز
- ستذهب إلى سجن المركز، لماذا؟
- كي أراه، سافرت كل هذه المسافة لكي أراه وسوف أراه
- وحدك !
- لا أدري ربما يأتي سعيد معي
- من سعيد هذا؟
- النادل الذي حدثتك عنه
- حسنا سوف آتي معك إذن
- ماذا !.. تأتين لماذا؟
- أنا محامية يا أستاذ ... حسنا محامية ..لدي خبرة في الأحوال الشخصية .. مدافعة عن حقوق المرأة... لكنني محامية وأستطيع أن أمسك قضية صديقك هذا … إن كان بريء
- لا أدري ولكن إذا سمح لي صديق سعيد هذا بمقابلة جميل فلا أظن بأنه سيسمح لك بمقابلته
- ومن قال لك إنني أريد موافقته، غداً سأذهب لمركز الشرطة وأعلن نفسي محامية عن صديقك هذا أمام النيابة العامة ما أسم جميل الكامل؟
- جميل مصطفى حسن ولكن ...
- حسناً لا أريد أية أتعاب أو مصاريف سأمثله من أجلك
- ما رأيك بأن نطلب العشاء.. ألست جائعة؟

وكنا قد اندمجنا في الحديث حتى أننا لم نقم بطلب أي شيء نأكله فناديت النادل وطلبت منه قائمة الطعام، ساعدتني سعاد في اختيار وجبة العشاء (ساعدتني!، هي لم تدع لي فرصة اختيار صنف واحد) قائلة :
- أهل الدار أدرى بطعامهم، فوافقتها قائلاً :
- إن مرضتُ من هذا الطعام هل ستتحملين مشاق علاجي وتمريضي
- ولِما تعتبره مشاق؟ لن أرضى أن يعالجك أحد غيري امرض وأنظر
لا أعلم لِما وضعت يدي على يدها بدت وكأنها حركة لا إرادية ... ويبدو أنني أعتبرتها حركة إمتنان لما قالته لي، كأنني زرعت شيء ما في عروقها وأمددتها بدفئ لم تشعر به سابقاً إلآ أنني سحبت يدي عن يدها فما كان منها إلآ أن وضعت على يدي يدها وكأنها تؤنبني وتطلب مني إعادتها فسرت قشعريرة بجسدي عندما لامست أناملها يدي وأحسستُ بأنها تشعر بما أجده منها عند ملامستي إياها، وبدون مقدمات قلت:
- سعاد ... هل أنت ... مرتبطة
أجابت وهي تستعيد من يدي أناملها
- تعني ... مخطوبة ، كلا لِما؟
- مجرد تساؤل
- مجرد تساؤل .. ما بك الآن، أتخفي عني هل أنسيت أننا أصدقاء
- أصدقاء ... نعم بالطبع نحن أصدقاء
سعاد مبتسمة وقد اقتربت مني هامسة وكأنها تسر لي أمراً
- أصدقاااااء .. أمتعجل أنت دوماً في أمور الصداقة
- ماذا تعنين يا سعاد وما هي هذه الأمور
- سألتني إن كنت متزوجة أو مخطوبة فأجبتك بلا ولكن يبدو بأنك نسيت بأن هناك مشاعر أهم يا باشمهندس من الارتباطات الرسمية فيحتمل أن أكون أحب ..هه
- تحبين ... نعم لما لا لكنني لم اسألك إن كنتِ متزوجة بل مرتبطة
ولم أستطع تكملة حديثي الذي قاطعه سعيد الذي أتى وهمس في أذني بأنه يريد مكالمتي على انفراد، اعتذرت من سعاد وانفردت بسعيد
- هه ما وراءك يا سعيد؟
- لقد رفض في بداية الأمر الموضوع قائلاً بأن ذلك يحمله مسئولية جسيمة هو لا يستطيع تحملها، ولكن بعد أن شرحت له الأمر وأريته بعض المال فكر بالأمر قليلاً ولانت عريكته شيئاً لكنه إشترط أن تكون الزيارة في مناوبته الليلة واتفقنا أن يكون ذلك في الثانية صباحاً حيث أن هذا الوقت يناسبه، فبه يخلد الضابط المناوب للنوم وتقل الحركة في المركز ويصبح الأمر أسهل بعض الشيء
- وأين الملتقى يا سعيد أنا لا اعرف هذه المناطق هل ستكون معي (يومئ بالإيجاب) حسناً وكيف سنلتقي؟
- سأكون بالفندق يا بيه .. لا تقلق دع هذه الأمور لي وعندما يحين الوقت سأتصل بك في الغرفة، حسناً
- هذا جيد اذهب الآن ونل قسط من الراحة إلى أن يحين موعدنا
- إلى اللقاء يا بيه
- لن انسى يا سعيد ما تقوم به ... شكراً

توجهت إلى سعاد فيما كان النادل يفرش على المائدة ما طلبناه من الطعام وأنتظرت حتى إنتهى مما يقوم به وأخبرتها بما تم الإتفاق عليه وبأن الموعد
- اليوم الساعة الثانية صباحاً
- تعني غداً صباحاً، (ضاحكة)
- نعم أعني غداً، (لكنني أضحك على غير عادتي)
فلمست بأصابعها يدي قائلة:
- ما بك يا أحمد .. أقصد أستاذ أحمد؟
- لا شيء
- إنك حزين وهذا يجعلني أشعر بالحزن، أغاضب أنت مني
- لا ولما الغضب؟
- أعني عندما قلت لك بأنني ربما أحب
- هذا شأنك الخاص بالطبع وليس من حقي التدخل بما لا يعنيني
- لا ، ربما لم تفهم قصدي
قالتها فيما كانت تضع بعض السلطات في طبقي وأردفت:
- كل فأنت ضيفي هذه الليلة
- ... لماذا تتكلمين .. دعي عيناك تقول ما تريدين ..
- كل الآن ودع حديث العيون جانباً حتى الانتهاء من الطعام فهنالك الكثير مما سنتحدث به ولكن كل أولاً

ليلُ الأُقصر جميل يشع من جوانبه عبق الآثار القديمة المنتشرة هنا وهناك، أينما قصدت فأنت أمام تاريخ حضارة تذخر بقصصٍ من الماضي العريق، وهاهي سعاد نتاج حضارةٍ امتدت لآلاف من السنين تجلس أمامي تحادثني، تضحك أحياناً وتومئ لي بأن أسرع بالأكل، بالأمس القريب كنت في دوامة الغربة وحيداً لا أعرف طعماً للحياة، أيام رتيبة خلتها ستمتد معي لآخر العمر، وفجأة ودون سابق إنذار تتبدل حياتي تنقلب رأساً على عقب، الإثارة أصبحت تملئ حياتي منذ أن داست قدماي أرض هذه البلاد الجميلة ، ماااا..أتعس حياتي تلك، كلما خطر ببالي أنني سوف أعود لتلك الحياة الرتيبة أشعر بقلبي يغوص في أعماقي يئنُ جزعاً وخوفاً من المصير الذي رأيته ماثلاً أمامي في ليالي الوحدة، فراغٌ نفسي قاتل
- الحمد لله لقد شبعت
- حسنا لم أحب أن أسألك عن الطعام ومذاقه قبل أن تنتهي من وجبتك كلها أخبرني الآن كيف وجدت الطعام
- مازلت حياً على الأقل، مع أنني كنت أتمنى أن أمرض منه
- لماذا؟ أهـ...ههههههه
- ......
- فهمت .... يا لك من طفلٍ كبير
- حسناً ماذا الآن .. فالنحتسي القهوة ولنقرر بعدها ماذا سنفعل
- لم تسألني ماذا حصل معي
- أين ... ؟ أهـ يا إلهي .. سعاد أرجو أن تعلمي أنني آسف ... نعم كيف كان يومك أرأيت جُثمان والدك
- لا .. لكن زوجة أبي ... أحمد شيء غريب، لم أعهدها حنون هكذا مع أنها كانت لا تطيق رؤيتي
- لماذا أتغار منك أم ماذا
- القصة ليست كما تتصور، والدتي رحمها الله كانت صديقة لها، كان ذلك منذ زمن بعيد جداً وزوجة أبي هذه كانت تحب والدي وهي كانت على وشك الزواج به ... يبدو أنه شاهد والدتي بإحدى زياراته للقاهرة فأحبها ولم تكن والدتي تعلم بالأمر، أهل والدتي كانوا من طبقة الأثرياء وكان والدي من الرجال المكافحين لم يترك له والده سوى قطعة الأرض التي عاش والدي بها في هذه المدينة، لم يكن فلاحاً بل مهندس زراعي وحاول أن ينجح في مجال تربية الدواجن والمواشي لكنه كان دائم التعثر لسؤ طالعه، تزوجا رغما عن إرادة جدي لوالدتي رحمه الله ولكنه عاد وتقبل زواجهما حيث أنه لم يُرزق غير والدتي وعندما حملت والدتي بي كان أسعد جد في الوجود لكن الأقدار لم تمهل والدتي كثيراً فماتت بعد مجيئي بوقت قصير، لم تغفر جدتي رحمها الله لوالدي أبدا حيث أنه لم يكن يحب سكن القاهرة وأنا أعذر جدتي لأن الوالدة توفت بعيداً عنها هنا بالأقصر، هذا ما عرفته من والدي، أصرت جدتي فيما بعد أن تحتفظ بي تحت رعايتها في القاهرة وأن أظل معها خوفاً من أن يتزوج والدي من إمرأة أخرى وبالفعل إذ بعد مرور سنتين على وفاة والدتي تزوج والدي رحمه الله من حبيبته القديمة التي لم تنسى الجرح الذي سببه لها زواج والدتي بوالدي، أنا أعذرها ولكن والدي يُقسم أن والدتي لا تعلم أي شيء عنهما، واليوم كان علي أن أرى زوجة أبي التي أخذتني بالأحضان وبكت طويلاً على صدري قائلة بأن الوالد أوصاها بي خيراً وهو على فراش الموت وأن تعتبرني ابنتها، حيث إنني إبنته الوحيدة وهو لم يرزق منها سوى البنين

كان الحزن بادياً على وجهها وهي التي ما فتأت تمسح دموع عيناها بين الفينة والأخرى، يالي من أحمق لقد نسيت في غمرة مشاغلي أن ابتدرها بالسؤال عما جرى معها
- لست أدري ماذا أقول يا سعاد لكنني حقيقة آسف لما حصل لك وأتمنى من الله أن يعوضك خيراً في الأيام القادمة وعسى أن يكون اليوم هو أخر مطاف الأحزان، أنت تعلمين أن كل المصائب لها حلول ....إلآ مُصيبة الموت يقف الإنسان أمامها عاجزاً غير قادر على فعل أي شيء
- الموت حق ... ولا بد منه .. لكن أتعلم ... بت أفتقد حنان الأم التي لم أراها، أشعرُ يا أحمد بأنني اصبحت غير قادرة على الإستمرار في هذه الحياة ... أشعر بوحدة بعد موته ... مع أنني لم أكن أراه كثيراً ... لكنني كنت أعلم بأنه هنا موجود عندما أحتاجه ... الوحدة قاتلة .. هل تعلم ذلك؟
- تعالي يا سعاد هيا بنا نجلس قرب النهر لا بد بأن ذلك سينسينا ما نشعر به من شجون تعالي

كادت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلاً فيما كان القمر يسطع على سطح النهر بأشعته الفضية في الوقت الذي اصطفت العديد من القوارب الصغيرة بعضها مظلم والآخر مُضاء بفانوس صغير برتقالي اللون وكان الباعة ينتشرون هنا وهناك تنادي حناجرهم ما يبيعون فهذا الفول السوداني وذاك الفستق وغيره الذرة يلتقطون السمار وعشاق النزهة الليلية، جلسنا على حافة النهر بعد أن ابتعت قليل من الفول السوداني وزجاجتي مياه غازية
- أخبرني عن نفسك، أقصد أهلك .. حياتك، عملك، الفتيات اللاتي تعرفت عليهن، هيا أفصح عن أسرارك ولا تكن كأبي الهول ... الم أخبرك كل شيء عن حياتي؟
إبتسمتُ وأنا أنظر في عينيها وكأنني أنقل المعلومات إليها قائلا
- ولماذا تريدين معرفة حياة تملؤها التعاسة والرتابة
- أنت هه ... لا أظن هيا اعترف وإلا ....
- حسنا ليس هناك الكثير مما أبوح به فوالدي من أبسط الناس عيشاً هجرت بلدي مع والدي عندما كنت طفلاً لا أعي من الحياة شيئاً، ترعرعت في الغربة وإخوتي وعندما تقدم العمر بوالدي قرر العودة إلى وطنه ... ونسيت نفسي في خضمها وحيداً أشق الدروب، توزع اخوتي كل في بلد وبقيت وحدي في الكويت أعيش في رتابة العمل وروتين الحياة اليومي، أسافر من وقت لآخر فأزور والديَّ وأحيانا أخوتي، حياةٌ عادية لا أذكر أن الإثارة طرقت أبوابي في يوم من الأيام إلى أن جئت إلى هنا و.. تعلمين الباقي ..
- هه أفصح قليلاً ماذا عن الفتيات ألم تحب ولو لمرة واحدة في حياتك؟
- الحب كلمة كبيرة تعني أشياء كثيرة، الاهتمام بمن تحب .. أن ترعاه.. أن تحب ما يحب .. تكره ما يكرهه .. أن تتألم لألمه تسعد لفرحه تذكره في ضعفه كما تذكره بقوته الحب يا سعاد مشاعر وأحاسيس لا يستطيع أي إنسان أن ينسب الحب إليه دون أن يخوض بكل ما أخبرتك عنه وأن يضحي في سبيل من يحب بكل ما يحب
- هكذا إذن ... يبدو لي أنك كنت غارق لأذنيك يوماً بالحب
- كيف؟
- إنك تصف الحب كعاشقٍ وَلِهٍ لم يجد في حبيبه ما يُرضي عِشقهُ، تتألم ...أحمد أنت لم ترى تعابير وجهك وأنت تتكلم، لم تكن هنا بل في مكان آخر، باللهِ عليكَ أخبرني من قاسية القلب هذه؟
- ....
- ألن تخبرني عنها
- لا ... ليس هناك ما يستحق أن أقول
- إذن هناك سر بحياتك لا تحب الخوض به .. من أنت يا أحمد؟
- لننسى هذا الموضوع سعاد .... لنتكلم عن أي شيء آخر
- لا بأس... عن أي أمر؟
- عنك مثلاً .. نعم كلميني عن نفسك .. آ.. ألم تحبي أحداً من قبل
- طبعا أحببت ومَن منا لم يُحب
- لا أقصد جدتك أو والدك
- أعرف قصدك
- أتعنين بأنه سبق لك الوقوع بالحب
- ليس الحب الذي تكلمتَ عنه والذي رأيته في عيونكَ لا لنقُل حب مراهقة ... جامعة ...
- أها أكملي .. ما بك صامته يبدو أنك سرحت بحبك القديم
- لا شيء ...
- عدنا للصمت ... أكملي حب مراهقة هه .. وبعد ذلك
- فقط
- حسناً من هو؟ أكنتما تتقابلان، كم كان عمركما، ماذا كنتما تفعلان، أكملي حديثك
- لا ...
- لماذا ؟
- لننسى هذا الموضوع رجاءاً .....
- آهـ فهمت .. لننسى

نظرتُ إلى وجهها وأنا أحاول تفسير قسماته التي بدت حزينة لكنها جميلة ... من هذه التي تصبح أجمل وهي حزينة لا .. بل أراهن أن الغضب يزيدها أنوثة وسحراً ولكن لماذا يجب علي إطلاعها على هذا الأمر ولماذا هي مصرة على معرفة ما جرى، آهـ مازلت يا أحمد لا تفهم النساء إنهن يتشابهن بكثير من الأمور وهذا الأمر من الامور الذي يتشابهن به جميعهن، ولكن هذا يعني أنها تهتم بي وبما يشغلني نعم إنها على الأقل ابتدأت تنشغل بي وربما معجبة لذا فهي تضغط لتعلم من هي غريمتها، سمراء، بيضاء طويلة، قصيرة، تبدأ رحلة الأسئلة التي لا ولن تنتهي طوال حياتي ولكن لا لن أرضخ لها لن أجيبها على تساؤلها مهما حصل نعم مهما حصل
وبينما أنا في غمرة مناكفتي لنفسي هذه وانشغال بالي فإذ بصوت من خلفي يقول

- أتحب أن تستقل المركب للنزهة بالنهر يا بيه
جاء الصوت مباغتة من ورائي فإذ به مراكبي يرقب زبوناً
- ما رأيك يا سعاد؟
- لا .. لا أظن بأن الوقت يسمح لنا بذلك
- نعم بالفعل لقد تأخر الوقت، إذن لندع ذلك للغد هل سمعت الهانم يا ... ما أسمك؟
- حسن المراكبي يا بيه
- خلاص يا حسن غداً إنشاء الله نركب معك
- أنا أضع قاربي دومآ هنا يا بيه وأسمه وردة السعادة
- حسناً يا حسن إلى الغد
- الهواء أصبح بارداً
- معك حق
- كل شيء أصبح بارداً
- أهـ نعم … ماذا تعنين ؟
ضَحِكتْ بشقاوة قائلة :
- لا ... لا لم أقصدك

نزعتُ السترة عني ووضعتها على كتفيها فيما أخفت وجهها بي فضممتها إليَّ ورفعتُ وجهها صوب وجهي وطبعت قبلة على جبهتها فابتسمت قائلة
- هكذا أحسن لقد ذهب البرد .... عنك ثم أعادت وجهها لحضني
- تعال
قالتها ثم أسرعت في الخطى صوب الفندق ويدها تعانق يدي وتوقفت تنظر إليَّ مستطردة وأنا في مكاني
- تعال أخاف أن تبرد
- لا دعيني هنا فالبرد ليس كما تظنين
- أخاف أن تصاب بالبرد
- وإذا أصبت به هل تبقين بجانبي لتمريضي
- ألم أقل لك إنك طفل كبير شقي

أمسكت يدها إليَّ وجذبتها إلى فمي وطبعت قبلة عليها ومن ثم عدنا إلى الفندق ومن ثم كل إلى غرفته
لم تكن الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة والنصف عندما ألقيت نفسي على السرير أنظر إلى سقف غرفتي، كيف حاله الآن؟ بماذا يفكر يا ترى؟ كيف يمضي ليله؟ أخشى عليه من الجنون ولكن هل هو من قتلها ، لا .. لا أظن ... ربما .. لا أعلم ..الفكرة كلها جنون
أزعجني رنين الهاتف يدق بهذه الساعة المتأخرة

- ألو ... من؟
- هذا أنا سعاد ألم تعرفني؟
- نعم ماذا هناك؟
- نعم ماذا هناك؟ يبدو أنني أصبحت أسبب الإزعاج لسيادتك
- لا لم أقصد هذا ولكنني كنت أفكر بجميل وأحواله وفوجئت برنين الهاتف
- حسناً أنا آسفة
- لا .. لا عليك، ماذا تفعلين الآن؟
- أمور نسائية
- ... أهـ أمور نسائية حسناً ماذا تريدين؟
- أحببت أن أقول لك تصبح على خير
- تصبحين على خير يا سعاد
- فقط
- ماذا تقصدين
- لا شيء ... أحمد اتصل بي عندما تعود من لقاء جميل
- ولكن سيكون الوقت قد تأخر يا سعاد
- لا عليك ... سأكون مستيقظة ولكن حتى لو لم أكن، أرجوك اتصل
- اذهبي للنوم الآن فغداً لدينا الكثير مما سنقوم به
- أعرف هذا ... ستتصل بي ؟
- حاضر سأتصل
- وعد
- وعد
- تصبح على خير يا حـ ..... يا أحمد
- تصبحين على خير يا ... سعاد (ضاحكاً)
- هكذا .... طيــــــــــب (مغلقة سماعة الهاتف)
- إنها مجنونة ...

ولكن يبدو أنني أعشق هذا النوع من الجنون، شقية وحلوة ولكن أحبٌ هذا الذي أشعرُ بهِ نحوها أم ماذا لا أدري ولكن يجب أن لا أدعها تؤثر بي، أنا لم أفقْ بعد مما كنت به ولا أريد أن أُصدم مرة أخرى ..
يكفيني ما ذقته من العذاب والهوان، نعم أنا لست مستعد بعد للخوض في تجربة حب جديدة ....
ماذا تخبئ لي الأقدار يا ترى ....

أدرت قرص الهاتف للإستفهام من الاستعلامات عن رقم جهاز الفاكس لديهم حيث أنني أريد إرسال رسالة لمقر عملي إذ أنه يبدو من المعلومات المتوفرة لدي والتي بحوذتي حتى الآن أن الأمر ليس بالهين كما كنت اتوقعه ويبدو انه يتوجب علي أن أطيل فترة إقامتي لمدة أخرى أكثر مما كنت أتوقع كما يبدو لي أنني بحاجة ايضاً للمزيد من النقود لذا يتوجب عليَّ أن أتصل بالبنك لتحويل مزيد من النقود فيما لو احتاج الأمر ذلك، أجابني موظف الاستعلامات بأنه يمكنني أستخدام جهاز الفاكس في الوقت الذي أريد، وأن لديهم خط دولي سررتُ كثيراً لهذا الأمر ففي زمن تكنولوجيا المعلومات الذي نعيش به أصبح الإنسان يعتمد بشكل كبير على وسائل الإتصال ومرتبط بها كلياً، طلبتُ من الموظف إرسال أوراق معنونة بإسم الفندق لأكتب عليها ما أريد إرساله فوعدني أن يرسلها بأسرع وقت مع فنجان القهوة الذي طلبته منه
أعددتُ رسالتين إحداهما لصاحب الشركة التي أعمل بها وطلبت إليه تمديد فترة إجازتي لأنني ربما أتأخر عن موعد عودتي الذي أعلمته به سابقاً وشرحت له بعض الأمور التي أستطيع البوح بها
وفي رسالتي الأخرى طلبت من مدير البنك الذي أتعامل معه تحويل جزء من المبلغ المودع بحسابي إلى أي بنك يتعاملون معه في هذه المدينة وأعلمته بمكان إقامتي لتبليغي بتاريخ التحويل ورقمه واسم البنك، وبهذا أكون قد ارحت نفسي من القلق الذي بدأ يساورني ... كانت الساعة تقترب من الواحدة والنصف حينما دق جهاز الهاتف

- الو .. سعيد .. أين أنت الآن
- هل سعيد هذا لديه صوت رخيم كصوتي
- سعاد ! ... ما بك ألم تنامي بعد
- نمت ولكنني حلمت بأنك ذهبت دون أن تلبس ثيابا تقيك من البرد ومرضت و ... حسنا لا أريد تأليف المزيد ولكن عليك أن ترتدي ملابس ثقيلة دافئة فالبرد شديد في الخارج في هذه الساعة من الليل .... ما بك ... أحمد هل أغلقت سماعة الهاتف
- لا ... لكني لم أعتد أن يهتم بي أحد سابقاً
- ....
- آ ... أشكرك يا سعاد صدقيني ... أنا ممتن لك من كل قلبي
- ....
- سعاد .... سعاد
أسمع نحيب بكاء بطرف السماعة سعاد تبكي
- سعاد لما البكاء الآن ماذا حل بك
- آهـ لا شيء أنا جيدة، أنا أحسن الآن
- حسنا سأقوم بالاتصال بك بعد عودتي والآن أريحي عيناك قليلا
- فالترافقك السلامة
- مع السلامة

مع دقات خفيفة على الباب أغلقتُ سماعة الهاتف، كان الطارق سعيد ارتديت السترة ثقيل ورافقته إلى موقف السيارات حيث كان بانتظارنا سائق بدا عليه أنه صديق لسعيد لأنه كان يحادثه باستمرار بأمور بدت لي أنها مشتركة فيما بينهما، السير في المدن خلال الليل غيره خلال النهار، وصلنا المركز بعد حوالي العشرة دقائق وهنا ابتدأ قلبي يخفق كما لم يخفق من قبل للمكان رهبة لا تخفى على أحد وخاصة في أعماق الظلام الذي أحاط بنا من كل ناحية، استأذن سعيد لمقابلة صديقه الذي يعمل في المركز وجلست مع السائق نتجاذب أطراف الحديث بعدما قدم لي لفافة تَبغٍ رخيصة، ثم جاء سعيد بعد فترة قصيرة قائلا :
- علينا الانتظار لحين قدوم صاحبي إلينا
- لماذا ؟
سألته باقتضاب، فأجاب
- يبدو أن الضابط المناوب ما زال يقظاً حتى الآن على غير عادته
- أتعتقد أنه سيتأخر كثيراً
- لا .... أظن بأن الأمر لن يتعدى الربع ساعة فقط
- ربع ساعة .. لا بأس نصف ساعة أيضاً لا بأس المهم أن أقابل جميل
استدار السائق إلى الخلف قائلاً :
- لماذا تريد مقابلته يا سيدي
- أريد أن أعرف منه ما الذي حصل له منذ وصوله من الكويت وحتى الآن
- وهل يعرف صديقك جميل أنك تريد مقابلته الليلة
- لا أدري .... هه ما رأيك يا سعيد هل يعرف جميل أنني أريد مقابلته هذه الليلة
- لا .. سليم أقصد صديقي الذي يعمل بالمركز لم يقل له أي شيء على الإطلاق ولا أظن بأنه يعرف بأنك تريد مقابلته

مضينا العشرون دقيقة التي سبقت حضور سليم في حديث كان معظمه يدور حول جميل
كان يبدو على سائق التاكسي الاهتمام الشديد بحياة جميل في الغربة ، كان يسألني عن طريقة حياته هناك، أصدقاؤه، عمله بل أنه كان يسألني عن طريقة تفكيره وخاصة قبيل عودته مباشرة إلى الوطن، خلت لبعض الوقت بأن سائق التاكسي هذا سوف يعد أطروحة ماجستير عن الجريمة أو أنه من رجال المباحث لذا فهو دائم السؤال عن نفسية جميل

- إنك تبدو كثير الاهتمام بجميل
- يا سيد أحمد لا يخفى عليك بأن معظمنا هنا يتوق إلى بناء حياته ، عملنا هنا لا يسمح لنا ببناء ما نأمل ونحلم بتحقيقه، فرص العمل شحيحة بعض الشيء وإذا توفرت فالراتب يقتل طموحاتك ويجهضها قبل الولاده، لذلك ترانا نحن الشباب نود دائما معرفة كيفية الحياة بالغربة وكيف تكون نفسية من يسافر لأجل لقمة العيش وأرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك
- لا .. لا أبدا

جوابه لم يكن يخلو بأي حال من الصحة في بعض الأمور لكنني ابتدأت من وقتها أحاول أن أرد ردا مقتضباً ربما لأنني لم أرتاح كثيرا لطريقة تساؤله
من بين تلآفيف الظلام ظهر شخصٌ يرتدي ملابس عسكرية يتقدم نحونا، فتح سعيد باب السيارة قائلا :
- إنه صديقي سليم سأرى ما وراءه
توجه سعيد لموافاة سليم تحدث معه لثوانٍ قليلة أشار بعدها إليَ بالترجل من السيارة لمرافقة سليم الذي ابتسم قائلاً :
- يا مرحبا أود لو أن الزيارة كانت في وقت آخر لكني أرجو من سيادتك المعذرة
- لا بأس هل أستطيع رؤيته الآن
- نعم ولكن أرجو الالتزام بما أقول، ذلك لمصلحتي ومصلحتك أولاً
- حسناً لا تخشى شيئا سأنفذ كل ما تقول
- مهما كانت
- ماذا تعني ؟ ... مهما كانت .. لا بأس
- أعطني جواز سفرك (وبعدما استلمه مني) هيا بنا
- على بركة الله

توجهت وسليم إلى المركز وما أن تخطت قدماي باب المركز حتى أمسك سليم بكتفي صارخاً بأحد جنود المركز
- ألقي بهذا الرجل في النظارة حتى أتبين صحة أوراقه، هيا بسرعة
ألجم تصرف سليم فمي، أُصبت بالدهشة أهو فخ لي أوقعني به سليم لمخالفتي القانون أم أنها الطريقة التي وجدها كي أستطيع مقابلة جميل لا أدري، نظرت إليه مستفسرا فأشاح بوجهه عني وصرخ بالجندي
- إنت لسه هنا بسرعة
- حاضر يا سيدي، توجه أيها التعس وإلا ......

Sunday, October 30, 2011

غربـــــــة - جزء ثالث

غادرتُ القطار بعدما توقفَ على الرصيفِ المخصص له، ووقفت لمدة تزيد على العشرة دقائق في مكان قرب الرصيف أتابع الناس من حولي، لا شيء بهذه المحطة يختلفُ عمَّا رأيته في المحطة الرئيسية إلا انها أصغر حجماً، ويُخيل إليَّ أن الناس هنا هم نسخٌ عن الذين رأيتهم في القاهرة، الوجوه تتشابه تبشُ للقادمين وترحِب بهم ... تودع المسافرين وتحزن لفراقهم ... وهذا شأن محطات السفر في العالم وكأنها خُلقت للألمِ والسعادة في آنٍ واحد، والباعة منتشرين هنا وهناك على الأرصفة ينادون على بِضاعتهم ويتجولون بين الناس يحثونهم على الشراء ... كم من الأنين يُسمع هنا وكم من الدمع المراق على الرصيف ... وفي مكان ليس ببعيد تصطف سيارات الأجرة تنتظر الصيد الثمين .... لمحتُ سعاد وهي تُغادر القطار برفقة أخيها، كانت لا تزال تُخفي عيناها بنظارتها السوداء ولا أظن بأنها قد رأتني ... لم أراها تتلفتَ صوبَ المكان الذي أقِف به، متشاغلة مع من كانت تخبرني أنه صديق ... أخاها .. ألآ ليته كان صديق؟ يتحادثان في شأنٍ ما ... لبُرهة بدا لي من طريقة كلامها أنها غير موافقة على شيء ما لا أدري ما هو
وفيما هما متوجهان إلى خارج المحطة إلتفتت سعاد صوبي تُشير إليَّ بيدها مودعة، فوجئت بها تفعل هذا ... إن كيدهُن عظيم، كيف رأتني ولم تلتفت من قبل إلى صوبي؟ .... لم يكن بوسعي الردَّ عليها إذ أنها سرعان ما اختفت وراء الحاجز الإسمنتي الموصل لسيارات الأجرة ... كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف عندما توجهتُ بدوري إلى خارجِ المحطة، ألقيتُ حقيبتي بأول سيارة أجرة صادفتها وأطلعتهُ على العنوان الذي أريد قصده على أن نمرَّ أولاً على فندق من الدرجة الأولى ... كان يبدو لي إن هذه المدينة تتسم بطابعها الريفي سواء من ناحية عمارتها أو تصرفات من أراهم من أهلها وهذا ما يُفترض بمدينةٍ تُحيط بها الحقول والبساتين كما الآثار من كل جهة بينما يشق النهر الخالد الكبير وسطها فيُحيلها إلى جزأين شرقي وغربي، لم يُكن الفندق الذي قصدناه بعيداً عن مكان المحطة إذ سُرعان ما وصلنا إليه ... إذ أنه يقع على الجزء الشرقي من مدينة الأقصر، حجزتُ لنفسي غرفة تطلُ على نهر النيل بينما كنتُ أتابع تجمع لمجموعة من السائحين اليابانيين وهم متوجهين إلى الحافلة في طريقهم لزيارة منطقة وادي الملوك الذي يقبع على الضفة الغربية لنهر النيل وحيث إكتشف العديد من المقابر الملكية وأهمها مقبرة توت عنخ آمون الذي كان لإكتشاف مقبرته دوي عالمي في أوائل هذا القرن لِما حوته من كنوز وآثار عديدة ...وغيرها من مقابر لملوك وملكات توارثوا حُكم هذه البلاد الجميلة ... أترى يسعفني الوقت لزيارتهم؟
لم تكن غرفتي تخلو من اللمسات الفرعونية الجميلة وكأنها تخاطبني من الماضي العريق وتدعوني للتأمل وتحثني على زيارة المعالم الأثرية المنتشرة على أطراف المدينة لكن لم يكن لدي متسع من الوقت لذا إطمأننتُ على حقيبتي التي أدخلها الساعي إلى الغرفة وعدتُ أسرع الخُطى صوب سيارة الأجرة التي تنتظرني لنتوجه بعد ذاك إلى الجزء الغربي من الأقصر حيث يقطن صديقي جميل، لم يكن هذا السائق يختلف عن غيره من السائقين الذين صادفتهم خلال تجوالي في دول العالم الثالث التي أقصدها في بعض الأحيان للعمل أو السياحة ... الحديث لم يخرج عن كون الغلاء مستشري في كل شيء والعمل في كساد لكنه بدا أكثر إصراراً عن غيره في تفسير ما يريد إيصاله إليَّ
توقف السائق بنا مراراً ليسأل بعض المارة عن العنوان الذي أخبرني في محطة القطار أنه يعرفه جيداً، وفي النهاية وصلنا إلى وجهتنا في الثانية عشرة وأربعون دقيقة أي بعد حوالي أربعون دقيقة من البحث والتقصي، أنقدتُ السائق أجرته مع الزيادة التي طلبها مُعللاً هذه الزيادة بأنه استهلك الكثير من الوقود والوقت في البحث والتقصي عن المكان الذي اقصده، وما أن إنطلقت سيارة الأجرة بعيدة عني حتى أرخيت النظر لعيوني تتنقل بين العمارات التي صُفت على طرفي الشارع، وبدت هذه المباني مبنية على طراز واحد وكأنها مشروع إعماري لشركة واحدة، سألتُ أحد البوابين المتواجدين في الجوار عن الشقة التي أقصدها فأشار إلى العمارة الثانية على يمين الطريق وبدا لي أن المصعد يستلزم مفتاح للدخول إليه فأضطررت لصعود سلم العمارة قاصداً الدور الثالث حيث يسكن صديقي، أربع شقق واحدة منها لجميل يبدو أن شقته تحمل الرقم 10 لأنه لا يوجد عليها ما يؤكد إسم صاحبها كما الشقق الأخرى، أصلحت من هندامي والتقطت أنفاسي فيما وضعت إصبعي على مفتاح الجرس الذي أطلق نغماته الموسيقية معلناً عن وصولي، نعم .. أذكر ذلك اليوم الذي توجهت به وجميل لشراء جرس المنزل هذا فقد كان معجب بأنغامه العذبة وهنا تأكد لي أن هذه هي شقته لذا شعرت بالراحة تنساب إلى نفسي عندما سمعت صوت المفتاح يدور في القفل وصوت امرأة تسأل عن الطارق؟

- أنا المهندس أحمد صديق جميل ... صديقه من الكويت
- مين جميل؟ (أجاب صوتها متسائلاً )
- جميل مصطفى حسن ،، يبدو أنها حريصة بعض الشيء وهنا فتح الباب وظهر على عتبته رجل يبدو في أوائل العقد السادس، يرتدي جلباب أبيض أجاب قائلاً :
- أيوه يا أستاذ .. أعتقد بأنك غلطان بالشقة

وأخبرني بأنه لا يعلم من هو جميل هذا ولا يظن بأن أحد من سكان العمارة أسمه جميل، أريته العنوان المدون على الورقة فأكد لي بأن العنوان صحيح ولكنه لا يعرف من هو هذا الشخص فأخبرته بقصة الرسالة، هز رأسه بعد قليل من التفكير ثم دعاني للدخول
- تفضل ،، تفضل الحمد لله على السلامة .. القهوة يا أم محمد
جلست في صالة الشقة أنقِّلُ البصر بزواياه بينما ذهب مُحدثي لتغيير ملابسه، كل ما بالشقة ينطق بأن صاحبها هو جميل تلك الفازة التي اشتراها منذ عام تقريباً والصورة المعلقة على الجدار وحتى الهاتف المتنقل وقبلهم جرس الباب، جاء مضيفي تُرافقه زوجته التي أحضرت لنا القهوة، رحب بي كثيراً بل وأقسم بأن لا يدعني أغادر المنزل إلا بعد تناول الغداء بعدما عرف إنني من لبنان وأخبرني بأنه قام بزيارات عدة للبنان ولديه هناك أصدقاء والكثير من الذكريات التي لا يستطيع نسيانها وكم أن أهل بلدي مضيفين كرماء
- ها .. أيام لا تنسى فعلاً .. يا مرحبا
قالها بلهجة لبنانية والتفت إلي مضيفاً
- نحن اشترينا هذه الشقة من امرأة تسمى سميرة وكان ذاك منذ حوالي الأربعة أشهر كانت تقول بأن زوجها قد توفى منذ فترة وجيزة وترك لها على ما أظن ولداً وابنة مازالا في طور الطفولة، في الحقيقة إشتريت المنزل مع الأثاث (وأدار يديه بأرجاء الصالون) الذي قالت أنه يذكرها بزوجها الراحل، لقد تألمنا لحالة هذه المرأة الذي تركها زوجها وهي مازالت بريعان الصبا ..

دخلت الزوجة معلنة بأن الغداء جاهز، وقف مضيفي يدعوني لمرافقته على أن نكمل الحديث بعد تناول الغداء .
أطفأت سيجارتي وتوجهت معه، لم أكن قد تناولت إفطاري بعد الذي حدث في كافتيريا القطار، لهذا كنت أتضور جوعاً فألقيت نقمتي كلها على الطعام، كان الطعام لذيذاً أو بدا لي ذلك ... لا أعلم إذ أنني إلتهمت طبقي بسرعة لم أعهدها بنفسي حتى أن أم محمد بدت فرحة ومسرورة ويبدو أنها وجدت أخيراً من يؤكد بأنها طاهية ممتازة فراحت تضيفُ من أصناف الطعام إلى طبقي وتحلفني بإبداء رأي بكل صنفٍ وزوجها مستغرق في ضحكٍ متقطع لِما يعرف عنها، لكن ما شغل تفكيري حقاً التساؤل ... أهو جميل من يتكلمون عنه وكيف توفى ومتى؟ وما هذا الذي أسمعه؟
وأخيراً جاء دور القهوة التي خُيرتُ باحتسائها على الشرفة أو في الصالة فاخترتُ الشرفة، جلست ام محمد معنا بعدما جاءت بالقهوة تُجاذبنا أطرافَ الحديث الذي دار حول الغربة وأولادها الذكور وبأنها تفتقدُ أولادها الثلاثة الذين سافروا للعمل بعدما أنهوا دراساتهم الجامعية الواحد تلو الآخر، أصغرهم يعمل في ألمانيا والآخران في الدول الخليجية ... وأن خلفة البنات أحسن لأنهن يبقين قرب الأهل في معظم الأحيان، سألتهم عن كيفية شرائهم للمنزل فأخبرتني أم محمد بأن ابنتها تُقيم في المنزل المقابل منذ أكثر من ثلاث سنوات وتعرفت على السيدة سميرة صاحبة هذا المنزل بحكم الجيرة وكان زوج السيدة سميرة بالغربة إلى أن جاء في يوم من الأيام واستقر وكان ذلك قبل سنة أو أكثر بقليل ويبدو أن زوجها قد وجد وظيفة في القاهرة لأنه كان يتردد على منزله بصورة متقطعة وفي كثيرٍ من الأحيان كان لا يُمضي أكثر من ليلةٍ أو ليلتين مع زوجته وأطفاله إلا أن فجعت هذه المرأة بموته منذ حوالي الخمسة أشهر وبالتالي عرضت منزلها للبيع بحجة أنها لا تستطيع البقاء وحيدةً وبأنها تريد السفر لأهلها، أعلمتني ابنتي بهذا الموضوع وشجعتنا على شراء المنزل خاصة أن السعر كان مناسباً ومغرياً حقاً ومن جهة أخرى إنه كان ملاصق لسكن سلوى .. ابنتي الكبرى، تدبر زوجي بعض المبلغ وأبرقنا للأولاد بإرسال الباقي والحمد لله، ومن ثم غادرت سميرة بعدها هي وأولادها ولم نعُد نسمع عن أخبارهم شيء، نظرت المرأة لزوجها وكأنها تستأذنه في الكلام فأشار لها بأن تكمل
- منذ حوالي الشهرين وفي ليلة ممطرة من ليالي الشتاء سمعت طرقات على باب المنزل بينما كان أبو محمد يصلي العشاء فحسبت بأن ابنتي سلوى هي الطارقة، فتحت الباب دون أن أسأل، فوجئت برجل غريب يتبسم في وجهي تتقاطر حبات المطر من رأسه وحوله حقائب كثيرة يسألني عن سميرة فأخبرته بأنها قد باعت المنزل وغادرته منذ حوالي الشهرين فرأيت علامات الدهشة والاستغراب على وجهه وهنا ظهر زوجي يسألني عن الطارق، (أكمل الرجل سرد ما حصل عن زوجته) قائلاً :
- كنت قد انتهيت من الصلاة عندما سمعت اصوات عند مدخل الشقة فتوجهت إلى الباب ورأيت زوجتي أم محمد تحاور شخصاً غريباً فسألتها عمن يكون ومن يريد فأجابني بأن اسمه جميل وبأنه زوج السيدة سميرة وأنه صاحب هذه الشقة فأعلمته بأن زوج السيدة سميرة قد توفى منذ ثلاثة أشهر، أقسم الرجل بأنه زوج سميرة وبأنه لم يتوفى وهذا بالطبع كان واضحاً لنا ولكن من أين لنا أن نتأكد بأنه زوج السيدة سميرة، وعلى أصوات ما جرى فتح الجيران أبواب منازلهم ومنهم ابنتي سلوى التي أصرت على أن تتصل بالشرطة مع أنني لم أكن أؤيدها بذلك ولكن كان يبدو بأن ذلك هو الحل الوحيد لهذه المشكلة فهذا الرجل كان مصمم على دخول المنزل مبرراً ذلك بأن المنزل ملكه وبأنه لديه سند ملكية أراني نسخة منه، كنتُ على قناعة بأن هناك شيء يدور بالخفاء وبأن هذا الرجل قد خُدع بطريقة أو بأخرى، جاءت الشرطة بعد فترة من الزمن وتوجه هذا الرجل معهم وقد حطمه ما حصل فاضطررت إلى الذهاب معه بعدما أخذت سند ملكية الشقة معي وهناك وبعد أن قصصنا للضابط المشكلة واطلع على البيانات والأوراق كنت أرى هذا الشاب الذي يدعى جميل يتكلم بذهول تام وكأنه لا يصدق ما يسمعه وعندما كنت أروي للضابط كيف عاد زوج السيدة سميرة من المهجر وموته ومن ثم شراؤنا للبيت، كانت الدموع تذرف من عينيه وهو بين مكذب لي ومصدق للأوراق التي أمامه وأخيراً سألني الضابط أين نستطيع أن نجد سميرة هذه وكيف تم لكم شراء المنزل وهو ليس باسمها فأجبته بأن السيدة سميرة تملك وكالة عامة من زوجها يحق لها من خلالها الشراء والبيع وعلى هذا الأساس تم بيعنا المنزل، أجاب الضابط حسناً لكن لو افترضنا بأن الزوج قد توفى فإن هذه الوكالة تصبح باطلة لموت الزوج، عموماً هذا موضوع سوف نخوض به فيما بعد وعلينا الآن التأكد بأن السيد جميل زوج سميرة هذه قد توفى فعلاً وبأن هذا الرجل الماثل أمامنا ليس هو زوج سميرة هذه، كان الرجل طوال الوقت صامتاً غارقاً في دموعه الحقيقة أنه صعُبَ علينا خاصة بعد أن أثبت لنا بما يحمله من أوراق كانت كلها سليمة وإثباتات تؤكد بأنه زوج السيدة سميرة الحقيقي مثل الهوية العائلية وجواز سفره وبطاقته الشخصية بل كان لديه عدة صور تجمعه معها وأطفالها وصور لها ولأطفالها وكمية لا بأس بها من الرسائل معنونة إليه في الغربة مصدرها الشقة محل النزاع
تنهدت المرأة قائلة :
- لقد خدعتنا هذه المدعوة سميرة بحلو اللسان وتمثيليتها التي أتقنتها وادعائها بأن زوجها قد توفى ولكن نحن لم نفعل شيء فكل الأمر تم بصورة سليمة مائة بالمائة والشرطة أصدرت أمراً بعدم تعرض السيد جميل لنا بعدما تبين لهم من خلال تحقيقاتهم بأنه فعلاً هو جميل مصطفى حسن زوج المدعوة سميرة التي باعت الشقة بصورة صحيحة من خلال وكالة عامة صالحة وبأن ما صدر منها هو شيء خاص وشخصي بينها وبين زوجها، المهم أن جميل هذا لم نعد نراه منذ تلك الليلة فالحقيقة أنه لم يأتي إلى هنا أبداً بعد ذلك وهذه هي كل القصة
أخبرتهم ما حصل معي وما وصلني منه وكيف أنني قد جئت إلى هنا بقصد معرفة ما جرى له وأنني أريد الاطمئنان عليه، نصحني صاحب البيت أن أسأل عن أهله فلا بد وأنه مقيمَ عندهم

ودعت الرجل وزوجته وشكرتهم على حُسن ضيافتهم ووعدتهم بالزيارة إن امتدت فترة إقامتي بالأُقصر وأعلمتهم باسم الفندق الذي أقيم به عسى أن يعلموني بأي تطورات تحصل معهم خلال فترة إقامتي
توجهتُ إلى الشارع من الجهة التي جئنا بها وقد ضاق صدري بما سمعت وهالني ما أصاب جميل، أين أنت يا ترى الآن؟ ... أشعلت لفافة تبغٍ وسرت في طريقٍ لا أدري إلى أين سيؤدي بي لكنني رأيت عن بعد ضفة النهر فتوجهت إليها وأخترت الجلوس قريباً من بعض الصيادين المنتشرين على ضفاف النهر فيما المراكب تنساب فيه صعوداً ونزولاً ... فمنهم صائدٌ وآخر محملٌ بالبضاعة وغيرهم يركن مراكبه على ضفتيّ النهر وقربي بعض الأطفال يهرولون ويسبحون قريباً من الشاطئ فينهرهم البعض لقربهم من منطقة صيده، ومن وعلى اليمين بعض النسوة وكأنهن يغسلن بعض الثياب ... المكان يمثل لوحة بانورامية جميلة للطبيعة وهي تعانق النهر في هذا الوقت من السنة ومما زادها رونقاً وجمالاً زقزقة العصافير على الأشجار الوارفة القريبة، للمكان بهجة لا تناسب الظرف الحزين فهو يصدح بالطمأنينة والأمان
تذكرتُ كلمات جميل مودعاً غربته وأنه عائداً إلى الأمان والاستقرار والطمأنينة ... أين أنت الآن من كل هذا يا صديق؟

ألقيتُ نظراتٍ سريعةٍ على المكان قبل أن يستقر رأيي على المغادرة، وأشرت لسيارة أجرة بدت من بعيد لتنطلق بي إلى الفندق، ما أن أشرفت الساعة على الخامسة والنصف مساءاً حتى كنت ببهو الفندق ولم يكن هناك ما يُغري للجلوس فيه اذا توجهت من فوري إلى الغرفة، ألقيتُ عني ملابسي وطلبت لنفسي فنجان من القهوة بعد حمام كان لا بد منه ليعيد لنفسي وبدني الراحة بعد العناء الذي عايشته، ومن ثم خرجت إلى الشرفة أراقب غروب الشمس عند الأصيل
نسيم المساء المعبق بالرياحين يُضفي على منظر الغروب سحراً لم أعهده من قبل بينما تصدح من مكان ما ألحانٍ رومانسية امتزجت مع غروب الشمس بألوانها الزاهية مؤلفة لوحة أبدع الخالق صنعها وبينما أنا منشغل بإبداع الخالق وإذ بطرقاتٍ على بابِ غرفتي تُعلن وصول القهوة، طلبت من النادل وضع القهوة جانباً متسائلاً
- هل أنت من أهل الأقصر،،،
- نعم يا بيه .. أي خدمة
عنّ على خاطري أن أطلب منه مساعدتي في العثور على صديقي جميل فأنا هنا وحيداً ... غريب عن المنطقة وعلي أن أستعين بمن يعرفُ الأقصر جيداً
- إنني أبحث عن صديقي وهذا أسمه، في الحقيقة كان يسكن في هذا العنوان ولكني فوجئت اليوم بأنه قد غير محل إقامته دون أن يخبرني، لا اعلم إن كنت تستطيع مساعدتي بهذا الشأن؟

لاح على وجه النادل القبول فأنقدته بقشيشاً سخياً ووعدته بمبلغاً آخر إذا ما أتاني بخبرٍ عن مكان إقامته الجديد، فرح النادل بما تقاضاه ووعدني ببذل الكثير من الجهد وبأنه سيطلب من أصدقاؤه أيضاً المساعدة بهذا الأمر، كان النادل في بداية العشرينيات ينضح وجهه بالنشاط وتتقد عيناه بالذكاء لكنني لم أراهن كثيراً عليه معتمداً على حظي السابق
كان صوت الموسيقى الهادئة يجتاح نفسي وينساب في أذني، أغلقتُ عيناي وأنا ارتشف القهوة مستمتعاً بهذه الموسيقى الشجية قانعاً بما يصلني منها في مكاني
لا أدري كم من الوقت استغرقتُ بالنوم لكن رنين الهاتف في غرفتي أيقظني وكان على الطرف الآخر سعيد! النادل الذي جاءني بالقهوة لم أعرفه في بادئ الأمر، أخبرني بأنه قد وجد مكان صديقي جميل، طلبت منه التوجه فوراً لغرفتي فيما قمت بتبديل ملابسي ويبدو انني سهوت فرقدت في كرسييّ على الشرفة وقد شارفت الساعة على الثامنة وعشرون دقيقة مما يعني أن الأمر استغرق منه ساعتين تقريباً ليعرف مكانه
- صديقك هذا بالسجن يا بيه
كان وقع الكلمات على نفسي شديداً لأنني كنت أتوقع وجوده بإحدى المستشفيات أو عند والديه أما السجن فلما؟
- ماذا تقول ولما هو بالسجن؟
أجاب سعيد بعد فترة من التردد
- بصراحة لا أعلم ولكن يقال بأنه متهمٌ بقتلِ زوجته يا بيه
- ماذا زوجته ... ؟ كيف ...؟ (لا ادري إن أصدق ولكن...)
- سعيد وهذا السجن أين هو هل هو في الأقصر و.. وهل أستطيع مقابلته والتحدث إليه؟ ولكن هل أنت متأكد مما تقول؟
- هذا ما قيل لي ... نعم هو بسجن المركز هنا يا بيه هذا ما قاله صديقي
- من صديقك هذا يا سعيد؟
- إنه يعمل هناك وهو الذي أخبرني بقصة السيد جميل هذه
- سعيد .. هل تظن إنني أستطيع رؤيته؟
- لا أعلم لكن أستطيع إخبارك بعد نصف ساعة يا بيه، علي أن أسأل صديقي أولا
- حسناً يا سعيد ... سأبقى بغرفتي هنا يا سعيد ولكن أرجو أن لا تتأخر، خذ هذا المبلغ للاحتياط فربما احتجته للمصاريف
-
حاضر يا بيه .. هل أذهب الآن؟

ما هذا الذي اسمعه أيعقل ... ما الذي حصل؟ أخذت اذرع الغرفة وعرفت بأنني لن أستطيع الجلوس في غرفتي وأنا أحترق لمعلومات كهذه فيما كان سعيد ينتظر
- سعيد إن لم تجدني في الغرفة فلتسأل الاستقبال عن مكاني واضح يا سعيد؟
- نعم ... حاضر يا بيه
(وهو يغلق باب الغرفة)

جميل! يقتل زوجته؟ نعم لخيانتها سيفعل بالتأكيد ولكن لتذهب إن أرادت إلى الجحيم ولكن يقتلها؟ ماذا سيستفيد من قتلها ...الإنتقام؟ والسجن يا جميل ألم تفكر بهذا؟ يا لك من بائس يا جميل .. يا لك من بائس ايها الصديق
أشعلت لفافة تبغٍ وخرجت إلى الشرفة، هواء الدنيا كله لا يكفي لتهدئة البراكين الثائرة بنفسي، أشعر بالضيق يعتمر صدري، سقطت لفافة التبغ من يدي والسخطُ يملئ وجداني، لو أنه بقي بين زوجته وأولاده لما جرى له ما جرى، لعن الله الغربة

Saturday, October 29, 2011

غربـــــــة - جزء ثان


إذاً هي لم تتضايق مني لكنها حزينة لموت والدها كما أنها بطريقها إلى بيت الأهل لأجل العزاء، تفوهت بكل ذلك وهي تقف بجانب المائدة، عزيتها بوالدها ودعوتها إلى العشاء معي لكنها اعتذرت بأنها غير قادرة على تناول أي شيء وبأن لا تشعر بشهية إلى الطعام وكان من الطبيعي أن أدعوها والحال هكذا إلى ارتشاف فنجان من القهوة وخاصة انني رأيتها تدخن سابقاً لكنها اعتذرت بلطف أيضا قائلة بأنها تشعر بالُنعاس يطرق بابها ومن ثم لم تُطل كلماتها معي وتوجهت من فورها إلى الباب المقابل الذي يؤدي إلى مقصورتها على ما يبدو بعدما ألقت تحية المساء.
من هو هذا الشاب الذي كانت تبادله الحديث ولِما كانا يتحدثان بصوتٍ عال يشوبه الضيق وبماذا كانا يتحدثان يا ترى؟ الكثير من هذه الأسئلة التي كانت تنقصها الأجوبة جالت بفكري بينما كنت أتصفح الصحيفة مُختلساً النظر إلى الباب الذي خرجت منه هذه المرأة التي لا أعلم ما أسمها، ولكن ما بالي أشغل نفسي بها؟ أخيراً جاء الطعام عندما باشرت بإشعال سيجارتي الثالثة، لكن التهام الطعام وقراءة الصحيفة شغلني عن المرأة وعما يدور حولي من أحاديث بين رواد المطعم، يعجبني حقاً هذا الشعب بما يتميز به من خفة دم وفكاهة حتى وهم يتداولون أحاديثهم اليومية ... وكنت خلالها أسمع بعض الأصوات لكنني لم ألقي لها بالاً حيث شغلني موضوع كنت أقرأ عنه تبين لي لاحقاً أنه أخذ بمجمع حسي وتفكيري إذ أنني حينما انتهيتُ من تناول طعامي واردت الإلتفات لأطلب القهوة وجدتها تجلس أمامي في كرسي إلى جانبي تنظرُ عبر النافذة الملاصقة لها إلى الحقول المظلمة التي يتخللها ضؤ القمر في هذه الليلة الربيعية، كان رسمها منعكس على زجاج النافذة عندما سمعتها تقول وقد رأتني أتلفت لها
- لم أستطع النوم حاولتُ .. لكنني لم أستطع
وكأنها تُبرر لي ... عودتها المفاجئة
- إذن فأنا أرجو أن تقبلي دعوتي إلى فنجان من القهوة

في صمتٍ توجهت مُحدثتي إلى المائدة فيما كان النادل يُزيل أطباق الطعام، وجلست على المقعد الذي يقابلني ... تفحصت وجهها بعدما طلبت القهوة لكلينا، اختلفت سحنة وجهها بعض الشيء عما رأيته سابقاً فهي تضعُ بعضاً من المساحيق التي أخفت بها شحوبَ وجهها وغيرت من تسريحة شعرها السابقة فتركت شعرها منسدلاً على كتفيها، تلك المساحيق التي طالما تساءلتُ في نفسي لماذا يضعنها، لم أرى في أناملها ما يشير إلى أنها متزوجة عندما تطرقت إلى الحديث عن نفسها قائلة :
- سعاد .. ليسانس حقوق .. محامية يعني .. وحيدة أمي التي ماتت منذ ما ينيف على سبع وعشرون عامآ
تزوجَ خلالها أبيها من امرأة أخرى بعد عودته من القاهرة بعد وفاة والدتها إلى الأقصر التي أقصدها وبقيت هي في كنفِ جدتها لأُمِها التي تولت رعايتها حيث لم ترضى الزوجة الجديدة رعايتها، وفي القاهرة موطن والدتها تلقت تعليمها ومرت سنوات عديدة كان الأب يزورها بين الحين والآخر ليطمئن على أحوالها إلى أن انتقلت الجدة إلى الرفيق الأعلى وبقيت هي في بيت جدتها لظروفِ دراستها الجامعية وحيدة في القاهرة تلك المدينة الكبيرة
- هذا ملخص حياتي ... لا أدري لماذا قصصته عليك؟
قالت ذلكَ وكأنها تتخلصُ من عبئ رزخ على صدرها لسنواتٍ عديدة وتبعت كلماتها تلك برشفةٍ من القهوة التي جاءَ بها النادل مع الفاتورة، نظرتُ إليها ... كأنني بشوقٍ لمعرفةِ المزيد من امورها ولا أدري لما كنتُ أتوقعُ أن تحدثني عن هذا الرجل الذي كانت تُبادله الحديث بين المقطورتين، اعلمتها عن سبب مجيئي إلى الأُقصر وبأنها المرة الأولى التي أزورُ بها مصر، ويبدو أنها كانت تتوقع المزيد من المعلومات عني خاصة لأنني لم أكن أسهبُ بالكلام كثيراً عن نفسي لأنها ما فتأت تسألني عن ظروف عملي في المهجر وتحوم حول ما إذا كنت متزوجاً أم لا ... يبدو أن جميع النساء يتشابهن بخصوص هذا الأمر فجلَّ ما يهمهن هو معرفة إن كان محدثهن مرتبطاً أم لا، أجبتُ عن جميع تساؤلاتِها بروحِ رياضية ممزوجة ببعضِ الفكاهة ثم سألتها عن موعد وصول القطار إلى الأقصر التي نقصدها فأجابت
- في الحادية عشرة تقريباً (والساعة قد جاوزت الثانية عشرة ليلاً)
- صباح الغد؟
- (وهي مبتسمة) لا اليوم ..
- من الشخص الذي كان برفقتك عندما رأيتك للمرة الأولى بين المقطورتين

وكأنني بسؤالي هذا فتحت نافذة من الذكرى كانت تداريها عن العيون وتحاول نسيانها بجلستنا، إذ أنني لاحظت التجهم على وجهها والحزن يعود من جديد إلى سحنتها بعد الإشراق الذي لازمها طيلة الأمسية لكنها أجابت باقتضابٍ شديد
- مجرد شخص ... صديق
ثم تناولت علبة سجائرها قائلة
- أشعر بالإرهاق و.. أود الذهاب إلى مقصورتي أشكرك على القهوة

أنقدتُ النادل ... وأصررت على مرافقتها إلى مقصورتها حيث أن الوقت قد تأخر، لم تكن مقصورتها بعيدة عن المقطورة التي نحن بها أعلمتها برقم مقصورتي ربما تحسباً لأي طارئ وطلبتُ منها إغلاق الباب من الداخل ووقفتُ لبرهة من الزمن في الممر أشعلت خلالها لفافة من التبغ وأنا أحاول تذكر ذلك التجهم الذي بدا على محياها عندما سألتها عن مرافقها، علا نفير القطار مرتين محذراً ... ربما هناك بقرة قابعة على قضبان السكة الحديدية أو لشأن آخر لا أدري، وفي تلك الفسحة الصغيرة بين المقطورتان وقفتُ في نفس المكان الذي كانت تقف به هي وذاك الشخص فيما كنتُ متوجهاً إلى مقصورتي، أنزلت زجاج النافذة وأخرجت رأسي قليلاً لأستنشق بعض الهواء المنعش لم يكن الوقت الذي أمضيته بمراقبة النجوم والحقول المنتشرة هنا وهناك ليذهب سُدى إذ أنني شعرتُ بصفاء جميل يسري إلى بدني كم احببتُ رفقة الليل وتلك النجوم الغارقة في محيط السماء كم هو جميل هذا الليل الذي يتخلله من بعيد أنوار تحاول إختراق الظلام وكأنها تستحلفني النظر إليها ولقائها ... وكم كان دافئ هذا اللقاء بيني وبينها؟
تسلل النعاس سريعاً بعدها إلى عينيَّ فعدت أدراجي إلى المقصورة وألقيتُ على السرير جسدي أحاول النوم لكن أحداث الأمسية ما فتأت تزاور مخيلتي ... مشاهد متقطعة هنا وهناك ... تُعيد نفسها أمام عيوني .. وكأنني أطالع في نهم ما تخبئه عيناها وأود لو أنني أغوص بها استكشف أغوارها ... لعينيها سحر غريب كأنه قادم من الماضي ... أذكر أنني رأيت هذه العيون ... نفرتيتي ... كليوباتر كلهم في نظري متشابهون ... لا اذكر لكنها بالتأكيد سلالة لتلك الملكات ... وتلك السحنة الغارقة في الحزن تزيد من جمالها وتمنحها أناقة لم أعهدها بين النساء ... أتُراها كاذبة فيما ذهبت إليه؟
لا أدري لما طرأ في بالي حديث السائق نعم عم محمد وهو يوصيني بألآ اثق بأي إنسان ألم يقل بالحرف الواحد أنت غريب فلا تثق بكل من تصادفهم... نعم هذا ما قاله لكنه أتراه يقصدها ... لو رأى عيناها ... هه ... لا .. هي أجدر من الرجال بعدم الثقة أليست أنثى ... ألم تتعلم من الماضي ... ربما هي من الذين يعتاشون على سرقة الغرباء والسواح .. وخاصة أنها قد تبينت من لهجتي أنني لست مصرياً ... هذا مؤكد نعم ... إذاً ما الذي يدعوها لمحادثة رجل غريب تُجالسه .. تشرب قهوته ... تُكلمه عن ماضيها و... يجب إغلاق قفل باب المقصورة جيدا ... قرأت بعض الآيات والأدعية وأمسكت كتاباً ليعينني على النوم وما هي إلآ دقائق حتى إنطلقت في رحاب النوم أختلس الأحلام من ثناياه ...
طرقات على باب مقصورتي عند الصباح كانت سبباً لإيقاظي وانتباهي من النوم ولم تكن الساعة قد جاوزت الثامنة عندما ألقيتُ على الكتف ردائي وفتحت باب المقصورة متسائلاً عن هوية هذا الطارق ... إذ بها هي ترتدي نفس الملابس التي كانت عليها ليلة الأمس وفي نظراتها التصميم والأمل (التصميم على ما جاءت به والأمل بقبوله مني)
- صباح الخير أرجو أن لا أكون قد ازعجتك
ربما لم أفاجئ كثيراً بها حيث أنني قد افترضت بأنها محتالة فليس بالغريب عليها إذن أن تأتي إلى مقصورتي أومأت لها بلا
- إذن أرجو قبول دعوتي الى الإفطار
- و.. ولكنني لن استطع تناوله قبل نصف ساعة من الآن
- لا بأس ... سأكون بإنتظاركَ إذن في المطعم

أومأتُ لها برأسي وأعدتُ إغلاق الباب جيداً ... جلست مطرق رأسي إلى الأرض أفكر ... ما الذي أفعله كنت أستطيع صرفها دون تناولالإفطار معها لكن حب الاستطلاع عندي كان اكبر مما اعتقد، كنت في الطريق إلى المطعم خلال عشرة دقائق بعد أن اطمأننت أن الحوائج التي تركتها بالمقصورة ليست بذات أهمية، جواز السفر.. النقود.. كلها معي ..ليذهب ما تبقى إلى الجحيم، وجدتها في الركن تدخن سيجارتها ... مشرقٌ وجهها هذا الصباح كنت أحسبها بيضاء اللون إلآ أنه تبين لي أنها حنطية اللون نعم جمال لونها أقرب إلى نفسي ويدعوني للإرتياح، أومأت لي برأسها والابتسامة ترتسم على شفتيها، جذابة هذه المرأة ألم اقل أن لعيونها سحر وبريق غريب، ألقيتُ عليها تحية الصباح وجلستُ أطالع بعضَ الوجوه من حولي ربما كنتُ أبحثُ في الوجوه عن هذا الرجل .. صديقها لكن وجه الرجل كان غير متواجد معنا، أين هو يا ترى؟
ضحكت جليستي قائلة :
- أتخافَ أن يراكَ أحداً معي أم أنك تبحثُ عن شخص ما
- لا .. هي عادة لي منذ الصِغر علّي أُصادف من أعرفه، حسنا أين الطعام؟

سألتها ويدي تؤشر للنادلِ الذي كان يمرُ قُربنا وبينما أنا في حديثٍ مع النادل وإذ بي أراها تعتدلُ في جلستها وتنظرُ في قلق خلفي ثم ادارت وجهها إلى النافذة تصطنعُ النظرَ إلى الحقول المترامية، أدرتُ وجهي إلى الخلفِ ورأيته، نعم إنه صديقها قادم من صوب مقطورتي ولكن لِما امتعضت عند رؤيته، اتجه الشاب نحونا وقبض بيده على زندها وهو يصرخ قائلاً :
- أيتها العاهرة أتأتينَ بأصحابكِ معكِ إلى مأتم أبيكِ أيضاً
قالها الشاب دون أية مُقدماتٍ منه وقد ألجمت كلماتهِ تلكَ لساني فلم أعد أعرف من الذي يقصده بهذه الكلمات، إلتفتتْ إليهِ وقامت بصفعهِ على وجههِ قائلة :
- إخرس
كانَ صوتها ينِمُ عن غضبٍ شديد وهي تُحاولُ التخلصَ من قبضتهِ القوية وعيناها تنظرُ إليَّ تستصرخني ...كأنها تستنجد بي وعندما هممتُ بالوقوفِ لمحتُ شرطيَّ يتقدمُ نحونا، ويضع يده على كتف الشاب يأمره بترك يد سعاد التي كانت تئنُ من الآم ذراعها من جراء الضغط على زندها الضعيف، صرخ الشاب
- دعني ايها الشرطي .. دعني إنها أختي
نظرتُ إليها مستوضحاً فلم أجد منها أيَّ إعتراض على كلماته، كان صمتها دليل موافقتها، أشرتُ للشرطيّ بأن يدعهُ وشأنه وأخبرته أن ما حصلَ هو شأن عائلي وأن أخيها خرج عن طوره ووعدتهُ أن لا يُكرر ما فعله وشكرته على سرعة إستجابته تلك، ذهب الشرطي إلى المكان الذي جاءَ منه وبقيتُ والشاب واقفين بينما سعاد غارقة في دموعها على مقعدها وعيناها تتجهُ صوبَ حقول الذرة خارج القطار، كانت تنتحب بصمت ... نظرة واحدة إليها كانت كافية لأن أرى مقدار الحزن والألم الذي اعتراها، ما الذي دعاها لتنكر أخوَّتها له وتدعي أمامي بأنه مجرد صديق؟
دعوتُ أخاها للهدوء والجلوس معنا موضحاً له أنني لستُ من يظُن وأنني مجرد إنسانٌ غريب عن هذه البلاد صودفَ أن إلتقيت وأخته في القطار وأوضحتُ له بأن لا يصدق كل ما تسمعه أذناه وأن يصدق نصفَ ما تراه عيناه وأن يدع الباقي لعقلهِ فالمظاهِر مخادِعة في كثير من الأحيان، وأن أخته لو كانت كما قال لما تجرأت على الجلوس معي وهي تعلم أنه على متن القطار لكنها تتصرف بعفوية وبراءة منها وأكدتُ له بأنها يجب أن تكون حريصة في التعامل مع الآخرين وأن لا تأمن لجانبِ أحد .. كما يجب عليها أن لا تثق بأي إنسان دونما سابقُ معرفةٍ وتجربة، أخذ الشاب يميلُ إلى الهدوء موضِحاً أن ما يسمعه ويراه من تصرفات بعض الفتيات يجعلهُ في حيرةٍ من أمره من التعامل مع أية فتاة وبأنه نصح أخته مراراً بترك عملها الذي التحقت به بعد تخرجها والمجيء للعيشِ معهم حيث يقيمون، خاصة أنها وحيدة في القاهرة ... لكنها كانت تأبى باستمرار وترفض حتى الخوض بهذا الموضوع ... الأمر الذي جعلها موضع شك دائم، وهنا رأيتُ ابتسامة ساخرة على شفتي سعاد التي قامت من مجلسها دون أن تتكلم تُخفي عيناها بنظارة سوداء لا أدري من أين جاءت بها متوجهة صوب مقصورتها، لم أحاول منعها وأومأت لأخيها أن يدعها وشأنها حتى تهدأ ويذهب عنها الغضب وأوضحت له بأن ما فعله هو طيشٌ لا موجب له خاصة وأن الناس الذين لا يعلمون سوى ما يسمعون وعلى موجبِ هذا سوف يألفون رواياتٍ وحكاياتٍ كثيرة لا تمتُ للحقيقةِ بصِلة فأومئ برأسه موافقا وأضاف إنهم لا يدعون أحد لحاله وخاصة في مدينتنا حيثُ تسود التقاليد والعادات القديمة وكل ما يهمهم المظاهر وأضاف قائلآ :
- لقد قاسيتُ الكثير وسمعت الألسنة تلوك سمعة أختي وكم من المعارك خضت بسبب هذا الموضوع، رجوتها كثيراً أن تعود معي وتعيش في بيت الوالد ولكنها كانت دوماً تأبى ذلك وقبل وفاة الوالد بسنة أتيت إلى القاهرة بحثا عن العمل، قصدتها زائراً وأعلمتها بنيتي فما كان منها إلا الاتصال بأحد الأشخاص الذي دعاها للحضور معي لمكتبه وبالفعل وظفني هذا الشخص بأسرع مما كنت أتصور لكنني لم أرتح له أبدا لأنه كان مهتما طوال اللقاء بها يوافقها على أي شيء تطلبه، عيونه لم تكن تفارقها أبدا وبدأت رحلة العذاب مع هذه الوظيفة التي لم يتوانى الموظفين عن إثارتي بهمساتهم وتعليقاتهم وكأنهم يقولون لي بأن هناك علاقة شائنة بين صاحب الشركة وأختي فاضطررت لترك العمل بعد أن إزدادت الضغوط النفسية وتخليت عن الراتب الكبير الذي كنت أقبضه في كل شهر والتحقت بوظيفة في أحد المصانع يعادل راتبها ثلث ما كنت أتقاضاه سابقاً إلى أن جاءتني سعاد يوم الأمس تُعلمني بأن الوالد قد توفى وكان قد مر سبعة أشهر لم اسمع بها أي شيء عنها وها نحن في طريقنا لتوديع رفات الوالد الوداع الأخير
لست أدري ما الذي كان يدور برأسي عندما كان جليسي يتحدث لكنني والحق يقال كنت مندهشاً مما اسمعه ولا أعلم لما يتقاذفني الناس بمعلومات عنهم وكأنني صديقهم منذ عشرات السنين ولا أدري الى أين سرحت بأفكاري، هزني محدثي قائلاً بأنه أوجع رأسي بالحديث لكني أشرتُ إليه بمتابعة ما يقول فأجاب بأنه قد انتهى لتوه وبأنه الآن لا يعرف كيف يتصرف مع أخته وأنه شديد الأسف مما صدر منه، بعد القليل من الوقت وفيما نتناول القهوة أعلن موظف القطار بأننا قد شارفنا على الوصول إلى الأقصر وكان من الطبيعي أن يتوجه كل منا إلى مقصورته إستعداداً للوصول، أعددت حقيبتي بعدما غيرتُ ملابسي بأخرى تناسب ما أنا بصدده من رحلة البحث عن صديقي جميل وجلست أراقب وصول إلى القطار إلى المحطة ... محطة الأقصر

Friday, October 28, 2011

غربـــــــة - جزء أول

غربة
في فترةِ ما بَعد اللقاءِ وقبل الفراقِ شعرتُ بأنَ قلبي ينتفضُ ليغوصُ في أعماقهِ، شعورٌ يسبقُ حدوثَ شيءٍ ما، ترفقتُ بمحدثي حتى أنهيتُ اللقاء معه وكان الوداعٍ حارٍ .. ربما يكون أبدي، كان شديد السرور.. فرحاً .. تغمره البهجة والسعادة .. كيف لا وهو عائدٌ إلى الوطن بعد غيابٍ طويلٍ إمتدَ زُهاءَ خمس سنوات أمضاها بين ضنك العيش وجُهد العمل المتواصل ليستطيع توفير مقتضيات الحياة لزوجه أم أولاده في الوطن.
- العقبى لك يا صديقي، لِتعُد يوماً إلى وطنكِ إلى والديك الا يكفيك غربة إمتدت إثنان وعشرون عاماً، بالنسبة لي فقد إنتهت الامي ولست أدري كيف استطعتُ الصمود كل هذه الفترة، نعم خمس سنواتٍ ليست بالمُدة البسيطة لقد قاسيتُ فيها الكثير ولكن لا تنسى بأن الحصيلة كانت جديرة بأن يتغربَ من أجلها من كان مثلي، و ها أنا أعودُ للوطنِ بعدما أبتعتُ بيتاً لي ولأسرتي الصغيرة ومحل صغير أستطيع أن ابدأ بهِ عملاً تجاري لأعتاشَ منه، حياة لم أكن لأحلم أن أكون بها لولا غربتي هذه، (رافعا يده اليمنى بحركة مسرحية) ها أنا قادمٌ أيتها الحياة الآمنة المستقرة، لا إيجار بعد اليوم.. لا مطالبين ..لا راتب بسيط بل عملٌ حُر، ولكن لا تنسى يا صديقي ولتعمل على تخليص معاملة سيارتي بأقرب وقت وسوف أقوم بتخليص معاملتها عند إستلامي إياها بالوطن، آه النزهة بالسيارة هناك يا أحمد ورفيقة الدرب بجانبي ..الأطفال في المقعد الخلفي، لا لسيارات الأجرة بعد اليوم لا لحافلة المواصلات المزدحمة، آه الحمد لله هل نسيت شيء (متلفتاً يبحث بين حاجياته) تذكرة السفر ها هي .. وصلُ الحقائب .. جواز السفر أذنُ المغادرة كل شيء جاهز .. إستعدي أيتها الطائرة أنا قادمٌ إليك..
ودعني صديقي جميل بعدما أوصاني بمكاتبته وأعطاني عنوانه .. ذكرني مراراً بإنهاء معاملة سيارته ليستقبلها بأرض الوطن، كانت كل كلمة وإشارة يُبديها تُظهر مقدار سعادته العميقة التي سرت بوجدانه، كنا ننعته بالحرصِ الشديد وأحيانا بالبُخل والتقتير كان يبيع إجازاته للشركة التي يعمل بها كي يُقصِّرَ أيام غربته، ودعته وبين شفتاي كلمة أعادك الله سالماً غانماً لأهلك وبريقَ الحُزن يختلي في عيوني لوداعه، كان صديقاً مخلصاً، بل كان مخلصاً لزوجته يبثها لواعج أشواقه عبر رسائله التي كان يرسلها مع أصدقائه المغادرين كي يوفر ثمن طابع البريد، لم أعلم بأنه أمضى ليله في سهرة حتى على مقاعد المقاهي لتناول القهوة أو الشاي أو حتى تدخين أرجيلة وكم أدعى أنه عاشقٌ قديم للنارجيلة لكنه بالوطن ... نعم بالوطن سوف يدخن الشيشة كما لم يُدخن من قبل كما قال، توجه صديقي إلى بوابة المغادرين سريعاً بعد الإعلان عن الرحلة المغادرة إلى وطنه مصر
توجهت بدوري إلى مقهى المطار الصغير لأرتشف فنجانٌ من القهوة وأشعلتُ لفافة تبغٍ فيما أنظرُ من خلال زجاج المقهى المطل على قاعة المغادرين، ها هو يحمل حقيبته اليدوية وعلى كتفه حقيبة أخرى حوت الكثير من الهدايا وما استطاع حشوه من حلوى وسكاكر لأطفاله يُسرع الخطى نحو بوابة الطائرة، إرتشفت ما تبقى من القهوة بعدما غاب عن ناظري وأنقدت النادل وتوجهت بعدها إلى سيارتي.
مرت الأيام على طولها تختصر الحكايات في الغربة لتكرارها ودوامها، كنت ابانها قد أنهيت معاملة سيارته ومن ثم أرسالها إلى مصر كما أرسلت له رسالتين أهنئه بإحداهما على سلامة الوصول وأعلمه بالأخرى أننا نفتقد صحبته ونتمنى له حياةً هانئة ومستقرة بين أطفاله وأهله وأوصيته بمكاتبتي كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.

بعد مضي حوالي خمسة وأربعون يوماً وصلني خطاب معنونٌ بإسمي ولم يُذكر على الظرف إسم مرسله لكنه كان من مصر أي بلد صديقي جميل ، فضضت الظرف بسرعة وأنا متشوق لمعرفة أحواله وأخباره حيث أنها أول رسالة تصلني من طرفه ، إبتدأت بقراءة الرسالة وأنا على مائدة الغداء بأحدى المطاعم المنتشرة بكثرة في الكويت، نعم إنها منه ولكن ما بال خطه لم أكن أعلم بأن كتابته رديئة لهذه الدرجة لكني إستطعت فك رموز الكلمات واستنبطت ما خفي منها، بإختصارٍ شديد هو يريد مني القدوم إلى طرفه بأسرع وقت ممكن، وهو بحاجة ماسة لي ولم تذكر رسالته سوى ذلك ولم تبين السبب وراء دعوته الغامضة تلك، سهوت قليلاً وأنا أبحث عن سبب ممكن لدعوته لي للقدوم وفكرت أن أتصل به من خلال الهاتف ولكن هاتفه ظل يدق طويلاً دون إجابة من أحد، وبما أنني كنت بحاجة ماسة لقضاء بعض الإجازة والراحة من العمل المضني و صديقي جميل هذا ربما يكون بضائقة أو بحاجة ماسة لي فعلاً فلذلك ولغيرها من الأسباب قررت السفر إليه
توجهت إلى سفارة بلده للحصول على تأشيرة سياحية ومن ثم حجزت لي مقعداً على الطائرة المتوجهة إلى مصر بعدما أعلمت مدير الشركة التي أعمل بها انني بحاجة لإجازة، وتم كل ذلك دون أن أستطع إعلام جميل بقدومي إليه وبموعد وصولي، لكن بما أنني أحتفظ بعنوانه الذي أراسله عليه فأظن بأنني سأستطيع الوصول إليه ، وكل ما في الأمر هو أن أطلب من سائق الأجرة أن يتوجه بي لهذا العنوان .

جلست برفق على مقعدي في الطائرة المتوجهة لميناء القاهرة الجوي كما يُطلق عليه وعقلي ما زال يجهد نفسه بالتفكير بهذه الدعوة الغريبة ، ماذا لو... لا فلأدع جانباً كل الأفكار فقريباً سأعرف منه كل شيء المهم أنه أرسل لي رسالة وهذا يعني أنه بخير

قاهرة المعز

كانت الرحلة إلى القاهرة مريحة وقصيرة نسبياً ولم تتجاوز الثلاث ساعات وصلنا بعد ذلك إلى المطار، توجهت من فوري إلى ضابط الجوازات لختم تأشيرة القدوم، استقبلت بالحفاوة التي تقدمها تلك البلاد إلى السواح مع التسهيلات المتعددة التي توفرها لهم إدارة المطار
حملت أمتعتي متوجهاً إلى بوابة القادمين التي تفضي إلى بهو المطار ومن خلاله إلى مواقف سيارات الأجرة الذين توافدوا مرحبين بسلامة الوصول، اخترت أحدهم وقد تجاوز العقد الخامس من عمره وبعدما انطلقنا اعلمته عنوان الوجهة التي أقصدها فنظر لي مستفسراً وأضاف قائلاً بعد فترة وجيزة وهو يلقي برأسه إلى الوراء جهتي

- تريد السفر بالطائرة أم بالقطار أم بالسيارة يا بيه ؟
فوجئت بكلماته هذه واستنبطت بأن العنوان بعيداً
- لست أدري فالننسى أمر الطائرة الآن ولكن أخبرني بأيهما أوفر للراحة وأسلم، السيارة أم القطار
- عليك بالقطار يا بيه فالرحلة مريحة فيما لو أنك حجزت بالدرجة الأولى أو استطعت حجز مقصورة للنوم ولكن بالسيارة فالتنسى الراحة إنها رحلة شاقة ومضنية
- عليك إذن بمحطة القطار يا صاحبي

توجه السائق إلى محطة القطار وكان خلال الطريق ينظر أحياناً إلي بالمرآة يتفحص وجهي وأنا متشاغل عنه بما أراه تارةً يمنة وتارةً إلى اليسار، المساجد القديمة والحواري العتيقة التي نمر بأطرافها تحوي مبانٍ من عهود مختلفة والناس يتدافعون كل إلى شأنه والباعة يصيحون بما يحملون على عرباتهم والسيارات تتدافع تدافع السيول الهادرة كل يريد أن يسبق الأخر
الحياة تمضي وكل مشغول بشؤونه الخاصة، وصلنا بعد فترة وجيزة إلى محطة القطار، ساعدني السائق بحجز تذكرة مقصورة بعد أن نقد المحصل بقشيشاً سخياً وكان موعد إنطلآق القطار في الساعة الرابعة عصراً أي بعد ساعتين ونصف من الآن، أين أمضي هذا الوقت الذي يعادل رحلتي بالطائرة، عرض علي السائق الذي أخبرني أن أسمه محمد أن يطوف بي في رحلةٍ سياحيةٍ في الأزقةِ القديمة بعدما رأى على وجهي علآمات الدهشة والإنبهار بما أراه من المساجد والمباني القديمة في الحقيقة سررت كثيراً بهذا العرض الذي أتى في وقته وبما أنني لست متعجلاً فقد وافقته على أن يقبل دعوتي إلى الغداء في أحدى الأماكن التي يختارها، وتوجهنا من هناك إلى أحد المطاعم المشهورة في شارع جامعة الدول العربية والذي على ذمة عم محمد السائق نظيف وظريف وبالفعل كان الطعام شهياً يفوق ما نأكله بأفخر المطاعم والفنادق الغالية وبعدها أخذني عم محمد بجولة طفنا بها على بعض الحواري والأزقة التي إكتنز بها أعداداً لا يستهان بها من البيوت والمساجد التي يعود بناؤها إلى أيام المماليك والخلافة الفاطمية ويفوح من خلالها رائحة الماضي العريق وتبين لي خلال هذه الجولة كم كنت موفقاً باختياري لهذا السائق فلقد أثبت لي بأنه موسوعة في الآثار الإسلامية، أدهشني بكمية وغزارة المعلومات التي كان يقذفها من فمه دون ما تفكير أو إمعان، كان مرشداً سياحياً من الطراز الأول يحفظ أسماء الأماكن وأسماء من بناها وعمرها وبعض القصص القصيرة التي تدور حولها وتعاصرها، كانت الجولة مشوقة وموفقة للغاية فقد أرضت نهمي الكبير وأشبعت حبي العميق للآثار، بعدها أوصلني عم محمد إلى محطة القطار قبل الموعد بربع ساعة قائلاً :
- عليك بإغلاق باب مقصورتك جيداً خوفاً من المتلصصين واللصوص

في القطار
ودعت عم محمد السائق بعدما أنقدته مبلغاً محترماً جزاء جولته السياحية بعدما أخذت عنوانه ورقم هاتفه ومن ثم توجهت إلى قطاري الذي أعلن عن قيام رحلته إلى الأقصر ألقيت حقائبي بالمقصورة وفتحت زجاج النافذة أستطلع ما يدور خارج القطار، الناس يتدافعون كل إلى وجهته البعض إلى قطاره متوجهاً إلى بيته والبعض يودع الآخر والباعة المتجولون يطوفون هنا وهناك ينادون على بضائعهم، أخبرني السائق أنني لن أصل قبل ظهر الغد لذا فكرت بأخذ غفوة أستريح بها بعد إنطلآق القطار ميمماً شطر المكان الذي أقصده، لم يكن النوم صعباً كما توقعت اهتزاز القطار والصوت المكرر للعجلات جعلا عيناي تغرقان بالنوم العميق
أيقظني أصوات الأطفال وهم يلعبون، يبدو أن القطار قد توقف في إحدى المحطات الفرعية أثناء نومي، إرتديت ردائي وفتحت ستارة النافذة مستطلعاً مكاننا فرأيت موقظي يلعبون ويمرحون العاباً ذكرتني بطفولتي في الوطن، نعم كل شيء يتشابه بالأطفال حتى ألعابهم مهما بعدت المسافات و اختلفت اللغات، الساعة شارفت على التاسعة ليلاً يبدو أنني كنت متعباً حيث أنني نمت ما يقارب الخمس ساعات، أشعر بالجوع يجتاح معدتي وبقليلٍ من العطش يبدو أنني سوف أبدأ رحلة البحث عن المطعم في هذا القطار فلأبدل ثيابي وأبدأ رحلة البحث فربما يصادفني قليل من الحظ .
فتحت باب مقصورتي بعدما ارتديت ملابس مناسبة وأصلحت من هندامي، المقطورة تعج بالأصوات القادمة من هنا وهناك، حياة زاخرة ضحكات متواصلة
إبتدأ القطار بالتحرك خارجا من المحطة فقصدت الباب الفاصل بين مقطورتي والمقطورة التي تليها وأنا اترنح يميناً وشمالاً، بين المقطورتين فسحة صغيرة وقف بها رجل وامرأة يدخنان التبغ ويتبادلان الحديث في عصبية ظاهرة، واصلت رحلة البحث من مقطورة لأخرى حتى اهتديت إلى المحصل الذي أخبرني بأن الكافتيريا موجودة بالمقطورة التي تسبق مقطورتي، إنها محاولة ولا بأس من إضاعة الوقت بعدما علمت منه بأن الخدمة متوفرة طيلة الرحلة، عدت أدراجي عائداً إلى مقطورتي عبر الطريق الذي جئت منه وعندما وصلت إلى الباب الذي يفصل مقطورتي عن التي تليها كنت متوقعاً أن أرى الرجل والمرأة معاً لكنني رأيت المرأة وحيدة هذه المرة أضاء نور القمر الذي تسلل عبر النافذة وجهها فرأيت للمحة مسحات من الحزن تغطي قسماته كانت وحيدة والدموع تغزو عيناها تنظر عبر نافذة الباب المؤدي إلى خارج القطار التفت نحوي عندما فتحت الباب على حين غرة منها ويبدو أنها كانت تتوقع شخصاً ما لأنها نادت أسمه لكنها تداركت نفسها عندما رأتني
- أعتذر يا سيدتي إن كنت قد أخفتك
لم ترد على كلماتي واعتذاري فمضيت في طريقي متوجهاً إلى الكافتيريا، في البداية لم أعر الأمر أي اهتمام، طلبت قائمة الطعام بعدما اخترت طاولة في القسم الخاص بالمدخنين، فيما أحضر النادل قائمة الطعام والبسمة تعلو شفتيه، اخترت منها صنفا نصحني النادل به وأوصيته أن يختار لي بعضا من سلطات الخضار الطازجة وعصير التفاح، أشعلت سيجارتي ريثما ينتهي الطاهي من إعداد وجبتي وبما أنني نسيت إحضار كتاب أشغل به وقتي رحت ألتفت يميناً وشمالاً وإذ بعارضة خشبية صف عليها بعض الصحف المحلية قرب باب المقطورة الذي جئت منه، اخترت صحيفة تبدو عناوينها جذابة بعض الشيء تصفحتها بسرعة قبل عودتي إلى منضدتي وإذ بباب المقطورة الذي أصبح يحاذيني يفتح وتدخل منه تلك المرأة التي رأيتها سابقاً بين المقطورتين، بيضاء اللون وجهها شاحب بعض الشيء تنم قسمات وجهها عن حزن عميق تبدو في أواسط العشرينات طويلة القامة سوداء الشعر ترتدي فستان لونه أسود لا يخلو وجهها من مسحات جمال هادئة، رأيتني ألقي عليها تحية المساء دون قصد مني وأعتذر إليها إن سببت لها أي إزعاج خلال تجوالي بين المقطورتين بحثاً عن الكافتيريا ولست أدري لماذا أصبت بالارتباك وقتها أهو الخوف من أن تظنني أحاول ملاطفتها أو أن لا ترد علي لكنها ابتسمت قليلاً
- لا أنا الآسفة على ما صدر مني

Friday, October 7, 2011

القيم والمفاهييم في الرؤية القرآنية

القيم والمفاهيم في الرؤية القرآنية

تحكم الرؤية القرآنية للتاريخ والأُمم والحضارات فيه إعتبارات قيمّية وأخلاقية.
وقد ذكر المستشرق الياباني أكيهيتو إيزوتسو أن تصّور الله سبحانه في ديانات التوحيد الإبراهيمية وفي الإسلام على الخصوص هو تصور أخلاقي، ومن المعروف أن هناك فرقاً بين القيم والأخلاق، فالقيم هي الجانب النظري والعقدي، والأخلاق هي الأمور التي تبدو في السلوك الإنساني، ولأن الإلزامات الأخلاقية هي إلزامات دينية في الأصل، فهي أدنى إلى أن تكون قيماً.
إستناداً إلى منهج رؤية العالم وإستقراء القرآن الكريم فيما يتعلق بالقيم والمبادئ التي تحكم العلائق بالأمم والحضارات استظهرتُ أن المصطلحات الأخلاقية، تتركز في ست مصطلحات هي: المساواة، الكرامة، الرحمة، العدالة، التعارُف والخير العام.
فالمساواة تستند إلى حقيقة "النفس الواحدة" التي خلقها الله سبحانه وتعالى والتي تعني المساواة بين الناس من سائر الوجوه، ترتباً على أنها تعني أنهم جميعاً مخلوقات لله. وهذا يقتضي من جانب المؤمن نظراً وعملاً الإبتعاد عن التمييز والإبتعاد عن الكبرياء، ومن ثم إعتبار حصول الأمرين كبائر فظيعة، قد توصل إلى الكفر والفساد والإفساد إن صارت قيماً أو مبادئ في النظر، وليس مجرد سلوكات مخطئة.
وتتصل قيمة الكرامة بقيمة المساواة بشكل وثيق، ذلك أن الكرامة كما يعرضها القرآن هي قيمة وجودية تتعلق بفطرة الإنسان واختصاص الله له بالعقل والإستخلاف في العالم، وتسخير إمكانيات هذا العالم له. وإقداره على الولاية فيه. ويريد بعض المفكرين المسلمين إلحاق ذلك بمفهوم أو واجب التكليف الإلهي للإنسان. والذي أراه أن الله سبحانه جعل ذلك في قسم منه فطرة، وفي القسم الآخر خياراً، ولو فهمنا ذلك كما نفهم التكليف لأخرجنا الإنسان الذي لا يُشارك بطريقة إيجابية في إعمار الكون من الإيمان، وهذا غير وارد في السياق الذي نقصده.
والذي أريد إضافته هنا أن القرآن الكريم يتحدث في بعض آيات الكرامة عن الحرمة والحدود، فللإنسان حرمة تقتضيها إنسانيته التي ميزته عن سائر مخلوقات الله، وهناك من العلماء من يفهم هذه الحُرمة بإعتبارها تعني ما نعنيه بالحرية اليوم. وقد قام الطاهر بن عاشور في كتابه "مقاصد الشريعة" بالفعل بإضافة الحرية إلى منظومة مصالح الإنسان الضرورية الخمس والموروثة من المنظومة الفقهية الإسلامية القديمة وهي: حق النفس وحق الدين وحق العقل وحق النسل وحق المِلك. وعلى أي حال فإن قيمة الكرامة تتصل من جهة بالمساواة، وتتصل من جهة أخرى بموقع الإنسان في الكون.
أما القيمة الثالثة فهي قيمة الرحمة، وفي القرآن الكريم أن الله سبحانه كتب على نفسه الرحمة، وجعلها القيمة العليا في تعامل البشر بعضهم مع بعض، وهذا يعني ان الرحمة والنِعمة من جانب الله تُجاه الإنسان تنعكسان علاقات مودة ورحمة وسكينة في التعامل بين البشر، أو ينبغي أن يكون الأمر كذلك، بل إن القرآن يعدّ النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام رحمة للناس ينبغي أن تتجلى في حياتهم جميعاً: "وما أرسلناك إلآ رحمة للعالمين" الأنبياء 107.
وتتصل بقيمة الرحمة قيمة التعارُف: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفُوا" الحجرات 13، وإذا كان المفسرون المسلمون قديماً، والمفكرون حديثاً ما ألحقوا التعارُف بالقيم الأُخرى لإعتقادهم أنها نصيحة أو ندبٌ لظهورها مرة واحدة، فإن القراءة الأعمق للقرآن الكريم تصل التعارُف بالمعروف، وهو مفهوم يرد في القرآن مئات المرات، والرحمة من جانب الإنسان تُجاه أخيه الإنسان قد تُفهم بطريقة فردية، أما التعارُف والمعروف فلا يمكن فهمها إلآ بطريقة شاملة، أي في العلاقات بين البشر على إختلاف اديانهم وثقافاتهم وأخلاقهم.
فالآيات القرآنية تفترض قواسم مشتركة أساسية تتمثل في المساواة والكرامة والمعروف أو التعارُف، وهي القيم والمعاني التي ينبغي أن تسود في العلاقات بين الأمم والحضارات، ولو حدث ذلك لما انتشر الكفر والفساد بين الأُمم وبداخل الأُمم ذاتها.
أما قيمة العدالة فهي ظاهرة الحضور في الخطاب القرآني وهي تعني الإستقامة في النظر والعمل، والإستقامة والتوازن في العلاقات بين الناس. والقرآن يقرر أن الله سبحانه لا يريد ظلماً للعباد، بيد أن قيمة العدل هي في الأعم الأغلب في العلاقات بين الأفراد، وفي العلاقات بين الأمم، وهي ضرورية حينما يتعلق الأمر بالكرامة والحقوق، وتُفهمُ في سياق المساواة والرحمة، والتعارُف عندما يتعلق الأمر بالأفراد أو بالعلاقات بين الأمم. وخاتمة منظومة القيم القرآنية هي قيمة الخير العام، ومُفرد الخير هو الأكثر وروداً بالقرآن بعد الرحمة والرحمن والرحيم، وهو يعني الأحسن والأجمل في التفكير والفعل والتصرُّف، والملحوظ أن القرآن يجمع خير على خيرات عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الأديان والأمم الأخرى: "فأستبقوا الخيرات" البقرة 148، ومن الواضح أن هذه القيمة الكُبرى تتعالقُ وتتشابك مع بقية المنظومة مثل الرحمة والتعارُف والعدالة. إن الخطاب القرآني يعد المنظومة القيمية هذه مسددةً إن سادت للنظرة إلى العلاقات بين الأمم والحضارات، وأنها تحتوي على الضمانات التي تحول بين الفساد والإفساد لطبيعة الإنسان وفطرته، ولعلاقات الناس بعضهم ببعض.
المرجع: التفاهم: رضوان السيد

أم ميشيل

ليلة الأمس وبينما كنت أستعد لمغادرة المكتب والتوجه إلى المنزل، سمعتُ طرقاتٍ خفيفة على بابه المُغلق، فتحت الباب وإذ بها جارتنا أم ميشيل، القاطِنة في عمارة قريبة من منزلي، تبتسمُ بخجلٍ وتطلبُ مني البقاء قليلاً من الوقت معها، هي تريد مشورتي بأمرٍ تَراهُ مُلِحّاً.
رحّبتُ بها كثيراً خاصةً أنني لم أرها مُنذ الحادثة التي ألمّت بها مُنذ بِضع سنين.
كانت أم ميشيل فيما سبقَ تأتي لتستشيرني في بعضِ أمورها، وأمور سكان العمارة الذين يقطنون لديها، حيثُ أنها ورثت عن زوجها المتوفى عنها عمارة سكنية وبعض المحلات التجارية تعتاشُ وبنيها من مدخولِ الإيجار.
أم ميشيل هذه لديها ولدين وبنت يعيشون ويعملون في المهجر، كمعظم شباب وفتيات لبنان، هي تُقيم بمُفردها مع خادمة سيرلنكية.
يوم الحادثة جاءتني هي وخادمتها، تطلبُ مني مساعدتها في أمرِ خطاب لم تفهم كلماته، أرسله لها ولدها الأصغر كميل وهو أي الخطاب كُتب باللغة الإنجليزية، وبما أنني أُحسِنُ التحدث والقراءة باللغة الإنجليزية وهي لا تعرفُها فقد أخرجت من جزدانها الخطاب المكون من ورقةٍ واحدة قائلة: هي من ابني كميل الذي يعيشُ في شيكاغو، أميركا يعني، فهل من الممكن أن تُترجمه لي؟، واضافة قائلة: أنا لا أعلم صراحةً لماذا كتبه بالإنجليزية مع علمه أنني لا أعرفها، وأخبرتني بأنها حاولت الإتصال به اليوم لمراتٍ عديدة سواءاً على هاتف منزله أو جهازه النقال لكنها لم تفلح بإيجاده، وتَساءلت إن كُنتُ لا أمانع في ترجمة هذا الخطاب لها، أخذته من يدها وبدأتُ بقراءة السطر الأول  "أمي الحبيبة أرجو أن تعلمي بأنني أحبك كثيراً من كل قلبي، وبأنني إشتقت لرؤياك، ماما أرجوا منكِ إخبار إخوتي بأنني أحبهم وأبنائهم كثيراً"، وكنتُ قد بدأت بقراءة السطر الذي يليه إستعداداً لترجمته لتقاطعني باللهجة اللبنانية قائلة:"يقبرني قديش بيحبني كان يتصل فيِّ كل يوم أول ما راح على الغربة، إيه يا استاذ سليمان قديش صعبة الغربة، كَمّل يا إبني"، في السطر الثاني كان يطلب من أمه الدخول إلى بريده الألكتروني حيث أعدّ رسالة خاصة بها، وأضاف سطراً لعنوان بريده الإلكتروني مع كلمة السر الخاصة به، إستغربتُ كثيراً مما كتبه وللطريقة التي اتبعها مع والدته، وتساءلتُ بيني وبين نفسي عن الأمر ثم سألتها إن كان عيد ميلادها يصادف مروره في هذه الأيام؟ فنفت مُبتسمة من تساؤلي، لا أعلم لماذا توجست شراً من أمر رسالته فطلبتُ منها إعطائي رقم هاتفه في أميركا للتأكد من الأمر، كان هاتف منزله يدق لكن لا أحد يجيب، أما جهازه النقال فكان على وضعية المجيب الصوتي، الأمر يدعو للحيرة بالفعل، لا أعلم لماذا خطر لي الدخول إلى بريده دون أن أعلمها بالأمر، وجدت الرسالة التي تكلم عنها، وهالني ما قرأت، هي رسالة انتحار موجهة لأمه، كتبت منذ سبعة أيام، يُعلمها بأنه إختار أن يكتب رسائله بالإنجليزية كي تضطر للإستعانة بأحد ما لأنه لا يريد لها التواجد وحيدة عندما تتلقى خبر إنتحاره، يطلب منها مسامحته، يرجوها أن تغفرَ له، هو مشتاق لرؤيتها، يحبها كثيراً لكنه شقي تعس، أغلقتُ الرسالة وأعدتُها لحالتها الأولى، وتوسمتُ بأنها جاهلة في أمور الكمبيوتر، سألتُ خادمتها إعداد القهوة فنظرت لمخدومتها فأومأت لها إم ميشيل بالموافقة، من غيرِ المعقول أن أصدُمَ هذه الأُمّ الستينيّة بهذا الإعلان المخبأ لها في إيميل هذا الإبن الطائش.
أنا لا أعرف كميل هذا ولم أره في حياتي لكن هناك الكثير من الأمور التي من الممكن أن يرتكبها الأبناء لإغاظة آبائهم وأمهاتهم، هل يتصرف هكذا لأنه يريدُ إبتزاز بعض المال أو إغاظتها لسبب ما أجهله، هل هو صادق فيما كتبه؟ ربما متضايق ومتشاكس مع إخوته وليسوا على وفاق، ربما يريد كسبَ عطفها وخوفها عليه، الكثير من الأفكارِ إختلطت بذهني وأصبحتُ عاجزاً عن التفكير السليم ... لم أعلم ما التصرف الصحيح وما الذي يتوجب عليّ قوله لذا قررت أن أكسب المزيد من الوقت، نعم الوقت كفيل بجعلي قادراً على التصرف والتفكير السليم .. و.. وربما العمل ولكن العمل بماذا؟ لا أعلم؟ المهم أن أكسب الوقت.
طيب يا أم ميشيل لندع البنت (الخادمة) تتكلم مع أهلها قليلاً بينما نرتشف القهوة، وهنا قالت متسائلة: هل أستطيع مكالمة ميشيل؟ إنه في اليونان، بالطبع أجبتها، أعطني رقم هاتفه لأتصل به، وبالفعل ذهبتَ الخادمة لإعدادِ القهوة فيما كانتَ أمُ ميشيل تكلمُ ابنها الموجود في أثينا، أعتقد أنها أخبرته الكثير عن أمورها، كانت شفتاها تبتسمان تارة وبأحيان كثيرة تثرثران بما لم أسمع فالصمت ألقى مراسيه في أذني ولبرهة ضجّ رأسي بالطنين، كان أفضل حل هو التحدث مع ابنها ميشيل بعد أن تذهب والدته، سأطلعه على الأمر فأنا لا أستطيع إخبار والدته بالموضوع، لا أعلم ماذا سيحصل لهذه الأم فيما لو أطلعتها على مضمون رسالة ابنها الإلكترونية ولكن هل حقاً سيفعل ما كتبه؟ هل يجرؤ على الإنتحار؟ هل من يريد الإنتحار سيرسل لأمه رسالة يعلمها بإنتحاره ويأسف لأنه قرر هذا الأمر؟ المشكلة أنني لم أقرأ السبب الذي من أجله عزم على الإنتحار، هو لم يذكر سبباً لهذا لكنه أعلن في رسالته أنه يئس من الحياة، تُرى ما الذي جعله يائساً تعساً ؟ هل أحبّ فتاة رفضته، خانته ؟ أم يقاسى من آفة المخدرات أم أنه شاذ أم .... لا لم أعد أحتمل التفكير بالأمر، ما الذي وضعني بهذه الدوامة ألا يكفي ما بي من هموم، إنتهينا من شرب القهوة وكانت الخادمة قد أنهت مكالمة ذويها أيضاً، وتسآءلت ام ميشيل حينها عن أمر الرسالة في الكمبيوتر ومتى أستطيع طلب الإيميل ومتى يأتي وتبين لي من كلماتها أنها لا تعلم شيئ عن أمور التكنولوجيا لذا تركتها تسأل وانا ألوذ بالصمت حتى أستمد منها ما تعرفه عن هذا الأمر وبدا لي أنها جاهلة كلياً بهذه الأمور وهذا ما شجعني على القول لها "في الغد أو بعد غد من الممكن أن تكون الرسالة قد وصلت لأنني حاولت الدخول منذ قليل ولم أجد شيئاً " فقالت حسناً ماذا سنفعل، طلبتُ منها إعطائي رقم هاتفها لأبلغها بوصول الرسالة ثم خرجت من المكتب موقنة بأنني سأتصل بها بعدما أكّدت على هذا الأمر مراراً، ولم تكد تخطو أم ميشيل خارج المكتب حتى سارعتُ للإتصال بإبنها ميشيل في أثينا، عرّفته بنفسي ودخلتُ في الموضوعِ مباشرة، أخبرتهُ بما جرى وبأنني لا أستطيع نقل محتويات الرسالة لأمه وبأنني لا أستطيع تحمل مسؤولية ما يمكن أن يحدث، فاستغرب الأمر في البداية لكنه لم يستبعده إذ أن أخاه على ما يبدو كان يشعر دائماً بالكآبة، لكنه أخبرني أنه سيتأكد من الأمر بطريقته الخاصة، وطلب مني إعطاؤه عنوان الإيميل وكلمة السر الخاصة بأخيه ورقم هاتفي النقال ليعلمني بأي مستجدات.
في نفس اليوم وبعد صلاة العصر رنّ هاتفي النقال، كان الإتصال من اليونان، أخبرني ميشيل منتحباً بأن رجال الأمن عثروا على أخيه وقد فارق الحياة منذ بضعة أيام وأنه في طريقه من أثينا إلى لبنان على طائرة المساء، أوصاني أن لا أنقل لوالدته أي شيء عن هذا الموضوع.

جلست أم ميشيل على الكرسيّ جانبَ المكتب وكانت متوشحة بالسوادِ كعادة أهل لبنان من النصارى الذين يعلنون عن فقدان أحبائهم، وكان قد مضى على الحادثة تلك 6 سنوات لم ألتقي بأم ميشيل مرة واحدة، تساءلت عن عملي وعمّا رزقني الله من الأبناء، هي تَعلمُ أنني قد فقدتُ ابنتي قبل إنتحار ابنها ببضعة أشهر في حادثٍ مأساوي.

وقالت: هل تعلم يا أستاذ سليمان أن الإنتحار لا يجوز فأجبتها متشاغلا بقراءة عنوان لكتاب موجود على مكتبي، بل هو مُحَرّمٌ يا أم ميشيل فقالت نعم هذا ما قصدته، هل تؤمن يا أستاذ بأن ولدي يتعذب مِما فعله؟ وهنا أصابني الوجوم والحيرة، ماذا أقول لهذه الأم المكلومة؟ أطرقتُ بعينيّ إلى الأرض والدموع تترقرق منها، قائلاً لها هل تظنين يا أم ميشيل أنني لا أشعرُ بما يختلجُ في قلبك؟ ففوجئت هي بدموعي تنسكب على وجنتي وقالت أنا آسفة إن سببتُ لك اي ألم لكني أتعذبُ يا أستاذ، فقلت وماذا بيدنا أن نفعل؟ يا أم ميشيل هذا قدرنا أن تتعذبي وأن أتعذب فكِلانا فقدَ ابنه، لكن الله معنا وإن شاء الله يرحمهما، كميل مازال صغيراً كما عرفت من ميشيل وهو بالتأكيد لم يقصد أن يفعل ذلك، أنا أعتقد أنه كان مريضاً، لا أحد يعرف يا أم ميشيل ما الذي حصل غير الله، علينا أن نمضي في حياتنا، أنا لا أطلب منكِ نسيان كميل لأنك لن تنسيه لكن أطلبُ منك أن تُداومي على الدعاء له وأن تفعلي الخير من أجله وليتكِ ... ليتك يا أم ميشيل أن تُسَلِّمي لله كي ترتاحي، فأجابت قائلة: وأنا والله أتيتُ من أجل هذا إليك، .. ماذا تقصدين يا أم ميشيل، ما الذي أستطيع أنا فعله من أجلك؟ أجابت: أريد أن أُسلم وجهي وقلبي وروحي لله، أستاذ سليمان أنا منذ وفاة كميل حاولت كثيراً قراءة الإنجيل لكنني بصراحة لم أجد الراحة التي كنت أتطلع إليها، كنت بأحيانٍ كثيرة استمعُ مصادفة للقرآنِ الكريم، أشعر بكلماتهِ تغزو قلبي ووجداني وأجد راحتي بالبكاء، لا أعرف لهذا الأمر سبباً لكن الأمر يُريحني، أشعر بأنني على طبيعتي عندما استمع لآيات القرآن الكريم، أنا أستاذ سليمان ما عدت أفتح التلفاز إلآ على قناة القرآن الكريم هل تعرفها تلك التي تأتي من السعودية، أرجوك يا أخي أريد منك أن تعلمني كيف أستطيع أن أكون مسلمة....