Wednesday, November 30, 2011

أوهام - منهزم - حول الإعجاز العلمي

أوهام - منهزم - حول الإعجاز العلمي
بقلم الأستاذ هشام طلبة

باحث وكاتب إسلامي ـ مصر
كأن جسد الأمة به موضع لم يرم أو يطعن بعد.. كأن لدينا فسحة لحرب داخلية عدا الحرب التى نتعرض لها خارجياً من كل صوب وإذا بكاتب نترفع عن ذكر اسمه يشن حملة من مقالات كتاب عن الإعجاز العلمى فى القرأن الكريم واصفا إياه بأنه "وهم" و أكذوبة و نصب وبهلوانية و سرطان و غير ذلك.
و قد أعزى ذلك الكاتب ظهور ما أسماه بـ " وهم الإعجاز العلمي " إلى عقدة النقص عند المسلمين ولكونهم – كما أردف بفظاظة فى مؤخرة العالم " و نتحجج بأننا أكثر عفة و طهارة من غيرنا و هو محل شك " !!
و حظائر الخنازير فى أوروبا أكثر نظافة من بيوت كثيرة موجودة فى بلادنا !!
هكذا تكون الهزيمة النفسية فالمسلمون عنده لكونهم متعطشين لأى تفوق يتشبثون بأهداب هذا : الوهم " و لتعويض مركبات نقص مجتمعاتهم المتخلفة حسب زعمه أى ان المسلمين فى حالة هزيمة نفسية و الحق انه أول المهزومين على عكس مايدل اسمه بدليل تبريه من كل ثوابتنا تقريبا و امتهانه لها فالقرآن لم يصفه بأنه كريم إلا نادراً و حين يستشهد منه ترى الآيات القرانية مكتوبة بنفس حجم " فنط " بقية الكلمات ولا ذكر لكلمات مثل ( قال تعالى )... ومن أدلة هزيمتة النفسية كذالك و خروجه على الثوابت أنه لم يكتف بالطعن فى " الإعجاز العلمى" كما يتضح من عنوان كتابه بل إنه بعد صفحات قليلة يوسع دائرة الهجوم فتطال السنة المطهرة. فالأحاديث النبوية عنده ليست ملزمة فى شىء و يجب أن تؤخذ على أنها تاريخ و تخالف العقل و التطور ثم طالب فى آخر كتابه العلماء بإعادة تنقية الأحاديث النبوية خاصة تلك التى فى البخارى الذى يحوى حسب زعمه أغلب الأحاديث التى تخالف العقل ثم ينزل الكاتب دركة بزعمه أن آيات القران الكريم تتحدث إلى المجتمع الذى نزلت فيه فحسب. و أنه مع السنة النبوية يتماشى مع ثقافة أهل زمانه فقط.
ثم نزل الكاتب الى الدرك الأسفل حين يشكك القارئ فى القران الكريم نفسه بخبث شديد إذ يذكرالمطعن أو الشبهة فى القرأن الكريم ثم يسخر من رد العلماء الذى يذكره مبتوراً مثل ذكره لقوله تعالى { و يعلم ما فى الأرحام} [ لقمان 34] رافضا بل ساخراً من أى تفسير يوسع دائرة المعرفة عن كون الجنين ذكراً ام أنثى ولا يدرى هذا الكاتب دارس الطب أن الجنين حتى الاسبوع الثامن لا يمكن أن يعلم نوعة فحسب بل إنه حتى ذلك الوقت ( الأسبوع الثامن) لا يمكن التفريق و لو تشريحاً بين جنين الإنسان و أربعة كائنات أخرى و نحيل ذلك الكاتب فى هذا الأمر إلى دائرة معارف " فان نوستراندز العلمية van nostrand scientific Encyclopedia " باب " الجنين embryo" و هى موجودة فى مكتبة القاهرة بالزمالك إن أراد التثبت ولا يفوت ذلك الكاتب السخرية من الطب النبوى و خاصة ما أسماه " جهل العلاج بالحجامة" و نسى المعاهد المتخصصة لها فى ألمانيا و أمريكا. ثم يسخر بعد ذلك من أى اعجاز فى مجال مراحل تكوين الجنين زاعما ان القابلات و الأمهات قد لاحظن هذة الملاحظات البسيطة أثناء الإجهاض !!
ألا يدرى ذلك الطبيب أن خمساً من مراحل تكوين الجنين الست التى ذكرها القرآن الكريم تكون فقط حتى الأسبوع الثامن و أن وزن الجنين حينها لا يعدوا خمسة جرامات. ألا يعلم ذلك الطبيب أن علماء الغرب لا القابلات و الأمهات حتى القرن السابع عشر الميلادى لم يذكروا أساساً أية أطوار فى تخليق الجنين و كانوا يظنون أن فى رأس الحيوان المنوى قزماً صغيرا إنسان كامل التكوين يكبر فى الرحم شيئاً فشيئاً ؟ يجب علينا إذا ً أن نُنبّه كبار علماء الأجنة الغربيين - الذين أسلموا نتيجة هذة الفقرة تحديدا - إلى ما أشار إليه ذلك الكاتب الطبيب من أن القابلات و الأمهات كن على علم بمراحل تكوين الجنين !!
ومن أهم هؤلاء عالم الأجنة الأمريكى د / " كيث مور " و ليرجع ذلك الكاتب الطبيب إلى كتاب العالم سالف الذكر " تطور الانسان " يجب إذا ً أن نعلم هؤلاء أنهم قد أخطأوا بإسلامهم و أن علم القابلات سابق لعلمهم !!.
أما أبشع ما فعله ذلك الكاتب فتشكيكه فى المصدر الإلهى للقران الكريم مستخدما مصطلحات و أدوات غلاة المستشرقين من أمثال " الحداد " و " لويس شيخو " فاستشهد مثلهم بأبيات عربية شديدة الركاكة زعموا انها سابقة للإسلام و أنها من مصادر القرآن الكريم هى و الأساطير السومارية و البابلية و الفرعونية و الكتب المقدسة الأخرى. و نسى أو تناسى أنه لا يخلو كتاب واحد من الكتب السالفة الذكر من تفاصيل عديدة غير منطقية و تخاريف لا نجد أيا ً منها فى القرآن الكريم { أفلا يتدبرون القراّن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراَ} [النساء :82] ثم أنى له صلى الله عليه وسلم بعلم تلك الكتب و هو الأمى صلى الله عليه و سلم ؟ كما أن هذة الكتب لم
يعتبر البرفسور كيث مور أشهر عالم أجنة وتشريح على مستوى العالم وكتابه تطور
   الجنين هو المرجع العلمي الأول لعلم الجنين في كليات الطب في جميع
   أنحاء العالم والذي شارك الشيخ عبد المجيد الزنداني
   حفظه الله في إعداد هذا البحث القيم فجزاهم الله كل خير


يجدها أصحابها إلا على مدى قرون و قد كتب بلغات شتى ووجدت فى أماكن عدة و كان أغلبها مخفيا ً و مخطوطات لم تكتشف إلا حديثاً. ثم يفتن ذلك الكاتب القارئ فى قوله تعالى { و الشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم }[يس: 38] زاعما ً أن الشمس لا تجرى لأن الأرض هى التى تجرى حول الشمس ولا يعلم ذلك الكاتب أن الشمس تتحرك فعلاً حول ما يسمى " بمستقر الشمس" " النسر الواقع" ولا نشعر نحن بهذة الحركة لأن الارض هى و بقية الكواكب تتحرك مع الشمس نفس الحركة و هذا لا يتناقض مع حركة الأرض حول الشمس و ليرجع فى ذلك إلى عمل " د : موريس بوكاى " الأكاديمى الفرنسى المهتدى للإسلام و هو كتاب القرآن و الإنجيل و العلم الحديث " بعد ذلك يتطاول على "ماء زمزم" فيقول : إن فائدته الطبية فيها شك مؤكد !!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم " خير الماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم و شفاء من السقم "ثم يقول عنه هذا إن فائدته فيه شك مؤكد و يقول إن جزيئات الماء فى كل العالم مكونة من ذرات الأكسجين و الهيدروجين و كأنه لم يسمع بالمياه المعدنيه و فوائدها و أنواعها ( فقيرة أو متوسطة أوغنية بالمعادن ) و ماء زمزم من أشد ( إن لم يكن الأكثر) أنواع المياه غنى ً وتنوعا ً بالمعادن وهى تزيد فى ذلك على ماء " إيفان " الشهير ( خاصة فى الكربونات) و إذا كان الماء العادى كما اكتشف العالم اليابانى " إيموتو" عام 1999 م يتأثر وجدانيا ً بما يقال له عند تناوله فلماذا نستبعد أن يكون لماء زمزم الذى لم ينضب عبر اّلاف السنين أن يكون به خواص أخرى كهربية أو غيرها ذات فائدة؟ و لنتساءل : ما الذى جناه ذلك المتجاوز مما كتبه بدءا بتسفيه العلماء من الشعراوى إلى د. زغلول النجار - الذى نال النصيب الأوفر من الهجوم - وغيرهما كثير مع استخدام كلمات و ألفاظ يعاقب عليها القانون كالنصب و البهلوانية و " الدعبسة " فى القرآّن الكريم و العبث فى اللحية و أصابع القدم و تفلية رأس الجار و تراكم الثروات بالمليارات ؟
و ليسأل هذا الكاتب كم يتقاضى د. زغلول من الأهرام رغم أن مقاله يوم الإثنين يرفع بيع الجريدة إلى رقم عدد الجمعة الأسبوعى. أما هيئة الأعجاز العلمى فى السعودية التى يقول إنها تسرطنت و صارت مافيا تتحدث بالمليارات !! فلا تزيد ميزانيتها السنوية ( القائمة أصلاً على التبرعات) على المليون ريال لكل مكاتبها فى العالم أى أن الباحث فيها ينفق من ماله الخاص على البحث العلمى المكلف الذى يلومنا ذلك الكاتب على عدم سبقنا الغرب فيه فإن استشهدنا بما اكتشفة الغرب و الفضل ما شهد به الأعداء قال ذلك الكاتب و أمثاله : لماذا لا تبتكرون أنتم؟ إن حدث و توافر لنا مورد مالى لبحث قال : من يضمن لى أنكم صادقون؟ و أخيرا ً يجب أن نتساءل عن الهدف من هذا الكتاب و توقيت خروجه فى ظل هجوم أمريكى شرس على الإسلام و أهله:
هل الهجوم على الإعجاز العلمى لأن العديد ممن يسلمون – خاصة فى الفترة الأخيرة -أسلموا من هذا الباب ؟
هل لهذا علاقة بما أسمته الإدارة الأمريكية " التغيير فى الإسلام " بما شمله من هجوم لتغيير المناهج إلى ظهور كتاب " الفرقان الحق" المزيف للقراَن الكريم إلى إمامة المرأة الرجال فى الصلاة إلى هجوم " زكريا بطرس" على الإسلام و القرآن الكريم فى محطته الفضائية بدعم الأمريكان إلى انتشار التبشير فى العديد من بلدان العالم الإسلامى على أسنة الرماح الأمريكية؟
هل لهذا علاقة بمركز التضليل الإعلامى الذى أنشأتة وزارة الدفاع الأمريكية و الذى يهدف إلى تجنيد إعلاميين عرب و مسلمين. هل لهذا علاقة بإدارة " ليزتشينى" فى الخارجية الأمريكية التى تتبنى " حرب الأفكار" و تقرير مؤسسة "راند" عن "الإسلام المدنى الديمقراطى" ( الذى طالب بدعم الصحفيين الذين يهدمون و يهاجمون الشخصيات " الرموز" الإسلامية) ؟
هل لهذا علاقة بالمعهد الإسلامى التقدمي ( مركز التعددية الإسلامية ) الذى أنشأه المتطرف " دانيال بايبس" ؟
هل لهذا علاقة بحب الظهور والشهرة ليكون مثل صهره؟ و الحق إن هذا الكاتب قد كشف عن نفسه حين قال " وهم ما لهم و مال تحليل و تحريم التعامل مع مجلس الحكم العراقى ؟ "
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} [ الأنفال : 36] { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلآ أن يتم نوره ولو كره الكافرون } [ التوبة :32]
إعداد / هشام محمد طلبة
كاتب وباحث إسلامي
يمكن إرسال تعليقاتكم على المقال على الإيميل التالي:
tolba_hesham@yahoo.com
http://albesharat.net

Sunday, November 27, 2011

الرد على شبه المشككين من خلال قضية تعدد الزوجات

الرد على شبه المشككين من خلال قضية تعدد الزوجات

بقلم الباحث الإسلامي  / أحمد حسين خليل حسن
قسم الشريعة الإسلامية – كلية الدراسات الإسلامية و العربية – جامعة الأزهر.
****************************************
قال الله تعالى في كتابه العزيز:(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )[النساء : 3].
يأبى الله جل وعلا  إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للخالق العظيم..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة.. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3: 1.. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (الميدان)الأسبوعية(1)أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج (الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط، والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين،حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر.
وقالت الصحيفة: إن العلاقات المحرمة تزيد، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج.. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما(2)تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن.
وتقول إحصائية رسمية أمريكية: إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ]، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا.
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات.. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى.. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ).. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة، نعم 1 إلى 27، ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما.. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟ أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟
وفى تحقيق ساخن عن ( انفجار العوانس ) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة.. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول: إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة.
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ).
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي.. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي.. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم –أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة –ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها.. (3)
 يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد:
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية.. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة: هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة.
وإذا كان هذا هو رأى العلم، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال.. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت( إنها قرأت إحصائية تقول: إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن.. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا..
وتقول الطبيبة: هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات.. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب، ورفض الحياة، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع.
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة و الأثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي.. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج. (4)
 و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته، أو علاج آثاره المدمرة.حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين –إسما فقط –راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته.
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948، بمدينة ميونخ الألمانية.. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين، وانتهت إلى رفضها جميعا، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة. وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور.. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة، لأنه لا حل آخر سواه.. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة ( بون) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5)وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون.
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها.. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا ـالذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة ـوبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات.. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا، وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958.. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات، والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات..
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه: هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟ ويجيب بنفسه: إن هذا الأمر مشكوك فيه.. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة، على غرار البلاد التي تحظر التعدد. (6)
أحبتي في الله: لا صلاح لنا و لا استقرار إلا بالرجوع إلى المنهج الحق، منهج الخالق القدير من هو أعلم بصناعته ، سبحانه أحسن كل شيء خلقه.                                                                                     
ملحق الهوامش
(1)عدد الثلاثاء 6 مايو 1997
(2)أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
(3)مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997.
(4)صندوق الدنيا – الأهرام – عدد 13 مايو 1997 م.
(5)السيد سابق – فقه السنة – نظام الأسرة – المجلد الثاني – ط مكتبة المسلم – ص 104.
(6)كتاب محمد رسول الله، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق.
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالى
Ahmed_gz1@hotmail.com
محمول /0181910904


Bookmark and Share

Tuesday, November 22, 2011

غربــة - الجزء الرابع عشر

غربة - الجزء الرابع عشر

إستيقظ أحمد على صوت طرقات مزعجة على باب غرفته، وما أن فتح الباب حتى دلفت منه سهير التي كان بادياً على وجهها الإنزعاج متسائلة عما فعلته حتى يمنع عنها الإتصال به، فإستغرب أحمد من كلماتها وطلب منها الجلوس والتروي قليلاً والهدوء حتى يستجمع أفكاره فيما توجه لغرفة الحمام ليأخذ دشاً ينعشه من حالة النوم التي مازال بها ... وما أن إنتهى حتى وجد سهير قد طلبت بعض المأكولات ليتسنى لهما تناول الطعام على شرفة الغرفة حيث أن وقت الغداء قد تأخر والساعة قد شارفت على الثالثة والنصف من بعد الظهر ..

- ماذا الثالثة والنصف
- نعم ولكن أخبرني لماذا منعت عني الإتصال بك؟
- لا لم يحصل هذا ولكني طلبت من الإستقبال عدم تحويل اي إتصال لغرفتي حيث أنني أريد النوم ولم .. اقصد
- أهـ فهمت ... حسناً ألست جائعاً ..
- سهير ... لماذا جئت الآن ؟ أليس لديك عمل
- ألم نتفق على هذا من قبل ... نتغدى معاً
- نعم ولكن ... آهـ .. سهير أشعر بالإرهاق فعلاً .. هل تطلبين لي فنجان من القهوة لو سمحت .. هل لديك أسبرين أو..
- لا .. ولكن أعتقد بأن الفندق لديهم .. لا عليك إجلس الآن .. إرتح قليلاً ... أخبرني بماذا تشعر يا أحمد .. هل هناك ألم؟
- لا .. هو مجرد إرهاق .. أعتقد أنه ضغط الدم لدي .. اعطني بعض من عصير البرتقال هذا (مشيراً إليه)
- تفضل ... سأطلب لك القهوة

بعد تناول الغداء شعر أحمد بالنشاط يدب إليه سريعاً فيما كانت سهير تخبره عن المشاريع التي من الممكن لشركته الدخول بها وتعلمه بما يمكن لهما أن يفعلاه بخصوصها وأخبرته أنها ستحاول تجميع المزيد من الأوراق التي طلبها المهندس ممدوح لتقديمها إليه وبأنها بالفعل ستكون يوم الغد لديه بعدما أوصت المهندس اسامة بها ... تمالك أحمد نفسه قائلاً لسهير وهي مندفعة في كلماتها عن المشاريع وما يمكن أن يتحصلا منها وبأنها فكرت بالموضوع وتريد أن تقاسمه النسبة التي طلبتها منه
- سهير ... ما بك؟
- ماذا تعني
- أنت لست على طبيعتك.. أخبريني ما الأمر؟

ساد الصمت بينهما لبرهة من الزمن وكأن عيناها ترفضان النظر إلى وجهه وإلى عينيه تحديداً وبدأت الدموع تتجمع في مقلتيها شيئاً فشيئاً حتى إنسابت على خديها دونما إنتظار ...
- هل أسأت في القول إليك؟
- لا ... (لكنها بدأت بالنحيب)

قام أحمد بحضنها إليه فيما تمنعت هي لبرهة لكنها ما أن وضعت رأسها على صدره حتى أجهشت بالبكاء، فأخذ يهدأ من روعها ويسألها عما بها
- حسبتك لا تريد أن تكلمني بعدما حصل ما حصل ليلة الأمس
- حسناً ... لماذا ظننتي ذلك؟
- لا أدري ... حاولت بعد وصولي إلى الشركة الإتصال بك لكنهم أخبروني بأنك لا تريد الإزعاج .. فحاولت إفهامهم بأنك لن تنزعج من مكالمتي ... لكنهم رفضوا معللين أنك كنت صارماً بهذا الأمر
- نعم بالفعل ... أخبرتهم أن لا إستثناء ابداً .. ولكن ما الذي أبكاك الآن وقد شرحت لك الأمر قبل قليل..
- هل تعلم .. لن تغضب مني .. مهما قلت لك؟
- لا تفضلي يا سهير لن اغضب
- حسبت أنني لو شاركتك بما سأناله من العقود ستكون راضياً عني لكنني داخلياً كنت أتمزق .. لأنني أعلم بأنني أتصرف بحقارة ... أحمد شعرت بأنني أحاول شراؤك بالمال .. أنا آسفة لكن شعرت بوضاعتي وأنا اقول لك هذا وتخيلت بأنني لو عدت إلى سهير التي عرفتها قبل ليلة الأمس .. لربما سيعود إحترامك لي ... أسئلتك هذا الصباح (وعادت للبكاء)
- سهير ... لحظة لو سمحت كفي عن البكاء هه من قال أنني لا أحترمك؟ ... لا يا سهير .. يبدو بأنك لا تعرفيني جيداً
- ولكن ...
- سهير أنتِ إنسانة حساسة وأنا أعلم هذا جيداً لا تظني بي الظنون .. أرجوك كفي عن البكاء قليلاً .. وفكري بالأمر .. ألم تقولي بأن ما حصل معك لم يكن بإرادتك؟
- نعم وأقسم...
- حسناً ومن أنا حتى أحاسبك ... ما جرى ذهب في طريقه ولكننا أولاد اليوم .. اليس كذلك ... ستبقين في عيوني سهير تلك التي عرفتها قبل ما حصل وبعد ما حصل هي سهير الرقيقة الحنون .. صدقيني أنا لا افكر بك بأي شيء شائن.. لا أبداً أحترم رأيك ورغباتك وأعرف بأنك إنسانة صالحة وذكية
- هل صحيح ما تقول أم أنك تجاملني
- ولما اجاملك سهير .. ومن أجل ماذا؟ العمل أم المتعة؟
- كليهما ... (تضحك)
- سهير أنا لا افكر بهذه الطريقة أبداً ولا أجامل ابداً صدقيني
- (وهي تمزح) صادق يا كذاب ... طيب سأغسل وجهي بينما ترتدي أنت ملابسك أم تريد قضاء الوقت هنا .. في الغرفة
- لا ... افضل المغادرة ربما إلى مكان ... ولكن لا اعلم إلى اين ؟ ما رأيك
- هل رأيت إهرامات مصر؟
- لا... هل نذهب هناك؟
- هه ما رأيك؟
- يا ريت ...
- إرتدي إذا ملابس تناسب الرمال و...
- ليس لدي هكذا ملابس فكلها بالأقصر
- حسناً لا بأس .. سآتيك بملابس من المحلات بالبهو لأغسل وجهي قبلاً ... (وهي في الحمام) كم قياس بنطالك أحمد؟
- أظنه 34 أو 33 لا أعلم والقميص قياسه وسط على ما أظن
- مابك لا تعلم مقايس بنطالك (وهي تنظر إليه من باب الحمام)
- بصراحة منذ وقت طويل لم اشتري شيئاً بنفسي ... كانت هي من يشتري لي كل ...
- لن يتغير شيئ إذن ... هل تعطيني بنطالك ..مشيرة إليه سآخذه معي وأشتري لك على نفس مقاسه ... حللنا المشكلة هه (تقبله على خده) .. لا تفكر بالأمر ..؟
- نعم بالفعل .. لا لن افكر بالأمر .. خذي معك بعض المال ..
- لا لا عليك ساضيفه لفاتورة الفندق (وهي تغمز بعينها)

لم تستغرق سهير في رحلة الشراء تلك سوى بعض الوقت الذي أمضاه أحمد في التفكير بما جرى ويجري من أمور ومن مستجدات تطرأ على حياته فيما هو قابع في مخيلته وذاكرته ... نسي لفترة طويلة من الزمن كيف أنه لم يعد ينتقي ملابسه بنفسه وبأنها كانت تدير حياته بجميع أحرف الهجاء التي تعلمها تذكر الكثير من تلك المواقف الصامتة في ذاكرته وماتبعها من أمور وكأنه غادر المكان والزمن إلى عالم آخر يشخصه ماثلاً أمامه بحلوه ومره بأحزانه وشقائه وكل ما طغى عليه من ذكريات ... وما أنقذه مما هو به سوى طرقات خفيفة على باب غرفته ... وكانت سهير كما توقع وبيدها ما إبتاعته من المحال التجارية القابعة على يمين بهو الفندق
- أهـ ما رايك بذوقي... بنطال وقميص .. ارجو أن يعجبك إختياري
- بالتأكيد الجينز يناسب كل شيء .. شكراً سهير
- نعم ... شكراً سهير ..حاف .. (بدلع)
- لا مع قبلة

ما ان ارتدى احمد ثيابه حتى اسرعا في الإنطلاق إلى شارع الهرم مجتازين الكوبري الذي رآه ليلة الأمس في تجوالهما... وبدأ الهرم الأكبر يبدو من بعيد وهو يعتلي رويداً الرمال في منظر ساحر لكن الزحام والسرعة التي يجتاز بها السائقين بعضهم البعض كانت بالفعل عاملاً من عوامل بث الرعب والخوف في صدور السائحين أمثاله ... لكنه سرعان ما نسي الأمر عندما أصبح وجهاً لوجه أمام عجيبة الدنيا الأولى بلا منازع الإهرامات التي تقبع على أرض الجيزة والتي تتكون من العديد من الإهرامات لكن اشهرها على الإطلاق هرم خوفو وهو الأكبر وبجانبه إلى اليمين أبو الهول الذي جذع أنفه كما يقال ضربة مدفع من مدافع نابليون عندما غزا مصر في القرن التاسع عشر ميلادياً.
من المثير للدهشة أن يكون أحدنا قرب هذا الصرح الهائل المليئ بالأسرار فالهرم الأكبر هو معجزة بنائية لا يُعرف على وجه الحقيقة كيف تم بناؤه والعديد من الإفتراضات كلها لا زالت لا تعطي دلائل على عملية البناء وكيفيتها وحتى على من بناها وإن كانت وزارة السياحة تصر في كتيباتها ومنشوراتها الدالة على آثار مصر العريقة أن الهرم وبناة الهرم هم من الفراعنة ... قرأت الكثير من المقالات عن هذا الصرح الجميل والمناقشات العديدة والإفتراضات الكثيرة التي لا زالت دونما إثبات حتى يوم زيارتي لأرضه فمنهم من يقول أن السحرة هم البناة الحقيقيون ومنهم من يدعي أن بناة الهرم من سكان الكواكب الأخرى لكن التصريح الرسمي يؤكد بأن بناة الهرم هم من سكان مصر القديمة وأن خمس وعشرين ألفاً من المواطنين ليس منهم عبداً واحداً هم من بنى الهرم، تساءلت طويلاً وأنا أتابع خطواتي عبر الرمال بجانب هذا المربع الضخم التي تتساوى أضلعه ويبلغ طول ضلعه الواحد حوالي مائتان وثلاثون متراً وبزاوية قائمة صحيحة لا مجال للشك بها على الإطلاق، هل من المعقول أن يبني أحد ما هكذا بناء دون أن يدون كيفية بنائه له؟ نحن نعلم أن من يسكنه هو خوفو ولكن من بناه؟ لماذا لم يدونوا هذه الأمور ؟ هناك العديد من الأسرار تحيط بهذه العجيبة المتبقية على قيد الحياة وكأنها صرخة قادمة من الماضي ستظل تجلجل آفاق علماؤنا الحالين والمستقبلين لتقول لهم مازلتم عاجزين عن كشف أغوار العلوم التي وصلنا لها.... فهل من مجيب لصدى التساؤلات القادمة من الماضي؟

- مابك؟
- لا ... لست مقتنعاً بما يقال عن إهرامات الجيزة هذه
- وما يقال عنها؟
- أن بناتها هم المصريون القدماء وهذه الحكاية التي لا أستطيع تصديقها
- (ضاحكة) أحمد هل تتكلم بجد؟
- نعم ... لما؟ هل تصدقين أنت هذه الحكاية؟
- بالتأكيد ... (بعد قليل من التفكير) إذن من برأيك قد بناها
- لا ... أنا لا أعلم لكن هناك العديد من التساؤلات تدور في ذهني ...هي ليست وليدة اليوم لا قديمة لكنها اليوم إزدادت إصراراً
- نعم وما هي التساؤلات؟
- لأقل لك أمراً ... ماذا تعلمين عن المصريين القدماء؟
- ما درسناه في المدارس وما نقرأه هنا وهناك يعني والعديد من الإكتشافات مازالت في طور البحث والتمحيص لكنها تؤكد بأن قدماء المصريين هم من بنوها أو على الأقل ... أحمد يعني من سكن هذه البلاد سابقاً بالتأكيد هو من بناها ألست معي بهذا؟
- بالتأكيد لكن سؤالي يدور حول العلم ... العلم التطبيقي .. أعني أن العلم لا يختفي بل يتطور أليس كذلك؟
- ماذا تقصد بهذا ؟
- أقصد أن أية علوم لا تأتي إلآ من خلال تجارب ووقائع تدون أو على الأقل تتناقل من جيل لآخر وهي علوم مخبرية لأن من بنى هذا الهرم ... أنظري إليه ...بالتأكيد وصل إليه علم ما عن طريق إما من عوالم أخرى أو نتيجة إختبارات سابقة .. هل فهمت ما أعني ... لسبب أنا أقول هذه الكلمات لأن العلماء حتى يومنا الحالي لا يعلمون كيف على وجه الدقة تم بناء هذه الإهرامات وخاصة أن علومهم الحالية عاجزة عن إكتشاف هذا الأمر... فلو كان الأمر علم سابق لتطور مع أجيال العلماء والمهندسين السابقين ولوصل إلى ذروته في زمن ما، لكن مما نرى يبدو أن من بناه قد إختفى أو تلاشى علمه فجأة دونما إنذار... وكأنما حدث أمر جلل ... أو توفى الجميع فجأة
- طيب ماذا تظن ؟ أحمد أنا لست خبيرة بهذا الأمر
- نعم وأنا أيضاً لست خبيراً لكن عقلي لا يتحمل فكرة أن يبني قوم ما صرح كهذا ونرى بيوتهم طينية وقصورهم طينية وفقط المعابد هي التي شيدت بعظمة لا تضاهيها أي عظمة حتى يومنا الحالي
- آهـ .. فهمت ما تعني ولكن ما أدراك بأن قصورهم طينية والبيوت ايضاً
- إذن أين هي ؟  لأقل لك أمراً ... من أعظم فرعون مصري؟
- أعتقد إنه رمسيس الثاني مش كده؟
- نعم لقد دون حروبه كلها أتعلمين لماذا؟ بالتأكيد لأنه خاضها والتاريخ يؤكد على ذلك المكان والزمان كله مدون .. وهذا فخر له ... ومن بنى هذا العجيبة لم يدون من هو ولم يدون من بناه ولم يرسم كيفية بناؤه ... طيب اين القصور الملكية ... أنظري إلى أي بلد بالعالم أو اية حضارة سترين أن القصور والمعابد هي أهم شيء سيعثر عليه ... لكن لا قصور هنا في مصر الفرعونية.. السبب أنها من الطابوق
- لا اعلم أحمد .. لكن العلماء ... علماء الآثار من كل البلاد يؤكدون أن البناة هم المصريون القدماء أي الفراعنة
- نعم هذه هي المشكلة ... إذ لا دليل لديهم عن البنائيين الأصليين لذا ترينهم يفترضون هذا الأمر .. لكني أظن بأنهم ليسوا على قناعة تامة بهذا الأمر حسبما قرأت في مقالات عديدة .. ليتنا جئنا بكاميرا ... كم وددت لو أنني دونت وصولي لهذا المكان العابق بسحر الماضي ..
- غدأ إذا أردت أو متى ما أردت نستطيع العودة ..(ضاحكة) لن يستطيع أحد سرقة الإهرامات فهي ليست مسلة كما تعلم
- أحسنت بهذا نعم ليست مسلة أو لقى ... سهير (بعد التفكير) سهير هل الأقصر بها لقى كثيرة اقصد آثار و...
- بالتأكيد أكثر من هنا ... لأقل لك أمر الأقصر هي مدينة طيبة وهي كانت العاصمة للعديد من الملوك وتضم آلآف المقابر و.. لماذا تسأل أحمد
- لا خطر على بالي أمر ... ساقول لك ما هو عندما أتأكد منه ... لنعود ارجوك ... لنعد إلى الفندق

Sunday, November 20, 2011

قطع الكهرباء

مكالمة هاتفية
هو ... ألو ... صباح الخير .. أمل
هي ... صباح النور ..إزاي سيادتك
هو ... الحمد لله .. أبوعبد العزيز .. موجود
هي ... موجود ولكن لديه مكالمة خارجية ... سأحول الخط إليه عندما ينتهي من مكالمته
هو ... لا بأس ..كيف أصبحت اليوم؟
هي ... بخير .. بصراحة أنا أريدك بمشورة
هو ... أهـ .. خير إنشاء الله .. أنا تحت أمرك
هي ... تسلم يا باشا.. هي خدمة بصراحة..
هو .... آهـ ... بس كله إلآ الفلوس ..
هي ... (ضاحكة) ... لا تخف .. النقود موجودة .. لأ خدمة أخرى
هو ... إذن .. أنا كما قلت تحت أمرك
هي ... نحنا نعلم بعضنا منذ سنتين تقريباً .. أليس كذلك؟
هو ... نعم هذا صحيح .. لكنك لم تريني ولم أراك
هي ... آهـ .. نعم دائماً على الهاتف ..
هو ... هذا .. صحيح .. ولكن ما القصد؟
هي ... أريد دعوتك على الغداء ... لنتكلم بالأمر
هو ... لكنني مشغول هذا اليوم
هي ... لا بأس .. ما رأيك في الغد؟
هو ... نعم الغد جيد .. هل أحضر لمكتب البنك لديكم ؟
هي ... لآ .. هل من الممكن أن يكون اللقاء في موقف السيارات الخاص بالبنك ومن ثم ننطلق؟
هو ... لما لا ... ولكن في أي ساعة؟
هي ... في الثانية والنصف من بعد الظهر .. مارأيك؟
هو ... سأكون هناك ..
هي ... حسناً .. سأحول الهاتف لأبو عبد العزيز فقد إنتهى من مكالمته .. ولكن لا تنسى الموعد
هو ... لا بأس أشكرك .. لا .. لن أنسى


اللقاء ... الساعة تجاوزت الثانية والنصف بدقائق من بعد ظهر اليوم التالي...
هي ... (على الهاتف النقال) ألو..
هو ... أهلاً أمل ... أنا في الموقف
هي ... حسناً كيف سأعرفك؟
هو ... آهـ نعم ... سيارتي سوداء .. كبيرة الحجم من نوع فان ... أين أنتِ؟
هي ... آهـ ... رأيتك ... أنا أشير إليك .. هل رأيتني؟
هو ... آهـ .. نعم
هي ... حسناً إتبعني ... سيارتي لونها حمراء
هو ... حسناً ... طبعاً سأتبعك ...لا بأس

المكان شقة أمل في مجمع سكني ضخم الطابق 9
هي ... تفضل ...
هو ... أمل ... لما لم تقولي لي أن الغداء سيكون في شقتك؟
هي ... لما .. هل كنت سترفض المجيئ حينها؟
هو ... لا بالطبع ... ليس القصد
هي ... إذن تفضل ... سيكون الغداء جاهز خلال 15 دقيقة من الآن ... خذ راحتك

على مائدة الغداء
خلال تناول الطعام بدأت أمل كعادتها بإلقاء النكات المضحكة، هي دائما منذ أن تعرف عليها خفيفة الظل ولديها قدرة على إضحاك من تتكلم معه بكل سهولة.

في الصالة بعد تناول الطعام ... أعدت أمل فنجان من القهوة وجلست قربه تكلمه بما أرادته به

هي ... أنت تعلم نحن نعرف بعضنا منذ سنتين
هو ... نعم .. نعم تقريباً
هي ... أعلم بأنه لديك مشاكل مع أهل بيتك وقد..
هو ... أمل ..كيف عرفت هذا؟
هي ... صدفة .. لم أقصد التنصت .. لكنها مكالمة بينك وبين أبوعبد العزيز ..
هو ... منذ متى تعلمين؟
هي ... منذ ستة أشهر ... ولكن..
هو ... ولكن ماذا؟
هي ... بدأت أفكر بالأمر منذ حوالي ثلاث أشهر
هو ... أي أمر؟
هي ... أن ادعوك لتناول الغداء ومكالمتك بأمر مشكلتي
هو ... آهـ نعم ... صحيح وما هو الأمر الذي تريدينه مني؟
هي ... أنت تعلم ربما أنني حاولت مراراً أن أحضر زوجي للعمل هنا ..؟ وبالفعل جئته بعدة عقود عمل ممتازة لكنه كان يرفضها دائماً
هو ... غريب لماذا؟
هي ... يتعلل بأنه لا يريد العمل هنا ... وبأنه يفضل العمل في الوطن
هو ... إذن لماذا جئت أنت للعمل هنا؟ ... ألم يوافق على مجيئك ؟
هي ... بالعكس هو من دبر عقد العمل لي
هو ... غريب ... كيف يرضى بأن تعملي أنت هنا ويرفض هو بالتالي الحضور للعمل بنفس المكان
هي ... مع انني جئته براتب وفرصة عمل ممتازة لكنه يرفض الحضور
هو ... حسناً ماذا تريدين مني إذن
هي ... هل تذكر منذ فترة ... ألقيت عليك فزورة
هو ... (ضاحكاً) أنت في كل يوم تلقين عليَّ فزورة
هي ... هذا صحيح لكن هذه كانت مميزة
هو ... والله .. ؟ مميزة بماذا؟
هي ... سألتك لماذا تقوم الشركة بقطع الكهرباء عن المدن
هو ... نعم اذكر وقلت لك بأنني لا أعلم يومها
هي ... وأخبرتك ساعتها أنها تقوم بذلك لإكثار النسل .. فإستغربت أنت الأمر وقلت كيف؟ وقلت لك يومها أنه لو افترضنا هناك رجل وامرأة في شقة وإنقطعت عنهم الكهرباء فماذا سيفعلون ..؟ فقلت لي لا أدري ربما يبحثون عن شمعة أو شيء من هذا القبيل ... وقلت لك أنا لا بل هم يمارسون الحب لإكثار النسل
هو ... نعم هذا صحيح ... بالفعل هذا ما أخبرتني به ..


اعتدلت أمل واقفة دون أن تنبس بشفة وأطفأت الأنوار ... إنتهى

Thursday, November 17, 2011

غربــة - الجزء الثالث عشر

غربة - الجزء الثالث عشر

عاد أحمد أدراجه وهومطمئن النفس وفي طريق عودته وضع يده بجيب السترة فتذكر الرسالة التي جاءته من الأقصر ولم يكن قد قرأها بعد، فض الرسالة وأخذ يقرأ ("أستاذ أحمد حاولت الإتصال بك كثيرا بغرفتك مع أن سيارتك كانت أمام الفندق طوال الوقت، إن كنت لا تريد محادثتي فهذا شأنك ولكن على الأقل أرجو أن تطمئني على صحتك الإمضاء سعاد") بالوقت الذي كان يجلس به على كرسيه أمام سهير التي كانت تتساءل وإذ به يبتسم ومن ثم يدس الرسالة بجيبه وينظر إلى سهير قائلاً:

- ماذا طلبتي؟
- أنا بإنتظارك
- لا أعتقد بأنني سأشرب غير القهوة
- لا .. أنا سأشرب عصير البرتقال
أشار للنادل وأملى عليه ما يريدون في الوقت الذي كانت سهير تحاول التكلم
- ما بك يا سهير
- كنت أتساءل ..
- عن ماذا
- لست أدري ولكن .. هل استطيع أن أكون صريحة معك
- بالطبع ألسنا أصدقاء .. أرجوك خذي راحتك
- نعم .. لماذا لم تتزوج للآن .. أعني إنك فوق الثلاثين كما أظن
- أوه أجل .. أنا فوق الثلاثين ، لدي من الظروف التي تمنعني عن التفكير بالإرتباط
- أهو العمل .. أعني تأسيس المستقبل وخلآفه .. أم ماذا ؟
- بالحقيقة لقد ارتبطت بالفعل بإنسانة ولفترة طويلة من الزمن، لست أدري إن كنت ستفهميني لقد أحببتها كما لم يحب رجل امرأة أبداً وكانت الظروف بحالة مد وجزر طوال الوقت لم أبخل عليها عندما تكون الأحوال جيدة ولكن ماذا أفعل وقد أصبحت الظروف قاهرة، إسمعي يا سهير لا يغلب الرجال سوى الفقر ولا يقتلهم سوى القهر، وهي سامحها الله لم تكن تصدق بأنني أمر بظروف صعبة وقاهرة، بل على النقيض من هذا كانت تظن بأنني أخدعها وبأنني أخونها
- وأنت ألم تخنها بحياتك
- لست أدري ماذا أقول لك ولكنها كانت كل شيء بحياتي الأم والأخت والحبيبة، أتعلمين ما العشق؟ كنت أعشق أنفاسها فلماذا أخونها
- والآن؟
- أعيش على ذكراها ... أقلب صفحات رسائلها القديمة
- منذ متى لم تراها؟
- بالتحديد منذ سبعة أشهر، ولكن القطيعة منذ أكثر من سنتين
- ألم تحاول أن تقابلها ،، أن تشرح لها
- حاولت كثيراً ،، لكنها سامحها الله مصممة
- فالتحاول أن تنساها .. صدقني ستجد أحسن منها حاول لن تخسر شيئاً
- كأنك تطلبين المستحيل، أنساها وهل ينسى الإنسان عمره ؟
- ألهذه الدرجة تحبها
- بل قولي أحببتها
- والآن ألا تحبها؟
- ما أشعر به الآن هو مزيج من الألم والغضب تجاهها لقد جرحتني أكثر من مرة ومنذ أكثر من سنتين وكلما أردت النوم أراها تتمثل أمامي بالصورة التي فارقتها بها لآخر مرة
- يبدو أنني فتحت جرحاً غائراً ،، فأرجو أن تسامحني
- لا عليك ،، بالعكس كنت أريد أن أتفوه ما بنفسي منذ فترة طويلة ولكنني لم أجد من أرتاح إليه لأفضفض عن نفسي ما بها
- صدقني ستجد أحسن منها وأجمل ،، ولكن عليك هذه المرة بحسن الإختيار
- اهـ نعم صدقتي ،، حسن الإختيار .. هيا بنا فالساعة قد تجاوزت الثانية صباحاً
- هيا ...

دفع أحمد فاتورة المقهى وتوجه مع سهير إلى الفندق الذي يبعد حوالي النصف ساعة مشياً على الأقدام ، وخلال سيرهم كانت سهير تحاول تلطيف جو الحزن الذي خيم عليهم أثناء جلوسهم في المقهى فأخذت تلقي بالنكات المضحكة على أحمد وتقص عليه بعض القصص الطريفة التي تمتلئ بها الحياة المصرية
- سهير لم أكن أعلم بأنك خفيفة دم لهذه الدرجة
- هه ماذا تقصد هل اعتقدت بأنني ثقيلة الظل يا سيد أحمد
- لا لم أقصد هذا، نعم كنت أعلم بأنك جميلة، مثيرة أنيقة ولكن صاحبة نكتة لا بالحقيقة لم يخطر ببالي .. ها لقد وصلنا إلى الفندق .. والآن ماذا ستفعلين ؟
- سأعود للمنزل
- وأين يقع منزلكم هذا
- بمنطقة اسمها المعادي الجديدة (مشيرة إلى الكورنيش) هل ترى هذا الشارع الموازي للنيل .. إنه يؤدي إلى البيت .. ويبعد حوالي الربع ساعة تقريباً عن الفندق
- يا سهير الوقت متأخر جداً إنها (وهو ينظر لساعته) الثانية وأربعون دقيقة، ليس من المعقول أن تذهبي للمنزل الآن بمفردك
- فما العمل وهذا هو الوضع، يجب علي العودة ولا أستطيع النوم خارج المنزل
- نعم أنا لا أقصد هذا .. حسناً لنذهب إلى سيارتك .. سأرافقك إلى المنزل وبعد ذلك سأعود إلى الفندق
- أنت تعني ما تقول؟
- لما لا فأنا أريد الإطمئنان عليك، إذ لا يجب عليك القيادة بهذه الساعة المتأخرة ماذا سيقول الناس؟

توجها معاً إلى موقف السيارات فيما كانت سهير تحاول إخفاء عينيها عن أحمد وقد إمتلئتا بالدموع لكنه لاحظ الأمر فأدار بيده وجهها إليه وأوقف السيارة على جانب الطريق بعدما شاهد الدموع وهي تملئ عينيها متسائلاً عما بها.
- سهير ما بك؟ هل أنت حزينة من أمر ما ... هل أسأتُ إليك
- ... أحمد لا (وهي تشهق بالبكاء)
- سهير ما بك؟ أنا آسف إن بدر مني أي شيء
- لا ... أبداً .. أحمد أنت ... إنسان رائع
- لا أعلم ماذا تقصدين (قبلها من جبهتها ... لكنه تدارك نفسه معتذراً)... أنا ... أنا آسف ... لم اقصد ... يا إلهي..
- لماذا تتأسف .. أحمد ... أحضني إليك أرجوك
قام أحمد بحضنها إليه فيما قامت سهير بتقبيله وهي تبتسم ضاحكة وتسأله العودة إلى الفندق
- لماذا يا سهير .. ألآ تريدي العودة إلى المنزل؟
- أحمد أريد تكملة السهر معك إلى الصباح ... أرجوك .. بحاجة إليك
- هل تعنين ما تقوليه يا سهير؟
- ألآ تحب السهر معي؟
- سهير ...
- أرجوك (تنظر إليه تتوسل عيناها إليه) هه

عاد أحمد إلى الفندق لكنه كان يشعر في قرارة نفسه بالكثير من الإحراج والتردد وبدأ يسآءل نفسه عن هذا الوضع الجديد الذي اصبح به ... فيما كانت سهير تتأبط ذراعه وهما منطلقان صوب المصعد ومنه إلى الغرفة والسرور يبدو على محياها ...
- سهير ألن تتساءل أمك عن تمضيتك الليل خارج منزلك؟
- أحمد لا تعبأ بالأمر سأقول لها اضطررت للسفر إلى سيناء فلدينا مشروع هناك وفي الحقيقة سبق لي الذهاب إلى المشروع لعدة مرات سابقاً وهي لا تسألني طالما لم اخبرها بشيئ فقد تعودت على غيابي عن المنزل خلال السنتين الماضيتين.
- كما تشائين يا سهير ...المهم عندي أن لا تكون الوالدة منزعجة من هذا الأمر ومطمئنة عليكِ
- لا عليك ... دعنا من هذا الأمر الآن ولنجلس ..هناك (مشيرة إلى الشرفة التي تطل على النيل) ... تعال أحمد
- إسبقيني أنت ... سآتي بعد قليل

جلس أحمد على طرف البانيو بعدما أغلق عليه باب الحمام يفكر بهذا الأمر الذي إستجد عليه... وأخذ يتساءل عما تقصده سهير بقدومها معه إلى غرفته وماذا سيقول عنه وعنها موظفي الإستقبال وخاصة أنه رأى بعيني الموظف أو هكذا تهيئ له بريق تساؤل ما
لكنه عاد بعدما قام بغسل يديه وتوجه إلى الشرفة وهي تنظر إليه بسرور

- إذن ... عن ماذا سنتكلم الآن؟
- تعال أجلس معي هنا ... لا تتكلم أترك العنان لعينيك لتتحدثا معي
- لغة العيون تقصدين؟
- ألآ تعرفها؟
- كيف لا أعرفها ...
- إذن إقترب مني قليلاً وحدق بعينيَّ ... هه أخبرني ماذا تقولان لك
- سهير أنت تعلمين أن الوقت قد تأخر كثيراً وأن ...
- أخبرني أحمد ماذا تقولان إقترب
- سهير
- أحمد أحضني أرجوك ... أريد أن اشعر بنفس المشاعر تلك التي خبرتها في السيارة

كان المكان هادئاً والجو مشبعاً بالعواطف الصادرة عن سهير تلك الفتاة التي عرفت كيف تستميل إليها كل عواطفي ونهمي إليها وما هي إلآ ثوان حتى أصبحنا في عناق حار وقبلات متوقدة لم تفي معشار ما في قلبي وقلبها من جوع إلى الإلتحام والإنغماس فيما كان يبدو أننا سائرين إليه بلا شك، وفي ثوان أخرى كنا ممددين على سرير الغرفة نسرق من الزمن لحظات طيش بدت لي فيما بعد وكأنها آتون نار صب فوق رأسي ..
- سهير ما الذي جرى؟ (وأنا أنظر إليها وهي ممددة قربي وراسها على صدري)
- لحظات حب ... هل أنت سعيد؟
- لكنك لم تخبريني أنك إمرأة يا سهير
- (وهي تنظر إليَّ) ومنذ متى تخبر المرأة أنها إمرأة؟
- ليس القصد... ولكن حسبتك فتاة أي
- نعم أعلم ... القصة طويلة يا أحمد ولن تحب سماعها
- ماذا لدينا؟ هل حبيب سابق؟
- لا ... لا ..ليس الأمر كما تظن لا ابداً
- إذن ما هو؟
- سأقول لك في وقت آخر ولكن دعنا ننام الآن ... أريد النوم قربك
- حسناً كما تشائين ...
- لكن لا تسيء الظن بي يا أحمد سأخبرك كل شيء بوقته هه
- سهير أنا لم اسئ الظن بك لكنني أتساءل ليس إلآ
- نعم أعرف لننم الآن ... أحضني إليك ..

لم يستطع أحمد النوم يفكر بما جرى ويجري متأملاً سهير التي أسلمت للنوم عينيها غير عابئة بما حصل ... إنها مسؤولية لا يستطيع تحملها أخذ يحدث نفسه ويستعيد ذكريات الأمسية.
يتساءل عما ستقول له وهل ما حدثته به هو حقيقة .. والدتها .. أختها ووالدها المتوفي منذ صغرها هل كل ما أخبرته به حقيقة، لكنه لم يستطع الإستمرار فيما هو فيه لذا توجه إلى الشرفة وأشعل لفافة تبغ تلو الأخرى وعيناه تحدقان في الأفق فيما بدأت تباشير فجر اليوم الجديد في الظهور تبث الدفئ في أنحاء الأرض .. لكنه شعر بالنعاس والتعب يدب إلى عينيه فعاد إلى السرير فيما كانت سهير تتقلب في الفراش وتنظر إليه متسائلة عما به ولما لم ينم حتى الآن
- لما لا ترح نفسك قليلاً فسرعان ما سيأتي الصباح تعال نم قليلاً
- إنني تعب بالفعل يا سهير .. نعم تعب
- إذن تعال.. تعال

في الصباح توجه أحمد وسهير إلى مطعم الفندق لتناول طعام الإفطار ولم ينبس أحمد بشفة فيما كانت سهير تراقبه بصمت وتحثه عيناها على المحادثة لكنه لم ينظر إلى عينيها فوضعت يدها على يده وهي تنظر إليه قائلة
- أحمد ما جرى الليلة الماضية كان أمراً أحببته أنا (وهو ينظر إليها وعيناه تتساءلان فيما إلتزمت شفتاه الصمت) .. أنا لن أطالبك بشيء
- ماذا تقصدين يا سهير؟
- لا تظن بأنني أستغلك يا أحمد أو شيء من هذا القبيل لا... صدقني شعرت بحاجتي إليك .. أنا لا أريدك أن تظن أنني سيئة .. لا أعلم إن كنت تفهمني أو لا ولكن أرجوك لا تظن بي السوء
- لكني أريد أن أفهم يا سهير ما يدور.. فأنا لم أنم الليلة الماضية.. هل كل ما حدثتني به عن والدك.. أمك ..
- أحمد أنا لم أكذب عليك بأي أمر .. صدقني .. ربما .. ربما أخفيت عنك أمراً ما حصل معي .. لكن ..سأكلمك به إن كنت تريد أن تسمع .. وأن تفهم و.. بشرط أن لا يكون ذلك من باب تحمل مسؤولية أو
- ماذا تقصدين تحمل مسؤولية ...مسؤولية ماذا .. أنا
- لا .. لا اقصد تحمل مسؤولية ما حصل ...أرجوك تروى قليلاً معي .. أنظر إليَّ ... بعدما ننتهي من هنا لنتمشى قليلاً لأقص عليك ما حصل... أحمد أنا لست سيئة كما تظن
- سهير تداومين على قول هذه الكلمات ... أنا لا أظن بك شيء ولكني أرفض أن أكون جاهلاً فيما أنا به ... أريد أن افهم لا غير... نحن يا سهير شرقيين ... وأعذريني يا سهير أنا لم أعتاد هذه الأمور ... لا تغضبي من كلماتي أرجوك ولا تعتبريها إهانة .. لكني لم أعتاد هذه الأمور وخاصة في الشرق
- أحمد (وعيناها تذرفان الدموع) ... أنا ..لست كما تظن
- ......... أرجوك لا تغضبي مني ...سهير يكفي ..هل إنتهيت من إفطارك؟

توجه أحمد وسهير إلى كافيتيريا الفندق المطلة على النيل وجلسا تحت مظلة واقية من الشمس فيما طلبا كوب من عصير البرتقال وقهوة وما أن ذهب النادل لإعداد الطلبات حتى إبتدأت سهير بالكلام قائلة:
- أحمد إستمع إليَّ ولا تقاطعني أرجوك ... حتى أنتهي مما سأقوله
- طيب تفضلي ...
- أنا ... إلتحقت بالشركة منذ ثلاث سنوات تقريباً... المهندس ممدوح إنسان رائع ومحب لعمله .. بصراحة لم أرى من هو مثله بتفانيه .. الشركة كانت بحالة إنطلاق و ... كان المهندس ممدوح يكافح لأجل إبرام العقود هنا وهناك ... كنت أنا أتسلم أعباء كثيرة في الشركة .. الإتصالات المكاتبات ... العلاقات العامة ... كنت كل شيء بالشركة ... لم يبخل المهندس ممدوح بتقديم النصائح لي .. وكان يغدق عليَّ بالنقود وخاصة عندما كانت الشركة توقع عقداً جديد .. إعتبرت الشركة هي بيتي الآخر.. كنت أمضي الكثير من أوقاتي هناك في البحث عما يمكن أن اساهم به لإعلاء من شأنها ... كنت في أحيان كثيرة أستقبل عملاء الشركة القادمون من الخارج وكنت مسؤولة عنهم .. توفير إقامتهم وفي أحيان كثيرة إقامة المآدب وحفلات للتوقيع على العقود و .. وفي إحدى السهرات لا أذكر ربما كانت هي المرة الأولى التي أتناول بها الخمرة بهذا الشكل لا اعلم أمتدت السهرة بنا لوقت متأخر وكان لدينا عملاء ... عملاء من الخارج و.. وجدت نفسي في صباح اليوم التالي نائمة بينهم عارية .. هذا من أكثر من سنتين .. كانوا إثنين .. يبدو أ..
- سهير ... خلاص ... المهم ماذا فعلت بعد ذلك
- (تبكي) .. و..ماذا أستطيع أن أفعله؟
- كيف ماذا تقصدين؟
- (تنظر إليَّ متسائلة وهي تكفكف دموعها) .. إثنين .. يا أحمد ماذا سأقول ولمن .. ماذا ستقول عني الوالدة؟ كيف..
- جاء النادل يا سهير ... (وبعد ذهاب النادل) .. أقصد ألم تخبري أحد بالواقعة تلك؟
- تركت الفندق يومها ... لم يكن هذا الفندق .. عدت إلى البيت وعيناي تغرقان بالدموع سألتني الوالدة عما بي لكنني أخبرتها بأني مريضة متعبة ... دخلت لأستحم ...لكن ماء العالم كله .. (تجهش بالبكاء) لم ... لم يكفيني لم اشعر بأنني نظيفة ... أحمد كنت خائفة مرعوبة ... أتسائل في نحيبي ماذا لو.. حصل حمل .. لا أعلم كيف جرى الأمر لا أذكر شيء .. لا لآ أذكر أي شيء ... كيف بدأ كيف إنتهى ..لا أذكر .. فقط لا اذكر..
- تروي يا سهير .... أعلم إنها لحظات قاسية .. ولكن أنا لا أحاسبك الآن .. ولكن يبدو أنك مازلت تشربين الخمر
- لا ... أحمد لا ..ربما اساير لكن لا أشرب كما تظن لا ابداً ... لا لم أعد للشرب .. ربما شفة ألفظها بكأس الماء لكن لا
- وهل أخبرتي الوالدة عن هذا الأمر؟
- أنت الوحيد الذي يعلم ما حصل ... أو لنقل ما أعرفه لأنني حقاً لا أعلم ما الذي حصل ليلتها
- أهذا هو السبب الذي جعلك ترفضين من تقدم إليك من عرسان؟
- لا يا أحمد ... لم أكذب عليك بأي أمر قلته لك .. صدقني
- أنا اصدقك ... وأحترم كلمتك تلك إذهبي لغسل وجهك ... سأنتظرك هنا
- هل ستذهب معي إلى الشركة أم ستبقى هنا في الفندق؟
- لا أعلم يا سهير حقاً لا أعلم...
- هل أنت متضايق مما أخبرتك به (وهي تضع يدها على يدي)
- أخبرتك أنا لا أحاسب أحد ... وأعلم بأنك ظلمتِ بهذا الأمر .. لتذهبي الآن ...
- ستنتظرني إذن؟
- أنا هنا أشرب قهوتي

أشعل أحمد لفافة من التبغ فيما كانت سهير تغادره متلفتة لمرات إليه وكأنها تستنطق نظراته المتجهة إليها ترافقها في ذهابها ... نظر إلى المراكب السابحة في مياه النيل وإلى العمارات الشاهقة التي تبدو على أطراف الشاطئ .. لم تكن عيناه تستطيعا التركيز على مكان واحد هو يعلم أنه متضايق من أمر ما لكنه لا يعلم ما الذي يسبب له كل هذا الضيق .. شعر بالتعب والإرهاق فكثرة التفكير في أمر هذه التة أرهقه ولم يستطع النوم كافياً فقرر العودة إلى غرفته لأخذ المزيد من الراحة بعد عودتها ...
- نعم هذا أفضل لي (مكلماً نفسه فيما كانت سهير قادمة) .. سهير أنا سأبقى في الفندق يبدو أنني اشعر بالإرهاق ربما أنام .. لا بالتأكيد سأحاول النوم .. مرهق
- أعلم .. أنت لم تنم ليلة الأمس أنا آسفة ... حسناً أنا مضطرة للذهاب الآن للعمل سأراك عند الظهيرة .. هه .. نتغدى معاً .. ربما آتيك ببعض الأوراق من الشركة .. إذهب أنت للنوم

عاد أحمد إلى غرفته بعدما ترك في الإستقبال رسالة تفيد بأنه مريض ولا يريد أي إزعاج من أحد ... ورسالة أخرى للعم محمد الذي لم يظهر لغاية الآن ... واستسلم لنوم عميق.

Monday, November 14, 2011

غربــة - الجزء الثاني عشر

غربة - الجزء الثاني عشر

دق جهاز الهاتف في غرفة أحمد بينما كان يرتدي ملابسه استعداداً للسهرة وكان على السماعة الأخرى سهير سكرتيرة المهندس ممدوح
- أستاذ أحمد، مساء الخير المهندس ممدوح في طريقه إلى الفندق

- أين أنت ..؟
- في بهو الفندق
- سأكون معك بعد قليل

توجه أحمد في طريقه لبهو الفندق في الوقت التي انطلقت به زغاريد أحس بأنها تشق عنان السماء وعندما خرج من المصعد فوجئ بجمع غفير من الناس رجال ونساء وموسيقى الزفة المصرية تنطلق في رحاب البهو في جو من السعادة والحبور، أطلق العنان لعينيه في رحلة البحث عن سهير التي وجدها تقف بعيداً عنه قرب الكافتيريا تحدق بجموع المهنئين وتراقب بعينيها النجلاوتين فساتين السهرة وهي تختال على أجساد النساء المدعوات، توجه أحمد يشق الجموع صوب سهير التي لم تلاحظ قدومه وربما لم تتوقعه بهذه السرعة لذا وقف بجانبها يراقبها وهي تنتقل بعينيها هنا وهناك وتوزع كلمات التعجب أحياناً والاستهجان أحياناً أخرى، اقترب منها وهمس في أذنها قائلاً:
- العقبى لك
- أوهـ من أهـ .. أخفتني يا باشمهندس
- رأيتك مشغولة بالعرس فتركتك لفترة من الزمن و....
- العقبى لك أنت، أنا مازلت صغيرة .. أم أنك متزوج
- ... لست مرتبطاً
- معقول .. إذاً فلتقرص العريس
- ظننتهم يقولون هذا لصديقات العروس
- لا ممكن للرجال والنساء على حد سواء

وتوقفا عن الكلام عندما شاهدا العريس يتأبط ذراع عروسه متوجهان إلى قاعة الحفلات التي أعدت خصيصاً لهم يرافقهم ذويهم وأصدقائهم وباقي المدعوين، توجه أحمد ترافقه سهير للكافتيريا وطلبا بعض المشروبات بانتظار قدوم المهندس ممدوح الذي لم يتأتى لأحمد مشاهدته بعد وأخذا يتكلمان عن الزفة في مصر وعن تكاليفها الباهظة وما تتحمله العائلات في سبيل ليلة العمر كما يدعونها

- أهـ المهندس ممدوح وصل، ها هو قادم نحونا ترافقه المدام
وذهبت لاستقبالهما والقدوم بهما
- المهندس أحمد (معرفة) المهندس ممدوح مدير عام الشركة وصاحبها والسيدة حرمه
- تشرفنا يا باشمهندس كيف رأيت مصر هل أعجبتك
- كيف لا إنها جميلة جداً ، كيف حالك يا مدام، (مقبلاً يدها)
- كيف حالك يا باشمهندس
- الحمد لله، العمل ثم العمل يا استاذ أحمد فالعمل يأخذ مني كل الأوقات الجميلة (وهو ينظر لزوجته ضاحكاً) ولكننا نحاول اقتناص الفرص أليس كذلك يا نظيرة
- أهـ بالطبع ولكن ليس دائماً (وهي تصطنع الابتسامة)
(المهندس ممدوح مخاطباً سهير)
- هل حجزت لنا مائدة العشاء للعشاء
- نعم بالطبع، المائدة المفضلة كالمعتاد
- إذن هيا بنا تفضل أستاذ أحمد

وتحادثت نظيرة مع سهير التي كان يبدو على وجهها الامتعاض من وجودها معهم، تَرافَقَ الرجلين وهما متوجهان إلى النادي الليلي للفندق الذي حفل ببرنامج ساهر مع العشاء الفاخر الذي يقدمه الفندق لرواده، أمضى الجميع سهره كل فيما يخصه، كانت نظيرة ة تراقب سهير وتنظر إليها شذراً والشرر يتطاير من عينيها ويبدو أن سهير تعلم جيدا كيف تتعامل معها لأنها لم تحاول حتى مجرد النظر إليها ولو لمرة واحدة بينما انغمس الرجلين في حديثهما عن الأعمال التي يستطيعا أنجازها سوياً كما وتعرف ممدوح على ما تؤديه المجموعة من خدمات واستشارات واستثمارات عن طريق بعض البنوك الخليجية والدولية المهتمة واتفقا على أن تقوم سهير بإعداد نسخ من العروض لبعض المشاريع التي يستطيع الطرفان أن يعملا بها سوياً
- سهير من الغد يجب عليك الاهتمام بما يلي
أولا أعدي حصراً للمشاريع التي نريد شركاء بها
ثانيا كشف بالمشاريع التي نحتاج بها إلى قروض، تستطيعي أن تسألي المهندس أسامة عن هذه المشاريع خاصة وأنها مسئوليته
ثالثا أعدي لي تقريرا مفصلاً عن المشاريع التي نحتاج إلى معونة استشارية خاصة المشاريع التي تختص بمرافق الدولة ولا تنسي المشروع الجديد أعني الحي السكني بالأقصر
ماذا هناك أيضا، حسنا أريد هذه التقارير والكشوف بأسرع وقت، هه متى تستطيعين إنجاز ذلك
- إنه عمل ضخم بالتأكيد ولكن الكثير منه قد أنجز فعلاً، ربما يومين يكونا كافيين لذلك
- أعطيتك يومين ولكن ليس أكثر من ذلك، إنها موظفة ممتازة يا أستاذ أحمد أليس كذلك.. أخ (ناظراً إلى زوجته التي تشاغلت عنهم بالعرض الفني)


ابتسم أحمد بعد أن فهم ما يدور تحت مائدة العشاء ويبدو أن زوجة السيد ممدوح تغار من سهير السكرتيرة الحسناء وما أن مدح ممدوح سكرتيرته حتى ضربته برجلها أو قرصته لم يكن الأمر واضح لأحمد أما سهير فقد امتصت شفتها السفلي تعبر عن امتعاضها مما حدث قائلة
- إنك تمدحني بأكثر مما أستحق يا باشمهندس (تستدرجه للحديث)
- لا يا سهير (وهو يراقب زوجته) أنت تعلمينني جيداً فأنا لا أجامل أحداً وخاصة بما يخص العمل
- أعلم ذلك جيداً يا باشمهندس (بدلآل يفوق الحد وهي تنظر لنظيرة)


أما نظيرة التي وقفت فجأة قائلة بأنها تشعر بالتوعك وبأن الألم في رأسها قد عاودها مرة أخرى وهي تريد العودة للمنزل
- أهـ إن الآم رأسي هذه المرة شديدة أظن بأنني سوف أتوجه للمنزل هيا بنا (موجهة حديثها للمهندس ممدوح)
- سأطلب من فتحي أن يوافيك (وهو يتصل بهاتفه الخلوي) ألو .. فتحي نحن بالملهى الليلي تعال إلى فوق حالاً
- ماذا تعني يا ممدوح ألن ترافقني للمنزل
- لا فلدي بعض الأمور التي يجب علي إنجازها وليس من المعقول ترك الباشمهندس أحمد وخاصة أنها أول سهرة له بالقاهرة
- تريد البقاء إذن (وهي تستشيط غضبا، وبلهجة لا تخلو من الوعيد) حسناً ... سأبقى على الرغم من ألمي علشان المهندس أحمد
- ماذا تعنين ألم تقولي بأن رأسك يؤلمك وبأنك تودين الذهاب للمنزل؟
- أهـ (بنرفزة واضحة) فالتطلب لي بعض الأسبرين وسأكون بخير

طلب المهندس ممدوح لزوجته بعض من الأسبرين ومن ثم أمضوا باقي السهرة وهم يشاهدون برنامج السهرة الذي حفل ببعض الغناء من مطربين مشهورين ولوحات من الرقص الشرقي الأصيل وبعدها توجه المهندس ممدوح برفقته زوجته إلى منزلهما بعد أن ودع المهندس أحمد وتركه مع سهير التي ذهبت في ذلك الوقت لغرفة الزينة لكي لا تضطر لتوديع نظيرة ومن ثم عادت بعد أن تأكد لها بأنهما قد ذهبا
- هل لاحظت غيرتها الشديدة
- هي زوجته وأنت يا سهير سكرتيرته وأنت جميلة جداً والعداء مشهور بينهما ولستما الوحيدتان اللتان على هذا الوضع
- كم هي قبيحة بهذا التصرف الذي تقوم به
- يجب عليك أن تعذريها، كوني في مكانها وزوجك لديه واحدة مثلك تعمل لديه تمتلئ بالحيوية والجمال والأنوثة ....
- أتعني ما تقول ( بدلع)
- نعم
- إذاً أنا أعذرها
- هل يوجد هاتف هنا ..

نادت سهير على النادل تطلب منه أن يوافيها بهاتف، أتصل أحمد بالاستقبال مستفسراً إن كان لديه أية رسائل أو جاء أحد من أجل مقابلته فأخبره بأن لديه رسالة من الأقصر فطلب منه أحمد موافاته بها بعد أن أعلمه بمكانه، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة ليلاً عندما توجه النادل إلى أحمد يسلمه الرسالة التي جاءته من الأقصر، وضعها أحمد في جيبه بعد أن أنقد النادل بعض النقود
- هل يعرف أحد أنك هنا
- بالطبع لدي بعض الأعمال هناك لذا فأنا أخبرت الشركة بمكان تواجدي تحسباً لأي طارئ
- أهـ طبعاً … طبعاً حسناً ما هو جدولك لهذه الليلة
- جدولي ليس به أي حروف سوداء هو أبيض من الثلج
- (ضاحكة) إذن ما رأيك أن نملئه ببعض الألوان
- المهم أن يكون اللون الأخضر هو السائد
- ماذا تعني (وهي تضحك) لا .. لا تخف سنتمشى على النيل؟
- فكرة جيدة ... ولكن ماذا بشأنك (وهو ينظر لساعته)
- لا ... لا عليك ليس لدي من يضايقه تأخري
- أأنت وحيدة هنا
- لا أنا أعيش مع والدتي وأختي الصغرى، والدي توفى منذ فترة كبيرة وأنا المعيل الوحيد لهذه الأسرة
- إنني حقاً أسف، فأنا لم .....
- لا عليك فأنا متعودة
- سهير، تستطيعين العودة للمنزل فأنت لم تقصري بشأني أبداً
- أتحسب أنني باقية لأجل الضيافة لا، ولكنني فعلاً بحاجة لأن أتحدث لأحد ... ليس أي أحد ... أعذرني فأنا أرى بك شخصية والدي رحمه الله إنه يشبهك كثيراً وخاصة طريقة كلامك رحمه الله ولهذا عندما رأيتك للوهلة الأولى ارتحت كثيراً لك
- إذن تعالي ولا تضيعي السهرة هنا فأنا بالكاد أسمعك فالضجة هنا تخنقني ....

وهما متوجهان إلى المصعد ومن ثم لخارج الفندق المطل على النيل مباشرة
- حسبتك سعيداً بقضاء الأمسية بالملهى
- لا ... أنا لا أحب الأصوات العالية .... لا أرتاح لها ... تزعجني ، لهذا عندما ذكرت نزهة على ضفاف النيل رأيتها فرجاً من الله ..... هيا تعالي

أسرع أحمد الخطى ممسكاً بيد سهير وهما متوجهان إلى خارج الفندق فرأى على مقربة من ضفة النهر عربة تجرها الخيول فنظر إلى سهير نظرة فهمت منها ماذا يقصد فأشارت له برأسها بالموافقة فنادى على صاحب العربة وركبا طالباً منه التنزه بهما على شاطئ النيل وهما يسمعان أغان أم كلثوم القديمة
كان الجو رائعاً في هذا الوقت من السنة وليل القاهرة يعرفه كل من زارها، النسيم العليل يداعب الوجنتان والموسيقى تصدح مع الغناء الشجي
- القاهرة رائعة بالليل يا انسة سهير
- هذا صحيح، كنت أتمنى أن أقول الكلام نفسه عن النهار ولكن الزحام وخنقة السير ظلما المدينة، بس بلاش آنسة ... هه
- حاضر ... بلاش آنسة ... لكنها يا سهير تبقى مدينة رائعة، انظري إنها الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل وما زال بإستطاعتك التنزه على العربات وزيارة المطاعم وربما أيضاً المحلات التجارية
- مدينتنا يا باشمهندس عريقة في القدم وتمثل حضارة موغلة في أحضان الماضي، لا تنسى بأننا نتاج حضارتين، الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية وأيضاً لا تنسى بأننا نعتمد على السياحة كأكبر عائدٍ للدولة
- طيب بلاش باشمهندس هه ... اهـ نعم أعلم هذا السياحة في مصر، لقد قرأت عن هذا الموضوع وأعلم بأن لديكم أكبر مسرح ومخزون للآثار في العالم غير الذي ما زال مخبأ تحت الرمال، أعلم الكثير عن هذا الموضوع
- حاضر ... (وهي تضحك) والسياحة هنا في مصر لا تكلف الكثير من المال كغيرها من البلدان السياحية فنحن نعتبر من أرخص الدول السياحية في العالم
- هذا صحيح ..
- هه سنبقى طوال الليل نتحدث عن السياحة والآثار والمال والأعمال؟
- آسف فعلاً أنا متأسف ولكن يجب عليك أن تعذريني، كما قلت لك فهذه أول مرة أحضر بها إلى مصر
- لنتوقف هنا قرب الكوبري فالمنظر رائع ونستطيع بعد ذلك أن نجلس في ذلك المقهى (مشيرة إليه) الذي يطل على النيل
- هل سمعت الهانم (مكلماً الحوذي) فالنتوقف قرب الكوبري

أعطى أحمد الحوذي أجرته ثم صرفه وجلس هو وسهير على أحد المقاعد الحجرية المنتشرة على الكورنيش قرب الجسر الذي يقطع نهر النيل
- أخبريني عن نفسك يا سهير أعني ألست مرتبطة بعد؟
- لا .. ليس بعد فهذا شيء لم أفكر به مسبقاً، طبعاً تقدم لي الكثير لكنني لم أوافق على أحد منهم ليس لأنهم ليسوا جيدين لا ولكن المسؤلية التي ورائي لا تسمح لي بالتفكير بنفسي بعد، هناك أمي وأختي التي ما زالت بطور المراهقة والتي ما زالت تكمل دراستها لمن سأتركهم، خاصة وأنني لا أستطيع أن أضمن أي شخص سأتزوجه، أعني هل سيكون جيداً وهل سيتركني لأعتني بأمي المريضة وأختي .. لا .. لا أستطيع بالفعل التفكير بهذا الموضوع
- نعم معك كل الحق، ولكن لماذا دائما تضعين السلبيات أمامك، أنت فتاة جميلة وما زلت بريعان الصبا وأمامك الحياة كلها فلماذا لا تختارين منها إنسان جيد وتشترطين عليه أن يدعك تهتمين وترعين أمك وأختك
- هذا صحيح (وهي تتأهب للمسير) .. لنذهب للمقهى .. لست أدري إذا ما كنت أثقل عليك بقصتي هذه ولكن دعني أوجزها لك ما استطعت
- لدينا الليل كله فلا تختصري شيء أبداً
- (مبتسمة) حسناً لك هذا

سارعا في اعتلاء الجسر الفاصل بين الجاردن سيتي والمهندسين يتوقفا أحيانا لتخبره عن برج القاهرة الشاهق أو تلك العمارة التي تسمى مبنى التلفزيون وغيرها من المعالم الموجودة في المنطقة
- نعم ما هي قصتك
- كنت في السابعة من عمري عندما توفى والدي ولم تكن إيمان أختي قد تجاوزت الشهر من عمرها، والدتي كانت سيدة منزل أي أنها لم تكن تعمل، كان من الصعب علينا أن نستمر بالحياة المرفهة التي عودنا عليها الوالد رحمه الله وقد كان من المؤمنين بالمقولة المشهورة "اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب" وعندما انصرف هو وتركنا وحدنا لم يكن له راتب تقاعدي وكان من الطبيعي أن تتجه والدتي لعمي أخو والدي من والدته حيث أنه القريب الوحيد لوالدي ليعيلنا لكنه بدلاً من ذلك أخذ يعرض على والدتي الزواج ولم تكن والدتي لتتزوج بعد والدي للحب الذي تحمله بقلبها له ولخوفها علينا فاستدانت بعض النقود من أقاربها وانكبت على ماكينة الخياطة التي ابتاعتها بهذه النقود لكي تستطيع توفير الحياة الكريمة لنا وبالفعل صبرت الوالدة كثيراً إلى أن جاء يوم تخرجي، اليوم الذي انتظرته والدتي مدة سبعة عشرة عاماً تتواصل بها ايام الكفاح بلياليها، إن كنت أقول لك بأنني خائفة فأنا أعني ما أقول، لا أريد أن أظلم أحد معي فأنا لن أستطيع التخلي عن والدتي بعدما تخلت هي عن حياتها من أجلنا نحن

- قصةُ أمٍ عظيمة .. في الحقيقة يَندر وجود أُم مثلها في أيامنا هذه وأتمنى أن ألتقي بها إن واتتني الظروف إنشاء الله
- ومن قال لك بأنك لن تلتقي بها .. هذا هو المقهى الذي نقصده ، لنختار مائدة قريبة من النيل ... ما رأيك بهذه
- الأمر سيان عندي فلتجلسي قليلاً .. أريد التكلم بالهاتف .. اهـ ما اسم هذا المقهى يا سهير
- لا أدري .. اهـ أنظر هناك أو فالتسأل النادل
- معك حق

أسرع أحمد بخطواته صوب الهاتف يريد الإتصال بالفندق، لقد نسي تماما عم محمد السائق، لربما جاءه الفندق بالرجل الذي يريد
- الاستعلامات .. أرجوك اريد التكلم مع الاستقبال .. هه معك المهندس أحمد نافع غرفة 614 هل هناك رسائل لي .. لا شيء اهـ حسناً .. لو سمحت أنا بالخارج الآن بمقهى يسمى الفراعنة .. تعرفه..! هذا جيد .. حسناً إنني بإنتظار شخص ما لو سمحت اعلمه بمكاني لو جاء يسأل عني .. نعم .. شكراً

Saturday, November 12, 2011

غربــة - الجزء الحادي عشر

غربة - جزء حادي عشر

إستجمع أحمد أنفاسه ثم توجه لسكرتيرة الشركة قائلاً:
- صباح الخير، أريد مقابلة المهندس ممدوح عبد المنعم
- صباح النور هل لديك موعد مسبق يا سيدي
- لا أدري
ابتسمت السكرتيرة قائلة :
- كيف، أقصد ألم ....
- أقصد بأنني قد أتيت لتوي من المطار بعدما انتظرت طويلاً وأظن بأنه قد جاءكم فاكس بموعد وصولي ولم أجد أحداً باستقبالي لذا توجهت إليكم بنفسي
- فاكس من أين يا سيدي
- مجموعة الشال للاستشارات العالمية
- أهـ نعم المهندس أحمد نافع
- نعم
- ولكن لم يبرق لنا أحد أو يتصل بموعد وصولك يا سيدي، ولكن لست أدري فربما جهاز الفاكس لدينا هو السبب لأنه تعطل منذ يومين و لم نكن ندري أن به عطل ...
- حسناً لا بأس هل سأبقى منتظراً لفترة طويلة؟
- أوهـ .. أنا حقاً آسفة، أرجوك أسترح من فضلك هنا وسأبلغ المهندس ممدوح بأن سيادتك قد شرفت مكتبنا وأرجوك أن تقبل اعتذارنا بخصوص عدم موافاتك في المطار
- لا بأس أشكركِ
وشكر أحمد الله على أن جهاز الفاكس كان معطلاً، اتصلت الآنسة بالمهندس ممدوح على هاتف سيارته فأخبرها بأنه سوف يأتي فور إنتهائه من موعده المسبق مع وكيل الوزارة وأعلمها بأن تحاول شغل المهندس أحمد لبعض الوقت حتى لا يشعر بالملل والضجر من طول الانتظار لحين عودته للمكتب

ابتسمت السكرتيرة وأخبرت أحمد بأن المهندس ممدوح هو في مقابلة مهمة مع وكيل الوزارة ولكنه أكد على الاهتمام به لحين عودته من المقابلة وبأنه لن يتأخر وسوف يكون على اتصال بها عند أي طارئ جديد ، لم يبد على أحمد أي نوع من الضيق ولكنه أخذ يستفسر عن معاملات شركة النسر الذهبي وعن أية أنواع من المشاريع يقومون بها ولم تبخل السكرتيرة التي أوصاها المهندس ممدوح بالرد على استفسارات أحمد خاصة وأن جميع هذه الاستفسارات كانت تدور حول أعمال الشركة ومنجزاتها فأخذت السكرتيرة على عاتقها إعلام أحمد بكل المشاريع التي قامت بها الشركة والتي تقوم بها الآن ولاحظ أحمد بأن للشركة مشروع بمدينة الأقصر وهو عبارة عن حي سكني يضم عمارات سكنية ومنافعها من حدائق ومحال تجارية وخلافه فالشركة تقوم بأعمال تقدر قيمتها بملايين الجنيهات المصرية وفي وسط هذه الأحاديث التي قطعها رنين الهاتف كان على الطرف الآخر المهندس ممدوح الذي تحدث مع سكرتيرته قليلاً ثم طلب منها إعطاء أحمد سماعة الهاتف لمحادثته
- السلام عليكم، والحمد لله على السلامة باش مهندس أحمد صدقني أنا في أشد حالات الخجل إذ يبدو أنني سوف أتأخر أكثر مما كنت أتوقع وهذا وقت الظهيرة قد حان لذا أرجوك أن تقبل اعتذاري ودعوتي للغداء وأنا سوف أقوم لاحقاً بالاتصال بك في الفندق ... بأي فندق أنت يا أستاذ أحمد
- لست أدري بعد، لقد قدمت من المطار فوراً ولم أفكر بحجز أي غرفة بعد
- حسنا فعلت .. أرجوك دع هذه الأمور لنا، السكرتيرة سوف تقوم باللازم ومرة أخرى أرجوك أن تقبل اعتذاري
- لا بأس يا أستاذ ممدوح سأراك لاحقاً
- بالطبع سوف نسهر سوياً هذه الليلة، أراك بخير، أرجوك دعني أكلم السكرتيرة

أعطى أحمد سماعة الهاتف للسكرتيرة وجلس في مكانه ينظر إليها وهي ترد مرة حاضر وأخرى حسناً وبإنشاء الله وتعده بإنجاز كل شيء وأن لا يقلق بعدها أغلقت السماعة قائلة:
- حسناً يا باش مهندس، مكالمتين وسنكون جاهزين
- لا أفهم
ويبدو أن السكرتيرة لم تسمع أحمد وهو يحادثها لهذا عادت للهاتف مرة أخرى واتصلت بالفندق الذي تتعامل الشركة معه وحجزت غرفة لأحمد وبعدها اتصلت بمطعم لحجز طاولة للغداء وعندما أغلقت سماعة الهاتف توجهت لأحمد قائلة:

- حسناً هل أنت مستعد يا باشمهندس؟
- مستعد لماذا؟
- للغداء
- ولكن ...
- يا باشمهندس أنت ضيف الشركة وأنا مسئولة عنك شخصياً بأمر صاحب الشركة لذا أرجوك .. إلا إذا أردتني أن أقال من عملي
- لا .. بالطبع لا ولكنني لا أستطيع التوجه لأي مكان حيث أنني بانتظار عم محمد فأنا لدي معه عمل
- من عم محمد
- أهــ بالطبع .. عم محمد هو سائق الأجرة الذي أوصلني إلى الشركة من المطار وقد أوكلته ببعض الأمور الهامة، لذا فأنا بانتظاره
- حسنا نستطيع أن نوكل فراش المكتب بإطلاع عم محمد على مكاننا ونخبره بأن يطلب منه التوجه إلينا
- هذا ممكن بالطبع .... حسناً أين هذا الفراش
نادت السكرتيرة الفراش وأعلمته بمكان المطعم وعنوانه وأخبرته بإيصال هذه الرسالة لعم محمد سائق الأجرة الذي سيسأل عن المهندس أحمد وتوجها بسيارة سهير السكرتيرة الحسناء التي تعمل كموظفة علاقات عامة بالإضافة إلى عملها كسكرتيرة للمهندس ممدوح

- أين يقع هذا المطعم .. بالمهندسين؟
- نعم، هل زرته من قبل ؟
- لا في الحقيقة هذه أول زيارة لي إلى مصر
- أول زيارة لمصر، لا .. غير معقول ولكنك تتكلم كأبناء مصر
- حقاً .. لا تنسي بأن لهجتكم هي السائدة في كل المحافل العربية وخاصة في الإعلام سواء من مسلسلات وأفلام وغيرها وهي لهجة سهلة ومهضومة، وأخيراً نحن نحب أن نتكلم بها إذا لم يكن عندك مانع
- (ضاحكة) لآ .. أبداً بالطبع ليس هناك أي مانع

عندما وصلت السيارة إلى مكان المطعم أوقفا سيارتهما وتوجها إلى باب المطعم الذي سرعان ما جاء مديره يرحب بهما، وبدا لأحمد بأن سهير معروفة هنا جيداً بصفتها ممثلة عن الشركة لذا كان المدير يسألها عن المهندس ممدوح وعن أحواله، اختار لهما مدير المطعم طاولة تطل على نهر النيل مرحباً بأحمد الذي عرفته على مدير المطعم قائلة بأنه أبن خالتها سميح بعدها توجه سميح هذا إلى شؤون المطعم وزبائنه بعدما أوصى النادل عليهما هنا توجهت سهير إلى أحمد هامسة:
- .. هذا المطعم مشهور بالطعام والمقبلات اللبنانية فما رأيك أن نطلب بعض المازاة ومن بعدها نختار ما سوف نأكله
- حسنا كما تشائين
- ماذا تشرب يا بيه (النادل يوجه كلامه لأحمد)؟
- عصير تفاح
- وسيادتك (وهي تنظر باستغراب لأحمد) عصير برتقال
واختارا الأصناف التي يريدانها من المازة بعدها توجهت سهير لأحمد قائلة :
- حسبتك تشرب
- أشرب، أشرب ماذا ؟
- أقصد مشروبات روحية
- لا أبداً لم أشرب بحياتي، لم أحبها أبداً
- هذا غريب فكل اللبنانيين الذين تعرفت عليهم كانوا... يشربون
- لست من الذين يحبون الخمر
- حتى بالمناسبات
- حتى بالمناسبات، فأنا لا أحبها

وجلسا يتحدثان عن الصفقة التي جاء أحمد من أجلها وبأنهم مستعدون لتقديم الاستشارات الفنية العالمية والتقنية المتطورة التي يمتلكون زمامها من خلال الخبرات العريقة المتوفرة لهم والتي اكتسبوها من خلال أعمالهم ومشاركتهم في مشاريع عالمية وعدّد لها أحمد المشاريع التي اشتركت الشركة في إنجازها وتمويل بعضها من خلال علاقاتهم الوطيدة بعدة بنوك خليجية وعالمية وطلب منها إخباره عن مشروع الحي السكني الذي يقوم بالأقصر وعن تكلفته الإجمالية وعن الشركاء والممولين المفترضين لهذا المشروع الضخم والذي اعتبره أحمد في عداد المشاريع العالمية التي تود شركتهم الخوض به وتقديم أية مشاركة سواء عن طريق الاستشارات أو عن طريق تسهيل القروض للشركة فوعدته السكرتيرة بالوقوف إلى جانبه ولمحت إلى أنها تود أن تكون لها نسبة يتفق عليها ولكنها لن تستلم هذه النسبة إلا بعد توقيع العقود ولم يعارضها أحمد في هذه الخطوة لكنه أصر أن تكون نسبتها من ضمن المبلغ الذي سوف تدفعه شركة النسر الذهبي لقاء الخدمات الاستشارية وأخبرها بأنه سيحاول جاهداً إقناع شركته بإعطائها هذه النسبة فيما لو استطاعت تمرير صفقة المشاركة في المشروع برمته فوعدته خيراً على أن يبقى الأمر في طي الكتمان وأن لا يعرف أحداً بهذا الأمر سوى هو وصاحب شركته فقط فوعدها بتحقيق رغبتها، بعد الانتهاء من طعامهما قرر أحمد الذهاب إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة ولكنه كان مشغول البال بشأن العم محمد الذي لم يظهر بعد
وقف أحمد على شرفة غرفته في فندق الميريديان بمنطقة الجاردن سيتي بالقاهرة وهو يطالع المراكب الشراعية وهي تسري بالنيل فتذكر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم من الشعراء الذين أبدعوا في وصف مصر وتساءل طويلاً كيف لا يبدع من عاش على هذه الأرض الطيبة المعطاء، ها هو في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي التي أخرجت أعظم الأدباء والشعراء على مر العصور وها هو النيل الذي تكلمت الأساطير عن عروسه وفيضاناته، أغلق أحمد عيناه وهو يستنشق عبير الزهور القادم مع النسيم لقد حان وقت الغسق ولم يظهر العم محمد مع أنه وعده بأن لا يتأخر في مشواره كثيراً، ربما ما زال يبحث عن صديقه المراسل أتصل بشركة النسر الذهبي مستوضحاً إن كان عم محمد قد جاءهم ولكن يبدو بأن الشركة قد أغلقت أبوابها حيث لم يرد على اتصاله أحد
تذكر أحمد بأن عليه إعلام فندقه بالأقصر بأنه ينزل بفندق الميريديان بالقاهرة فأتصل بالأقصر وتكلم مع إستعلامات الفندق وأعلمهم برقم غرفته بالقاهرة ومن ثم قرر أحمد التوجه لبهو الفندق لعل ذلك يخفف من قلقه المتزايد وإذ به يرى أمامه عم محمد وقد شارف على الدخول إلى الفندق وبرفقته شخصين أحدهما طويل القامة عريض المنكبين تبدو على قسمات وجهه الغلظة والقوة أما الآخر فكان هادئ الطباع يضع نظارة طبية، توجه عم محمد إليه يعتذر على التأخير الذي حصل وبأنه أخيراً وجد السيد حمدي
- الأستاذ أحمد (مكلماً حمدي) الذي أخبرتك عنه
- تشرفنا يا سيد أحمد
- لنا الشرف يا أخي
- الأخ عادل، ملاكم سابق ومحترف تصوير ويعمل حاليا بأخبار اليوم
- تشرفنا يا أخ عادل
- السيد حمدي أصرّ على القدوم ليتعرف بنفسه على سيادتك بعدما أطلعته على قضية صديقك.. ما أسمه
- جميل .... جميل مصطفى حسن
- (حمدي موجهاً حديثه لأحمد) لم أسمع بقضيته سابقاً ما هي تهمته بالضبط
- لنجلس أولاً تفضلوا هنا
توجه الجميع إلى الكافيتيريا المطلة على مسبح الفندق وطلب كل واحد منهم ما يود أن يشربه بينما أخذ أحمد يفسر لهم أبعاد القضية وموضحاً كل الأدلة التي تدين صديقه جميل، ولم ينسى أن يحدثهم عن الحادث القديم الذي وقع في المنزل المهجور بالقرية
لاحظ أحمد الاهتمام واضحاً جلياً على وجه حمدي الذي كان يوجه بعض الأسئلة الخاصة بالقضية ويدون بعض المعلومات التي كان يأخذها من فم أحمد، إحساسه كصحفي كان يدفعه للاهتمام بهذه الجريمة حيث أنه وكما أخبر أحمد يشعر بأن وراء هذه الجريمة أموراً أخرى على قدر كبير من الأهمية

- أستاذ أحمد أخبرني لماذا فكرت بحصر أسماء المفقودين، وهل تظن بأن لذلك علاقة بالجريمة التي نحن بصدد الكلام عنها
- الحقيقة يا أخ حمدي أن هناك شيء لم أفهمه عندما سمعت أول مرة عن الجريمة ولم أفكر به في البداية
- ما هو
- زوجة جميل وجدت مشوهة وكأن القاتل كان يحاول طمس معالم الوجه
- هكذا إذن، .... ومن تعرف على جثة القتيلة
- كما سمعت والد القتيلة و... و والد جميل
- ولكنك قلت بأن الوجه قد طمست معالمه فعلى أي أساس تم التعرف على الجثة
- هنا بيت القصيد يا صديقي، تعرفوا على مقتنيات سميرة أقصد زوجة جميل خاتمها، ثوبها ، يعني ربما أشياء أخرى.. لا أعلم ولكن كما قلت الوجه غير واضح المعالم إطلاقاً
- نعم ...نعم.. فهمت الآن مقصدك، كم عمر القتيلة هذه
- هي في حوالي الثلاثين من عمرها
- إذن نحن نبحث عن مفقودة بتلك الفترة تقريبا أوصافها تشابه إلى حد ما أوصاف زوجة صديقك
- إنها فكرة طرأت على بالي ويحتمل أن تكون خطأ ولكن إن كانت خطأ فيبقى هنا سؤال لماذا شوه القاتل وجه القتيلة؟
- معك حق، حسناً .... أنا مستعد يا سيد أحمد للتعاون معك ولكن هل لي أن أطلب منك طلب واحد
وهنا نظر أحمد إلى عم محمد قائلاً:
- ألم تخبر الأخ حمدي بأنني مستعد لكل ما يطلبه
قاطعه حمدي قائلاً :
- لا تسيء فهمي يا صديقي أنا لا أقصد شيئا مما دار أو يدور في تفكيرك لا، ولكنني أود المشاركة بإسم الصحيفة في التقصي على الجاني
- تقصد أنكم تودون المساهمة في رحلة البحث عن القاتل
- نعم صوت وصورة
- كيف ماذا تعني
نظر إلى عادل مبتسماً ثم قال:
- الأخ عادل مصور محترف لذا هو يسجل بالكاميرا ما تعجز عنه أفضل الأقلام .. ما رأيك
- بالطبع ليس لدي مانع ولكنك تعلم بأن القضية في مدينة الأقصر وهذا يعني أنكم ستذهبون معي إلى هناك
- أخبرني عم محمد بكل هذه الأمور وأظن بأن الصحيفة وإدارتها لن يمانعوا خاصة أننا سنكون على مقربة من الأحداث وسوف نسجل الوقائع كاملة دون ما نقصان
- حسنا متى نستطيع حصر الأشخاص المفقودين
- سأتوجه من فوري إلى مقر الصحيفة وسأعمل على جمع كافة البيانات والصور الموجودة لدينا وعند اكتمال كل شيء سوف أقوم بالاتصال بك، أهـ في أي غرفة أنت أستاذ أحمد
- 614 وإن لم تجدني أرجو أن تترك لدى موظف الاستعلامات رقم الهاتف الذي تتواجد عليه
- حسناً لم يتبقى أي شيء لذا فاسمح لنا بالمغادرة فلدينا بعض الأعمال التي لا تحتمل التأجيل خاصة وأننا ربما نغادر القاهرة قريباً
- بالطبع، أراكم بخير وأنا متوقع مكالمة منك
- نعم إلى اللقاء
توجه حمدي وبرفقته عادل إلى خارج الفندق بينما طلب أحمد من عم محمد الجلوس معه قليلاً ليحادثه بأمر هام
- عم محمد .. أ .. أريد منك أن تجد لي شخصاً ما يده خفيفة رشيق .. سريع الحركة
- (ضاحكاً) .. ربما تريد .. أعذرني ولكنه مواصفات نشال
- أتسمونه نشال أهـ طبعاً نشال ولكن أريد نشال محترم أقصد أبن بلد
- ماذا (غير مصدق) أنت تعني ما تقول
- لا تسيء فهمي سأوضح الأمر لك لاحقاً
- ربما .. أعتقد بأنني أستطيع إيجاد أحد ما ولكن لماذا تريده يا بيه ؟
- أريد منه التوجه معي إلى الأقصر لأمر هام أفكر به كنت أستطيع الحصول على أحدهم هناك ولكنه سيكون معروفاً لتلك الدوائر لذلك فكرت أن يكون من هنا
- أتعني ما تقول (وهو مندهش)
- نعم أنا أعني ما أقول ولا تسألني أكثر من ذلك، قلت بأني سأوضح لك لاحقاً
- متى تريده
- بأسرع وقت، ولكن عم محمد عليك التأكد من مهارته وخفة حركته أريده ماهراً في مهنته هذه
- (وهو يتأهب للوقوف) ربما أستطيع إيجاد أحدهم هذه الليلة فهل تود مقابلته هنا أم ..
- لا بالطبع فربما يكون مُراقَباً أو .. ربما أستطيع رؤيته خارج الفندق بمكان منعزل، أي مكان
- الليلة، إذا وجدت أحد
- سيكون ذلك رائعاً ولكن بعد سهرة العشاء
توجه عم محمد من فوره لسيارته وأنطلق يجوب شوارع القاهرة ويحث سيارته على الانطلاق بعيداً عن المكان في رحلة البحث عن اللص الذي طلبه أحمد بينما استغرق أحمد في تأملاته متسائلا إن كان ما يفعله صواباً أم لا قائلاً :
- ماذا سنخسر، لا شيء
أسرع أحمد بالنهوض والتوجه لغرفته وطلب مكالمة إلى الأقصر، تحدث مع موظف الاستقبال بالأقصر وأوضح له بعض الأمور ثم أغلق سماعة الهاتف بعد تلقيه عدة رسائل أملاها له موظف الاستقبال بالهاتف
- أهـ لدي سهرة الآن ويجب علي الاستعداد لها