Saturday, August 13, 2011

الرد على من أدعى تحريف القرآن عند أهل السنة

موضوع النسخ في القرآن هذا من علوم القرآن الكبيرة التي أفردت بمؤلفات كثيرة ، واستيعاب جميع أطراف هذا العلم يأخذ وقتا وجهدا وصفحات كثيرة، ولكني أردت في هذا المبحث أن أتكلم عن جانب واحد فقط من جوانبه وهو الطعن في القرآن من باب النسخ -الذي له اتصال وثيق بموضوع الرسالة-، وذلك أن النسخ في القرآن من الأبواب التي ولج منها الطاعنون للطعن في كتاب الله، ولو عرفوا حقيقته لعلموا أنه من محاسن القرآن لا من المطاعن فيه، فالنسخ له حِكَم كثيرة منها(647):

1-التدرج في الأحكام على الأمة حتى لا تنفر ويسهل عليها تقبله، كما حصل في الخمر فقد تدرج القرآن فيه على مراحل أولاها: الإشارة إلى أنه ليس من الرزق الحسن، كما في قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا...)[
النحل:67
]، والواو تقتضي المغايرة، ثم بيان أن فيه ضرراً وشراً كبيراً من غير التعرض لمنعه كما في قوله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس وأثمهما أكبر من نفعهما..)[البقرة:219 ]، ثم تحريمه في أوقات الصلاة كما في قوله سبحانه (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ..)[النساء:43].
ثم تحريمه تحريماً تاماً في كل الأوقات في سورة المائدة -التي هي من أواخر السور نزولا- في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ…)[المائدة:90].
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...الْآيَةَ )، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ،فَقَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي النِّسَاءِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ،ثُمَّ قَالَ :اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ، فَنَزَلَتْ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ :انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا )(648).
ومثل الخمر في هذا الميسر و الفاحشة .
عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ :إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ قَالَتْ :وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ قَالَتْ :لِمَ قَالَ :لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ :وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا ، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ( وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )[القمر:46] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ)(649).
2- استخدام هذا الأسلوب في الدعوة، فالداعي يبدأ مع المدعو بالتدرج وتعليقه بالدار الآخرة وزرع الإيمان في قلبه، ثم يخبره بأحكام الإسلام شيئا فشيئا.
3- بيان رحمة الله بهذه الأمة، فهو سبحانه يراعي أحوال الناس وعاداتهم ويتدرج معهم رحمة بهم حتى لا ينفروا من الإسلام، بل يحببهم به حتى يكونوا من أهله.
4- فيه دلالة على بعض صفات الله كالعلم فهو سبحانه عالم بأحوال الناس جملة وتفصيلاً، وعالم بما يصلحهم وينفعهم والطريقة التي تصلح لهم، وفيه دلالة على صفة الحكمة والرحمة كما تقدم.
5- من الحكم التذكير بنعمة الله لاسيما في بعض أنواع النسخ الذي يكون فيها النسخ من أثقل إلى أسهل كما هو الحال في عدة المتوفاة عنها زوجها وغير ذلك .
6- إبتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه.
7-إرادة الخير بهذه الأمة، فإن النسخ إن كان إلى ما هو أخف ففيه سهولة ويسر، وإن كان إلى ما هو أثقل ففيه زيادة الثواب والأجر.
لهذا كان النسخ من محاسن القرآن لا من مطاعنه.
و قبل أن ندخل في الرد على الطعون التفصيلية لابد من ذكر بعض القواعد المهمة في هذا الباب، فمن ذلك:
1- النسخ يكون في الأحكام ولا يكون في الأخبار -كما توهم بعض المستشرقين (650)-، فجميع أخبار القرآن - من قصص السابقين وأمور الغيب وأحوال البرزخ وما يحصل في اليوم الآخر- لا يدخله النسخ أبداً،لأن نسخ الخبر يلزم تكذيب أحدهما، وهذا لا يكون في كتاب الله(651) .
2- النسخ إنما كان في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأما بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن القرآن لا ينسخ ولا يتغير ولا يتبدل، بل هو محفوظ بحفظ الله تعالى له (أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون)[الحجر:9فلا يرجع في النسخ إلا لنقل صريح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخ كذا ، مما له حكم الرفع(652).
3- أقوال الأديان الثلاثة في النسخ:
(1- جائز عقلا وواقع سمعا، وعليه إجماع المسلمين، من قبل أن يظهر أبو مسلم الأصفهاني ومن شايعه، وعليه أيضا إجماع النصاري، ولكن من قبل هذا العصر الذي خرقوا فيه إجماعهم، وركبوا رؤوسهم وهو كذلك رأي العيسوية، وهو طائفة من طوائف اليهود الثلاث.
2- أن النسخ ممتنع عقلا وسمعا، وإليه جنح النصارى جميعا في هذا العصر، وتشيعوا له تشيعا ظهر في حملاتهم المتكررة على الإسلام، وفي طعنهم على هذا الدين القويم من هذا الطريق -طريق النسخ-، وبهذه الفرية -أيضا- يقول الشمعونية، وهم الطائفة الثانية من اليهود.
3- أن النسخ جائز عقلا ممتنع سمعا، وبه تقول العنانية وهي الطائفة الثالثة من اليهود، ويعزى هذا الرأي إلى أبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، ولكن على اضطراب في النقل عنه، وعلى تأويل يجعل خلافه لجمهرة المسلمين شبيها بالخلاف اللفظي إلا يكنه)(653).


وأما الطعون في هذا الباب فهي كالتالي :
- ذهب بعض المستشرقين إلى أن النسخ يدل على وجود التحريف والتبديل في القرآن وأنه لم يحفظ (654)، بل حصل فيه كثير من التغيير، فقد ثبت أن كثير من الآيات المنسوخة كانت تتلى بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مثل حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ)(655).
وبعضهم يرى أن النسخ حيلة ابتدعها المسلمون للخروج من مأزق التناقض بين الآيات(656) مثل آيات عدة المتوفاة وآيات المصابرة وآيات القبلة .



أولا :الردود:
1- النسخ موجود في الشرائع السابقة، فمن طعن في القرآن من هذا الباب فهو يطعن في جميع الشرائع المنزلة، (فقد نسخت التوراة إباحة تزوج الأخوة والأخوات كما كان في عهد آدم عليه السلام، ونصها في سفر اللاويين الإصحاح الثامن عشر "عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة في البيت أو المولودة خارجا لا تكشف عورتهاونسخ إباحة الجمع بين الأختين كما كان ذلك في عهد يعقوب عليه السلام فإنه كان يجمع بين ليا وراحيل ابنتي خاله، وقصته مذكورة في سفر التكوين الإصحاح التاسع والعشرين، ودليل النسخ ما جاء في سفر اللاويين الإصحاح الثامن عشر "ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها في حياتهاونسخت إباحة أكل جميع الحيوانات كما كان في عهد نوح عليه السلام ففي سفر التكوين الإصحاح التاسع خطابا لنوح ونبيه "كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع "، ودليل النسخ ما جاء في سفر اللاويين، الإصحاح الحادي عشر من تحريم الجمل والأرنب والخنزير وغير ذلك، فهذا قليل من كثير مما نسخته التوراة من أحكام الشرائع السابقة.
وأما الإنجيل فقد نسخ إباحة الطلاق كما كان ذلك في الشريعة الموسوية بأي سبب كان زنا أو غيره، وإباحة تزوج المطلقة، ففي سفر التثنية الإصحاح الرابع والعشرين "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء كتب لها كتاب الطلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته ، ومتى خرجت ذهبت وصارت لرجل آخرفحرم الإنجيل الطلاق إلا بعلة الزنا، وحرم تزوج المطلقة، ونص متى في ذلك الإصحاح الخامس "وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب الطلاق ، وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني"، ونسخ حرمة أكل الحيوانات التي كانت محرمة في شريعة موسى ، وتقدمت الإشارة إلى بعضها …)(657) إلى أخر تلك النصوص .
2- أن النسخ من محاسن القرآن لا من مساوئه كما تقدم في ذكر طرف من هذه الحكم، وأكثر ما يدندن عليه الطاعنون هو نسخ الحكم وبقاء التلاوة أو العكس وهي قضية نسخ التلاوة وبقاء الحكم ،فيقولون: ما فائدة بقاء الآية إذا ذهب حكمها ونسخ، وكيف يقال إن هذه الآية نسخت وحكمها باق، ولم يعلموا أن لهذا حكما كثيرة، فمن حكم نسخ الحكم وبقاء التلاوة:
أ- التذكير بنعمة الله تعالى حيث إن غالب الآيات المنسوخة الحكم لا التلاوة فيها تخفيف على الأمة (658) مثل نسخ عدة المتوفاة من سنة إلى أربعة أشهر وعشرا ، وفي الصحيحين قَالَتْ زَيْنَبُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ :جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) :لَا ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ،كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ :لَا ،ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) قَالَ حُمَيْدٌ :فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ :وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ؟فَقَالَتْ زَيْنَبُ :كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ، سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ قَالَ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا)(659).
ب- أن نسخ حكم الآية التكليفي لا يبطل كل الأحكام المتعلقة بالآية مثل الأجر لمن قرأها ، فقارئها له ثواب التلاوة، وكذلك الاستفادة من الآية في الأحكام البلاغية والنحوية والتجويدية، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية فيها(660).
3-أن العقل لا يمنع أن يقول الملك لرعيته: افعلوا كذا، وهو يقصد أن يهيئهم لأمر آخر، فإذا تهيئوا قال: افعلوا كذا، وكما يقول الطبيب لمدمن التدخين مثلاً: قلل من شرب الدخان، فإذا تجاوز هذه المرحلة قال له: اقطع التدخين.
4- وأما حديث عائشة في مسلم (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن…) فأجيب بعدة أجوبة :
أ-أن المقصود قارب الوفاة ولم يتوف بعد(661) .
ب- أن مقصود عائشة هو تأخر النسخ قبيل وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى إن بعض الصحابة لم يعلم بالنسخ فكان يقرأ بها بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) (662) وهذا هو المتبادر للذهن .
قال النووي رحمه الله : (وَقَوْلهَا : ( فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه ( وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ ( يَقْرَأ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخ بِخَمْس رَضَعَاتٍ تَأَخَّر إِنْزَالُهُ جِدًا حَتَى أَنْهُ ( تُوفِي وَبَعْض النَّاس يَقْرَأ عشر رَضَعَات وَيَجْعَلهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغهُ النَّسْخ لِقُرْبِ عَهْده فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى . وَالنَّسْخ ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحَدهَا مَا نُسِخَ حُكْمه وَتِلَاوَته كَعَشْرِ رَضَعَات، وَالثَّانِي مَا نُسِخَتْ تِلَاوَته دُون حُكْمه كَخَمْسِ رَضَعَات وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، وَالثَّالِث مَا نُسِخَ حُكْمه وَبَقِيَتْ تِلَاوَته وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَر وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :( وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ ( الْآيَة وَاَللَّه أَعْلَم)(663).
وأما نسخ التلاوة وبقاء الحكم فله حكم كثيرة منها(664) :
1-الابتلاء لمعرفة كمال اتباع الناس للنصوص، فالمؤمن كامل الإيمان يسلم، والمنافق يجادل، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ يوم الجمعة فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ :أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم) وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ...)(665).
2- بيان فضل هذه الأمة، إذ بلغ من كمال اتباعها أنها تتبع حتى ما نسخ لفظة ولا تجده في المصحف، قال السيوطي: (يظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شئ، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام)(666)
3- لنفرض جدلاً أن هذه الأحكام التي نسخ لفظها لا يجوز العمل بها لأن ما نسخ لفظه فقد نسخ حكمه، فإن ثبوتها في السنة يكفي للعمل بها.
- وأما دعوى أن النسخ ابتدعه المسلمون للخروج من مأزق التناقض في الآيات فهذا كلام باطل لوجوه:
1- النسخ كان في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وليس مبتدعا بعده، وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يأذنون لأحد بالفتوى حتى يتعلم الناسخ والمنسوخ(667) .
2- بل إن النسخ موجود في كل الشرائع كما تقدم.
3- أن بعض الآيات تدل هي ذاتها على النسخ من غير تدخل من أحد مثل قوله تعالى في آيات المصابرة (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ..)[الأنفال:66].
4- أن الآيات المنسوخة قد تم الإجماع على نسخها والأمة لا تجتمع على ضلالة .
5- أن الحكم على آية أو حديث بالنسخ له شروط شديدة لابد أن تتوفر حتى يحكم على هذا النص بالنسخ، فلا يمكن لأي أحد التلاعب في النصوص بحجة النسخ، فمن هذه الشروط(668):
1-أن يكون النسخ حكما شرعيا.
2-أن يكون الناسخ دليلا شرعيا.
3-أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ.
4-أن يكون بين النصين تعارض حقيقي ، فلا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بينهما.
5-أن النسخ لا يكون في الأخبار كما تقدم.

وبهذا يتضح مدى كون النسخ من محاسن القرآن ومفاخره بل لعلنا لا نبالغ إن قلنا إنه من إعجازه في أحيان كثيرة .
وقد جازف صاحب كتاب الرد الجميل على المشككين في الإسلام بإنكار النسخ في القرآن(669) محاولا بهذا الرد على من طعن في القرآن بسبب وجود النسخ، وهذا خطأ بل النسخ موجود والرد على من طعن في القرآن بسبب النسخ واضح وقد تقدم وفيه مقنع لطالب الحق، وأما صاحب الهوى فإنه لا يقتنع ولو جئت له بأوضح الواضحات.


(647) انظر : آراء المستشرقين حول القرآن، لرضوان ،(2/630)، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/152) ، ومباحث في علوم القرآن للقطان ص:246، وغير ذلك.
(648) أخرجه الترمذي (كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المائدة ، رقم :3049) والنسائي (كتاب الأشربة ، باب تحريم الخمر،
رقم :5540)، وأبو داود (كتاب الأشربة ، باب في تحريم الخمر ، رقم :3670) وصحح إسناده الألباني (انظر: صحيح سنن النسائي (3/1126).
(649) أخرجه البخاري ( كتاب فضائل القرآن ، باب تأليف القرآن ، رقم :4707).
(650) انظر :آراء المستشرقين حول القرآن االكريم وتفسيره لرضوان (2/630).
(651) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (3/61).
(652) انظر الإتقان للسيوطي (3/71).
(653) مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/147)، دار الكتاب العربي ، بيروت ،الطبعة الأولي، 1995.
(654) انظر : مناهل العرفان للزرقاني (2/136)، الرد الجميل على المشككين في الإسلام ، عبدالمجيد صبح ، (ص:80)،دار المنارة للنشر والتوزيع،المنصورة،الطبعة الأولى 2001.
(655) أخرجه مسلم (كتاب الرضاع ، باب التحريم بخمس رضعات، رقم :1452).
(656) انظر : آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره ، لعمر رضوان (ص:628).
(657) فضيحة المبشرين في احتجاجهم بالقرآن المبين ،لعبدالله كنون الحسني،(ص:5-6) ، مطبعة رابطة العالم الإسلامي ،مكة المكرمة ، 1982، وانظر : مناهل العرفان (2/150)
(658) الإتقان للسيوطي (3/69).
(659) متفق عليه (البخاري: كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهرا وعشرا، رقم:5024، ومسلم:كتاب الطلاق،باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة ،رقم :1489).
(660) انظر مناهل العرفان (2/153)
(661) نفحات من علوم القرآن ، محمد أحمد معبد (ص:82)،دار السلام ، القاهرة، الطبعة الأولى ، 1996.
(662) الإتقان لليسوطي (3/63).
(663) شرح مسلم للنووي (10/29) ، دار الفكر ،
(664) انظر : مباحث في علوم القرآن (ص:246)،والإتقان في علوم القرآن (3/72) ، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (2/152).
(665) أخرجه البخاري (كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت ، رقم :6442).
(666) الإتقان (3/72).
(667) انظر مناهل العرفان (2/136)، الإتقان في علوم القرآن(3/58).
(668) انظر : مناهل العرفان (2/141).
(669) انظر الكتاب ص:118.
__________________

تعدد الزوجات في الإسلام حلال أم حرام

هل تعدد الزوجات في الإسلام حلال أم حرام


الكثير من الأخوات هنا في مدونات إيلاف يعترضن على ما أوردته في تعليق لي سابق على مدونة الأخ أشرف الأشرف والذي تناول بها تساؤلات عما إذا كان الدين الإسلامي يبيح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، والكتابي بوجه خاص. مما قرأت من ردود على تعليقي أستطيع أن أستشف الكثير من المغالطات والتفسيرات الخاطئة التي تقوم بها بعض السيدات والتي كما يبدو من إحداهن أن زوجها متزوج عليها أو بصدد التزوج عليها، المشكلة أنه يجب عند مناقشة قضية عامة أن لا تكن مواقفنا من هذه القضية شخصية بل يجب على كل منا مناقشة أبعادها السلبية والإيجابية بضوء ما يتوفر له من معلومات، والبعد عن المهاترات اللفظية والإسفاف الذي لا طائل منه، لكل منا رأي هو حر به لكن هناك نصوص قرآنية لا يجوز أن نفسرها كما نشاء أو حسبما تقتضي الحالة التي نعايشها.


من المعروف ومنذ إنتشار الإسلام أن تعدد الزوجات كان مباحاً ولم يعترض أحد من الفقهاء والأئمة على التعدد حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعترض على هذا الأمر بل أنه حدده بأربع كما جاء بالآية القرآنية الخاصة بالتعدد، لنرى معاً ما هو التعدد وما هي الشروط والموانع.


أولاً : حُكم التعدد في الإسلام :-


النص الشرعي في إباحة التعدد :


قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) النساء/3 . فهذا نص في إباحة التعدد فقد أفادت الآية الكريمة إباحته ، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات، ولا يجوز له الزيادة على الأربع، وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه.
وليُعلم بأن التعدد له شروط :
أولاً : العدل لقوله تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) النساء/3 ، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد ، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة. والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته. وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) النساء/129


ثانياً : القدرة على الإنفاق على الزوجات: والدليل على هذا الشرط قوله تعالى: ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ) النور/33. فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح : من لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته. المفصل في أحكام المرأة ج6 ص286-


ثانياً : الحكمة من إباحة التعدد :-


1- التعدد سبب لتكثير الأمة ، ومعلوم أنه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج . وما يحصل من كثرة النسل من جراء تعدد الزوجات أكثر مما يحصل بزوجة واحدة . ومعلوم لدى العقلاء أن زيادة عدد السكان سبب في تقوية الأمة ، وزيادة الأيدي العاملة فيها مما يسبب ارتفاع الاقتصاد – لو أحسن القادة تدبير أمور الدولة والانتفاع من مواردها كما ينبغي – ودع عنك أقاويل الذين يزعمون أن تكثير البشرية خطر على موارد الأرض وأنها لا تكفيهم فإن الله الحكيم الذي شرع التعدد قد تكفّل برزق العباد وجعل في الأرض ما يغنيهم وزيادة وما يحصل من النقص فهو من ظلم الإدارات والحكومات والأفراد وسوء التدبير ، وانظر إلى الصين مثلاً أكبر دولة في العالم من حيث تعداد السكان ، وتعتبر من أقوى دول العالم بل ويُحسب لها ألف حساب ، كما أنها من الدول الصناعية الكبرى . فمن ذا الذي يفكر بغزو الصين ويجرؤ على ذلك يا ترى ؟ ولماذا ؟


2- تبين من خلال الإحصائيات أن عدد النساء أكثر من الرجال ، فلو أن كل رجل تزوج امرأةً واحدة فهذا يعني أن من النساء من ستبقى بلا زوج ، مما يعود بالضرر عليها وعلى المجتمع : أما الضرر الذي سيلحقها فهو أنها لن تجد لها زوجاً يقوم على مصالحها ، ويوفر لها المسكن والمعاش ، ويحصنها من الشهوات المحرمة ، وترزق منه بأولاد تقرُّ بهم عينها ، مما قد يؤدي بها إلى الانحراف والضياع إلا من رحم ربك . وأما الضرر العائد على المجتمع فمعلوم أن هذه المرأة التي ستجلس بلا زوج ، قد تنحرف عن الجادة وتسلك طرق الغواية والرذيلة ، فتقع في مستنقع الزنا والدعارة - نسأل الله السلامة – مما يؤدي إلى انتشار الفاحشة فتظهر الأمراض الفتاكة من الإيدز وغيره من الأمراض المستعصية المعدية التي لا يوجد لها علاج ، وتتفكك الأسر ، ويولد أولاد مجهولي الهوية ، لا يَعرفون من أبوهم ؟ فلا يجدون يداً حانية تعطف عليهم ، ولا عقلاً سديداً يُحسن تربيتهم ، فإذا خرجوا إلى الحياة وعرفوا حقيقتهم وأنهم أولاد زنا فينعكس ذلك على سلوكهم ، ويكونون عرضة للانحراف والضياع ، بل وسينقمون على مجتمعاتهم ، ومن يدري فربما يكونون معاول الهدم لبلادهم ، وقادة للعصابات المنحرفة ، كما هو الحال في كثير من دول العالم .


3- الرجال عرضة للحوادث التي قد تودي بحياتهم ، لأنهم يعملون في المهن الشاقة ، وهم جنود المعارك ، فاحتمال الوفاة في صفوفهم أكثر منه في صفوف النساء ، وهذا من أسباب ارتفاع معدل العنوسة في صفوف النساء ، والحل الوحيد للقضاء على هذه المشكلة هو التعدد .


4- من الرجال من يكون قوي الشهوة، ولا تكفيه امرأة واحدة، ولو سُدَّ الباب عليه وقيل له لا يُسمح لك إلا بامرأة واحدة لوقع في المشقة الشديدة، وربما صرف شهوته بطريقة محرمة. أضف إلى ذلك أن المرأة تحيض كل شهر وإذا ولدت قعدت أربعين يوماً في دم النفاس فلا يستطيع الرجل جماع زوجته، لأن الجماع في الحيض أو النفاس محرم، وقد ثبت ضرره طبياً، فأُبيح التعدد عند القدرة على العدل .


5- التعدد ليس في دين الإسلام فقط بل كان معروفاً عند الأمم السابقة، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة ، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال بعضهم كان متزوجاً بثمان نساء، وبعضهم بخمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية .


6- قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تفي بحاجة الزوج أو لا يمكن معاشرتها لمرضها، والزوج يتطلع إلى الذرية وهو تطلع مشروع، ويريد ممارسة الحياة الزوجية الجنسية وهو شيء مباح، ولا سبيل إلا بالزواج بأخرى ، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى .


7- وقد تكون المرأة من أقارب الرجل ولا معيل لها، وهي غير متزوجة، أو أرملة مات زوجها، ويرى هذا الرجل أن من أحسن الإحسان لها أن يضمها إلى بيته زوجة مع زوجته الأولى، فيجمع لها بين الإعفاف والإنفاق عليها، وهذا خير لها من تركها وحيدة ويكتفي بالإنفاق عليها.


8- هناك مصالح مشروعة تدعو إلى الأخذ بالتعدد : كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين ، أو توثيق الروابط بين رئيس وبعض أفراد رعيته أو جماعته ، ويرى أن مما يحقق هذا الغرض هو المصاهرة – أي الزواج – وإن ترتب عليه تعدد الزوجات .

اعتراض :
قد يعترض البعض ويقول : إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد ، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم ، و هذا ضرر ، والضرر يزال ، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات.

دفع الاعتراض :
والجواب : أن النزاع في العائلة قد يقع بوجود زوجة واحدة ، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو المشاهد ، وحتى لو سلمنا باحتمال النزاع والخصام على نحو أكثر مما قد يحصل مع الزوجة الواحدة فهذا النزاع حتى لو اعتبرناه ضرراً وشراً إلا أنه ضرر مغمور في خير كثير وليس في الحياة شر محض ولا خير محض ، والمطلوب دائماً تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شره ، وهذا القانون هو المأخوذ والملاحظ في إباحة تعدد الزوجات . ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل ، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك .

اعتراض آخر :
إذا كنتم تبيحون التعدد للرجل ، فلماذا لا تبيحون التعدد للمرأة ، بمعنى أن المرأة لها الحق في أن تتزوج أكثر من رجل ؟

الجواب على هذا الاعتراض :
المرأة لا يفيدها أن تُعطى حق تعدد الأزواج ، بل يحطّ من قدرها وكرامتها ، ويُضيع عليها نسب ولدها ؛ لأنها مستودع تكوين النسل ، وتكوينه لا يجوز أن يكون من مياه عدد من الرجال وإلا ضاع نسب الولد ، وضاعت مسؤولية تربيته ، وتفككت الأسرة ، وانحلت روابط الأبوة مع الأولاد ، وليس هذا بجائز في الإسلام ولا في اليهودية ولا في المسيحية، كما أنه ليس في مصلحة المرأة ، ولا الولد ولا المجتمع  . المفصل في أحكام المرأة ج6 ص 290.


الكثير من الناس يتكلمون عن تعدد الزوجات وكأنه واقع تعيش به الأمة الإسلامية وظاهرة تعاني منها الآن، لكنني أستطيع أن أؤكد لكم أن الأمة الإسلامية تعيش بوضع أن الرجال بها لا يستطيعون الزواج بواحدة في الكثير من الأحيان ولا يستطيعون حتى أن يعيلوا أنفسهم وهذا واقع نراه يومياً فكم من شاب يقع فريسة البحث عن عمل ولا يجده وإن وجده فلا يكفيه يومه، وكم من شاب هاجر إلى البلاد البعيدة بحثاً عن الإستقرار ولم يعد
، والتعدد كما رأينا في الإسلام وغيره من الشرائع السماوية ضرورة وليس ترف كأن يجبر الرجال على خوض المعارك والحروب ويهلك العديد منهم كما حصل في حرب العراق وإيران التي إمتدت زهاء 8 سنوات فكم من إمرأة مات عنها زوجها في هذه الحرب اللعينة وكم من طفل أضحى دون معيل ولا أب، ماذا حصل وقتها؟ ألم تشجع الدولة على تعدد الزوجات حتى لا ينتشر الفحش والفجور والرزيلة بالبلاد وهذا منه كثير جداً، لهذا عندما نناقش أمر تشريعي لا يجب أن نقيسه على قياسنا الشخصي وحالتنا الإجتماعية، وأنا بالذات أعرف الكثير من الفتيات العوانس اللواتي يرغبن أن يكن زوجات وأن ينشئن أسرة وينعمن كأمهات بالولد حالهن حال أخواتهن المتزوجات صدقوني إنهن يرضين بل ويتوسلن للزواج من رجال متزوجين، طيب ما الحل بهذه المشكلة أليس لهذه الفتاة وغيرها حل إلآ أن تنتظر أن يأتيها رجل غير متزوج أو أن لا سمح الله تذهب في طريق الحرام، هذا لا يجوز وأعلم أنكم لا توافقون على ذلك إذن الرحمة لهؤلاء النساء تكون بالزواج من رجال متزوجين ليستطعن أن يشعرن أن لهن كرامة في هذه الدنيا ويصبحن أمهات ويؤسسن أسرة يحلمن بها طوال فترة عنوستهن، لا يوجد حل غير هذا، إنظروا معي لبلاد الخليج العربي بالذات وأن أرجو أن تطالعوا الإحصائيات عن عدد العانسات والمطلقات في تلك البلاد أو بعضها ستتعجبون من نسبة العنوسة والمطلقات بها .... هل لديكم حل لهن؟ السؤال مطروح لنسائنا

Thursday, August 4, 2011

بعينيكِ غفى قدري

لِعينيكِ بعينيَّ نَذَرتُ بِصِدقِ ... ألحاني

وصمتُ الدهرَ يا عُمري وفيكِ فَطَرتُ ديواني


وصَومَعةٌ وسِراجٌ لعتمِ الليلِ يأخذني


وإكليلٌ ومِعْراجٌ مِنَ الأنغامِ يأسرني


نذرتُ النفسَ يا أملي فما نفسٌ تواسيني


وطيفٌ مِنْ صَدى ذِكرى يؤنِبُني ويٌشقيني


فواريني فما أمسي سِوى ماضٍ يرائيني


سِوى غادٍ لهُ ذِكرى مِنَ الأحلامِ يأتيني


بِعَينَيكِ غفى قَدَري فَرُدِّ الجَفْنَ غَطيني


وسِليّني مِنَ الأحلامِ .. مِنْ آلامي داويني