Tuesday, February 28, 2012

مجزرة تل الزعتر و الدور السوري في لبنان

لم يكن حافظ الأسد سفاحاً للشعب السوري فقط، بل وصل إرهابـه للشعب اللبناني والفلسطيني، وقتل من الفلسطينين في تل الزعتر أضعاف ماقتله الصهاينة، واحتل لبنان ليعيث فيه الفساد كما فعل ويفعل في سوريا،وليتخذ ضباطه من الساحل اللبناني موانئ لبواخرهم التي تنقل المخدرات من منطقة الشرق الأوسط إلى أوربا.

كان لبنان الرئة الاحتياطية للمواطن السوري، يتنفس منها عندما تحاول السلطة السورية خنقه، فالسفر إلى لبنان بالبطاقة الشخصية، وحالما يشعر المواطن السوري بزوار آخر الليل أي المخابرات اقتربوا من بيته، يهرب من البيت، وفي الصباح يستطيع السفر إلى لبنان، ومن هناك إلى أي بلد في العالم. وأدرك حافظ الأسد أنه لن يستطيع إذلال الشعب السوري وتجويعه وترويضه إلا إذا سيطر على لبنان، لذلك بدأ يتدخل في السياسة الطائفية اللبنانية، من أجل السيطرة على لبنـان لإحكام السيطرة على الشعب السوري، وإذلاله وتحقيق ما تريده إسرائيل .
ثم دخل لبنان تحت مظلة (قوات الردع) وصار يقف إلى جانب فئة ليقتل فئة أخرى، فوقف مع الكتائب ضد الفلسطينيين (ففي 28/ 9/1973م ألقى بيار الجميل زعيم حزب الكتائب بياناً في المؤتمر السنوي السادس للكتائب قال فيه: إننا نلاحظ بفرح وأمل أن الإخوان السوريين "يقصد النظام السوري"  يُبدون في هذه الأيام انفتاحاٌ مهماً على ماكانوا يعتبرونه انعزالية ورجعية في تفكيرنا). (وفي 10/9/ 1974م تم عقد لقاء بين ممثلين عن الكتائب ووفد سوري برئاسة عاصم قانصوه ـ رئيس البعث الأسدي في لبنان ـ وعلق بيار الجميل فقال: قانصوه صديق قديم نتعاون معه دائماً لتقريب وجهات النظر بين حزبينا). وفي 7/12/ 1975 زار بيار الجميل دمشق واستقبل فيها كالرؤساء، وفي نهاية الزيارة صرّح قائلاً: يوجه حزب الكتائب تحية الشكر والإكبار للرئيس حافظ الأسد، ويعتبر الحزب أن هذه الزيارة تكمل ما بدئ به منذ سنتين، على صعيد توطيد العلاقات مع الشقيقة سوريا، وبعد ذلك يصرح عاصم قانصوه: إن حزب الكتائب أكثر وطنية من بعض الفئات التي تدعي ذلك.   (انظر كتاب محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي ـ  وقد نقل عن الصحف اللبنانية مثل صحيفة الأنوار). ولهذا كان دخول الجيش السوري إلى لبنان إنقاذاً للموارنة من هزيمة مؤكدة، وقد نشرت الأخبار القاهرية في 16/6/ 1976م قول كميل شمعون: لقد اتفقنا مع سوريا على خطط ترضينا. ثم وصل كميل شمعون إلى دمشق في 9/8/1976م وصرح يقول: أنه يثق ثقة كاملة بالرئيس حافظ الأسد، وأن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض السلام في لبنان .
ونفذ مجزرة (تل الزعتر) التي قتل فيها ألوف الفلسطينيين، بعد أن قطع عن الحي الماء والكهرباء والطعام عدة أيام، مماجعل بعض الأهالي كما قيل يأكلون الكلاب خوفاً من الموت جوعاً .
ثم وقف مع الدروز ليقتل النصارى، ومرة أخرى وقف مع جماعة أمل الشيعية ليقتل الدروز، ثم وقف مع العلويين والشيوعيين ليقتل المسلمين السنة في طرابلس، وهكذا يتضح أن مهمته في لبنان هي القتل، ولم ينج من رصاصه أحـد، أما الشيعة من جماعة أمل وحزب الله فقد كواهم بناره أكثر من مـرة .
موافقــة الولايات المتحدة وإســرائيل
لكن كيف يدخل لبنان، ويتصرف فيه حسب مصالحه الشخصية والطائفية والعشائرية؟ لابد من موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد استطاع حافظ الأسد أن يحصل على هذه الموافقة عندما تعهد بتصفية المقاومــة الفلسطينية واللبنانية، فقد نشـرت صحيفــة الجماهير الأســترالية أنه في يوم (12/4/ 1976م ) اجتمع في جونية كل من رفعت الأسد و(دين براون) مبعوث الرئيس الأمريكي وعدد من قادة اليمين اللبناني(الكتائب وأمثالها) واتفق المجتمعون على :
1ــ دعم ومساندة النظام السوري، والسماح للمخابرات الأمريكية بتواجد أكبر في دمشق لكشف المخططات المعادية للنظام.
2 ـــ إضفاء صفة المشروعية على الوجود السوري في لبنان .
3ــ التمديد الدوري لقوات الطوارئ الدولية في الجولان .
4ــ تضع سوريا المقاومة اللبنانية تحت سلطانها، وتضرب اليسار في الداخل والخارج .
5ــ تتعهد الولايات المتحدة بعدم تحرك إسرائيل على الجبهة السورية .
وفي ( 21/ 1 /1976م ) تحدث ناطق رسمي باسم البيت الأبيض قال  إن الرئيس فورد تخلى عن معارضته لتدخل عسكري خارجي في لبنان، وإن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها، أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومآرب سوريا ونواياها .
وفي( 29 / 1 /1976م ) تحدث ناطق رسمي باسم الخارجية الأمريكية قائلاً إن الولايات المتحدة تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سوريا، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية .
وفي ( 27 / 1 /1976م ) نقلت وكالة اليونايتد برس من واشنطن بأنها كانت تقوم بنقل الرسائل من الكيان الصهيوني إلى سوريا، حول الوضع في الجنوب اللبناني، وقال (فريدريك براون) إننا على اتصال مع حكومات إسرائيل وسوريا ولبنان، وإننا نراقب الوضع عن كثب، واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن اتصالات من هذا النوع قد جرت، وأوضحت أن سوريا أكدت لمسؤولين أمريكيين أن وجود قواتها في الجنوب إنما يستهدف المقاومة واليساريين اللبنانيين. ولهذا وقف اليهود والأمريكان إلى جانب التدخل السوري في لبنـــان .
ونقلت رويتر في (15 / 4 /1976م) قول كيسنجر إن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، وإننا شجعنا البادرة السورية هناك، وإن الوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية .
ونقلت الشرق الأوسط في (18 / 8 /1977م) في تعليق لها على اجتماع الأسد بكارتر في جنيف تقول  :
إن عملية إخضاع المقاومــة اللبنانية والفلسطينية في لبنان، كانت جزءاً من استراتيجية كبيرة، لإضعاف المقاومة ومعارضي التسوية، وقدم كارتر للأسد مكافأته بالاستجابة إلى طلبه والاجتمــاع به في جنيــف بدلاً من واشنطن، كما كان يفعل مع غيره من الرؤساء العرب .
وصرح موشي دايان لوكالة الصحافة الفرنسية في  5 / 6 /1976)م) قائلاً إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب، حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر، لأن غزو القوات السورية للبنان، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل.
ونقلت إذاعة إسرائيل عند بداية التدخل السوري في لبنان تصريحاً لرئيس وزراء إسرائيل (إسحق رابين) قال : إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان ، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم دعم للفلسطينيين ، ويجب علينا أن لانزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا .
ونشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العدد ( 12) تاريخ (30/ 6/1980م) عن صحيفة هآرتس الصهيونية مايلي :
يتوقع رئيس شعبة الاستخبارات الصهيونية اللواء (يهو شاع ساغي)، تصعيداً في عمليات المقاومة من الأردن، لأنهم يواجهون مصاعب في لبنان، ولأن الجولان مغلقة أمامهم، وإن أخطار نشوب حرب في العام القادم ضئيلة، إلا في حال حدوث تغيرات مفاجئة مثل انقلاب في سوريا، أو تدهور الوضع في لبنان .(انظر محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي)
ماذا قـال الفلسطينيون عن الأســد؟
يقول كمال جنبلاط في كتابه (هذه وصيتي) في الصفحة ( 105):  نقل عن ياسر عرفات قوله للأسد عند اجتماعه به في ( (27/3/1976م  إن قلب المقاومة ومستقبلها موجود في لبنان، وإن إرهاب الجيش السوري والصاعقة لن يفيد، وإنه يعز علينا أن نصطدم بالجيش السوري ونحن على مرمى مدفعية العدو الصهيوني والأسطول السادس الأمريكي . فكان رد الأسد (ليس هناك كيان فلسطيني، وليس هناك شعب فلسطيني، بل سوريا وأنتم جزء من الشعب السوري، وفلسطين جزء من سوريا، وإذن نحن المسؤولون السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني).
ثم ترسخ الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان (الحزام الأمني)، كما ترسخ الوجود السوري في شمال لبنان ووسطه، وكانت هناك خطوط حمراء معترف بها سراً بين سوريا وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة. وصارت إسرائيل تقتل اللبنانيين والجيش السوري يتفرج عليهم، كما في مذبحة (قــانــا) عام ( 1996م )، وقانا تبعد عشرات الكيلومترات عن تمركز القوات السورية في لبنان وعددها قرابة أربعين ألف جندي  [حدثني زميل أثق به أدى خدمته العسكرية في الجيش السوري في لبنان يقول : كنا متمركزين في عمارة (غير جاهزة، على العظم) بالقرب من البقاع، وكانت المدفعية الإسرائيلية تقصف المنطقة دوماً، وتدمر مواقع للفلسطينيين والمقاومة اللبنانية بالقرب من مواقعنا، ولما امتلأت العمارة التي نسكنها بالأوسـاخ، وطلب الضباط الصغار أن ننتقل منها إلى عمارة مجاورة أخرى رفض قائد الكتيبة طلبنا، وبقينا عدة شــهور في هذه العمارة، وقد امتلأت بالأوساخ مع وجود عمارات أخرى فارغة، واستنتجنا فيما بعد أن هذه العمارة محملة عند إسرائيل على الخرائط العسكرية عندهم، كي يتحاشونها أثناء القصف المدفعي .
وذات يوم كنا ثلاث دوريات على حدود الحزام الأمني، دورية سورية، والثانية فلسطينية، والثالثة للمقاومة اللبنانية، وكان على الدوريات أن تمر بفاصل زمني قرابة نصف ساعة بين الدورية والأخرى، يقول مرت الدورية الفلسطينية، في سيارة جيب صغيرة، ومع ذلك قصفها الأسرائيليون وأصابوا السيارة وهرب الفلسطينيون منها، ثم جاء دورنا بعد نصف سـاعة، وكررت الشهادتين لأنني أيقنت بالموت عندها، ومعنا سيارة شاحنة (زيل) كبيرة جداً ولها هوائي طويل ويشاهد من مسافات بعيدة، ولما وصلنا إلى السيارة الفلسطينية المحترقة ترجلنا وأزحنا ها عن الطريق ثم عدنا إلى سيارتنا الكبيرة، وتابعنا المسير بسلام، ولم تطلق علينا إسرائيل أياً من صواريخها كما أطلقته على الدورية الفلسطينية، ولما جاء دور دورية المقاومة اللبنانية الذين اطمأنوا نوعاً ما لأن الإسرائيليين لم يقصفونا، ووصلوا إلى المنعطف الخطير قصفهم الإسرائيليون وأعطبوا سيارتهم.
(منقول)