Tuesday, May 26, 2015

أنا عاهرة

kurd
قصيدة للشاعرة الكردية باران ميلان، ترجمها عن الفارسية حميد كشكولي

شرف بعلي يُحتضَر بين فخذيّ
أتحول يوميا أكثر عهراً مما كنت اليوم الذي سبق
كل ّ يوم تموت فيّ أنوثة ما
يتم طعن امرأة من ذريّتي بخنجر الشرف
فاقتلوني بدلاً عن نساء العالم!
اقتلوني!
لقد ضاجعت ُ كل ما هو موجود في هذه الدنيا
منذ سنين أضاجع هموم الخبز
أضاجع الغربة،
بندقيتَك، خندقَك، تشردَك،
اضاجع جراحك،
أوساخَ ثيابك،
والمطبخَ.
أضاجع القلم،
أحلاما اكتبها ومجموعتي الشعرية،
بعيدة عن أنظارك.
أضاجعك أنت الذي لا أحبّه.
فلن تجد أبدا عاهرة أكثر عُهراً منّي!
اضاجع ورد الياس، و أريج البستان،
و الوحدةَ، والمكنسةَ، والموقد، والسماورَ، و استكانَة الشاي.
فضع توقيعك!
تكرّمْ ، وقّعْ  هنا!
عفواً! وقّع هناك!
25 نوفمبر،
اليوم الأكثر هزلا من أي يوم آخر.
فوقّع ْ باسم شيخ الطريقة!
باسم النبي!!
لقد رجمني الدين
وخزنتني المقدسات في كيسها،
ولكنهم يقتلونني رغم ذلك قبل فوات الأوان.
ثمة خنجر مصوب دوما على عنقي… ومطرقة تهوي يوميا على أم ّ رأسي.
يقتلني الشرف كل ّ يوم.
يجلدني الناموس يوميا.
فأنا أكبر عاهرة اليوم.
فلم يبق لك من كرامتك شيء ، لطول بقائي في السرير لوحدي.
لكثرة مضاجعاتي لهاجس حب ّ انتزعتُه منك،
فلم تعد شريفا حتى لو قتلتني كل ّ يوم.
ولكثرة ما أحمل أحمالا على الحدود فلم يعد حضني ينفرد لك.
لكثرة تحجبي و تدثري، لم أعد أرى الجمال حتى في الحلم.
أنا أصبح أكثر عهرا في كل يوم.
أنا قحبة كل يوم.
لقد ضاجعت ُ هموم الرضيع، وقنينة حليبه ،
ضاجعت ُ أخمص بندقيتك.
مستقبلنا الأسود،
وغربتنا .
ضاجعت ُ محفظة تلميذي الخالية،
ضاجعت ُ الآلام ، والجراح َ ،
والآهات،
ضاجعت ُ الحلم بالأفراح والمسرات.
فاقتلني!
فلا ثمة أعهر منّي ،
لن تجد عاهرة أكثر عهرا من الكردية.
انظر ْ إلى عيوني المنهكة!
شاهد نظراتي!
لتكشف بنفسك مدى هزال شرفك الزائف،
فإنني ضجرة من شرفك المستعار،
ضجرة،
ضجرة،

Tuesday, May 19, 2015

نيويورك تايمز: مسابقة الرسوم الساخرة في تكساس لم تكن حرية تعبير بل خطاب كراهية


ليس هناك من شك في أن الصور التي تسخر من الدين، وبغض النظر عن مدى عدائيتها بالنسبة للمؤمنين، مؤهلة لأن تكون محمية ضمن حرية التعبير في الولايات المتحدة ومعظم الديمقراطيات الغربية. 
وليس هناك شك أيضًا في أنه مهما كانت هذه الصور عدائية، لا تزال هذه الصور لا تبرر القتل، ويتعين على قادة جميع الأديان جعل هذا واضحًا لأتباعهم.

ولكن، من الواضح في الوقت نفسه أن معرض ومسابقة محمد (صلى الله عليه وسلم ) الفنية في جارلاند، تكساس، لم تكن حقًا حول حرية التعبير؛ بل كانت عملية تعصب وكراهية متنكرة في زي فعل من أجل الحرية.

من الضروري إجراء هذا التمييز؛ لأن الصراعات التي اندلعت حول رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم )، وأبرزها المذبحة المرتكبة بحق الموظفين في مجلة شارلي إبدو الفرنسية الأسبوعية الساخرة في يناير من قبل اثنين من المسلمين، ولدت نقاشًا حادًا وأدت إلى الكثير من الخلط غيرالصحيح بين حرية التعبير وخطاب الكراهية.

ويعد النزاع الحالي في القسم الأمريكي لمنظمة PEN الأدبية، حول اختيارها لشارلي إبدو لمنحها جائزة الشجاعة في حرية التعبير، حالةً من حالات هذا النقاش. وقد عارض المئات من أعضاء PEN هذا الاختيار لـ “تثمينه موادًا مسيئة بشكل انتقائي”.

وعلى عكس تشارلي إبدو، وهي مجلة هجت بالرسم دائمًا كلًا من السياسيين، والأديان، سواءً الكاثوليكية أو اليهودية أو الإسلام، لدى باميلا جيلر، المعادية للإسلام والتي تقف وراء معرض تكساس، تاريخ طويل من التصريحات والإجراءات المدفوعة بشكل محض بكراهيتها للمسلمين.

وسواءً من خلال قتالها ضد خطط لبناء مسجد بالقرب من نقطة الصفر (منطقة برجي التجارة العالميين في نيويورك)، أو من خلال نشرها للمقالات السامة في بلوق أطلس شراغز، أو من خلال تنظيم هذا الحدث في جارلاند، تهاجم جيلر الإسلام بوسائل تذكرنا بالعنصرية الخبيثة أو معاداة السامية. وقد حققت هذه المرأة هدفها الاستفزازي في جارلاند؛ حيث تعرض الحدث لهجوم من قبل اثنين من المسلمين قتلا بالرصاص على يد ضابط مرور قبل أن يقتلا أي شخص.

ولكن هذا الهجوم، أو حتى الاعتداء الإجرامي على تشارلي إبدو، أو حتى التهديد الأكبر الذي يشكله كل من تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، لا يبرر الاستفزازات المعادية للمسلمين بشكل صارخ مثل معرض جارلاند هذا. ولن تؤدي مثل هذه الاستفزازات إلا إلى تفاقم التوترات، وإعطاء المتطرفين المزيد من الوقود.

وقد يعتقد بعض من أولئك الذين رسموا صورًا مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم ) اعتقادًا راسخًا بأنهم يساهمون في دعم حرية التعبير؛ إلا أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن دعم هذا الهدف من خلال إلحاق الألم المتعمد بالملايين من المسلمين المتدينين الذين ليس لديهم أي علاقة بالإرهاب. وأما بالنسبة لمعرض جارلاند، فمن الهراء أن نتظاهر بأن الدافع وراءه كان أي شيء آخر غير الكراهية.
نيويورك تايمز – التقرير

Saturday, May 16, 2015

تذكرة إلى الجنة

تذكرة إلى الجنة ... من يريد؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "افترقت اليهود على إحدى -أو اثنتين - وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة"، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"

ومن آيات نبوته أن أمة الإسلام تفرقت كما قال عليه صلوات ربي وسلامه، لكننا الآن في معضلة شديدة لأننا لا نعلم من هي الفرقة الناجية وإن أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها "ما أنا عليه وأصحابي"، فكل مذهب إسلامي يدعي بأنه على خطى الرسول وصحبه يسير، بالطبع هناك فرق غالت كثيراً وشذت عن الطريق القويم الذي جاء به المصطفى ومع ذلك فإنهم يدعون أنهم على الطريق.

بإعتقادي الشخصي أن المسألة لا تحتاج إلى كثير تفكير وأن الإلتزام بالمنهاج الإسلامي القويم لا يحتاج منا غير تطبيق ما أمر الله به والإبتعاد عما نهى عنه وبذلك نكون قد حجزنا لنا تذكرة لدخول الجنة إن شاء الله تعالى، ولكن هل هذا يعني أننا ضمنا الدخول إلى الجنة ؟   ..... الله أعلم.

يقول أنس رضي الله عنه بينما كنا جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل لانعرفه قال: أين هو ابن عبد المطلب قلنا ذاك هو الابيض الابهر أبيض مشرب بسمره إذا تبسم كان وجهه كفلقة القمر، قلنا ذلك الأبيض الأسمر فجاءه وقال يا أبن عبد المطلب اني سائلك ومشددُ عليك السؤال وكان متكئاً فجلس
قال: يا محمد من الذي رفع السماء؟
قال الله
قال: يا محمد ومن الذي بسط الارض؟
قال: الله
قال: ومن الذي نصب الجبال يامحمد؟
قال: الله
قال: اسألك بالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال
أالله أرسلك إلينا رسولا
؟
فأحمر وجهه صلى الله عليه وسلم
وقال: اللهم نعم
قال: أسألك بالله بالذي رفع السماء وبسط الارض ونصب الجبال وأرسلك إلينا رسولاً
أالله أمرك ان تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليله
؟
قال: اللهم نعم
قال: أالله أمرك أن تأمرنا بالصيام؟
قال: اللهم نعم
قال: أالله أمرك أن تأمرنا بأداء الزكاه؟
قال: اللهم نعم
قال: أالله أمرك أن تأمرنا بحج بيت الله الحرام؟
قال: اللهم نعم
قال: والذي بعثك بالحق والذي رفع السماء وبسط الارض ونصب الجبال وأرسلك الينا رسولا لأحافظن على الصلاة ولأصومن رمضان وأعطي الزكاه وأحج البيت ولا أزيد على ذلك
فلما انطلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة

الماء والحياة والقرآن الكريم

الماء والحياة

تبدأ شربة الماء، التي نتناولها متنقلة بين السماء والأرض... ثم عائدة في عكس حركة الزمن إلى التاريخ القديم في سيره الدائم إلى الوراء حيث بدا الكون، وخرج الماء من الأرض، وكان أصلاً لكل شيء حي إذ بدون الماء لا وجود للحياة وصدق الله العظيم حينما قال عن الماء "وجعلنا من الماء كل شيء حي".


في مقالي هذا أتحدث عما ذكر بالقرآن الكريم بالنسبة للمياه وخواصها الطبيعية والفيزيائية والكيميائية والتي بالطبع كشف عنها العلماء في زمننا الحالي وسوف نرى بأن القرآن يتحدث عن أنواع المياه بدقة فائقة ويصنفها بما يتناسب مع درجة نقاوتها ويعطي كل منها التسمية الخاصة بها والتي نعرفها حالياً، وقد ثبُت علمياً الفوارق الكبيرة بين هذه الأنواع، وهذا ما سنعيش معه الآن من خلال الفقرات الآتية. لنتعرف أولاً على الخواص الكيميائية والفيزيائية للماء

التركيب الكيميائي للماء 
يتكون جزئ الماء من ارتباط ذرة أكسجين بذرتي هيدروجين لتكوين رابطتين تساهميتين أحاديتين الزاوية بينهما 104.5 درجة ، ونتيجة لكبر قيمة السالبية الكهربية للاكسچين مقارناً بالهيدروجين تنشأ بين جزيئات الماء القطبية نوعاً من التجاذب الكهربي.
الحالة الفيزيائية للماء
يغطي الماء 70% من كوكب الأرض ويوجد الماء في الطبيعة على ثلاث حالات فيزيائية
الحالة السائلة: كمياه البحار والأنهار والبحيرات والمياه الجوفية
الحالة الصلبة: كالثلوج والمسطحات الجليدية
الحالة الغازية: بخار الماء المنتشر بالأجواء.
الماء في القرآن
هناك الكثير من الآيات الكريمة تتحدث عن المياه وتصفها بأوصاف مختلفة فمنها الماء الطهور ومنها العذب الفرات ومنها الأجاج، والمتأمل للآيات الكريمة في القرآن سيأخذه العجب من التفصيل في الدقيق لأنواع الماء، فالماء الطهور ذكر في معرض الآيات ليس للشرب وإنما للطهارة، والعذب الفرات ذكر للشرب والأجاج ذكر لملوحته الشديدة، فما الفرق بين هذه الأنواع وعلى ماذا تدل:

الماء الطهور: وهو ما ينزل بالمطر وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً
ما هو هذا الماء الذي قال الله عنه بأنه طهور وما الفرق بينه وبين انواع المياه الوارد ذكرها أعلاه؟
إكتشف العلماء أن ماء المطر هو ماء مقطر، و أن هذا الماء النقي له خصائص مطهرة وهو مزيل ممتاز للأوساخ والأوسان ويستطيع تطهير وتعقيم أي شيء، وقد صدق الله تعالى عندما سمّى الماء النازل من السماء بالماء الطهور، وهي تسمية دقيقة من الناحية العلمية، ولكن لماذا هي طهور ومعقمة؟ لأن مياه الأمطار قد إنتقلت من البحار والأنهر في عملية تسمى التبخير وهي إنتقال الماء من الحالة السائلة إلى بخار الماء عندما تتسبب حرارة الشمس في تبخر الماء من المحيطات وغيرها من المسطحات المائية

الماء الفرات: وهو ما نجده بالينابيع والأنهر والجداول وغيرها مما يخرج من باطن الأرض وبعض الآبار، وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا.
إن الماء الفرات هو ماء عذب ومستساغ لأنه يحتوي على نسب مختلفة من المعادن وهي التي تجعل من طعم الماء حلواً سائغاً للشرب، وهذا لا يناسبه سوى كلمة عذب فرات في القرآن، فالماء عندما ينزل من السماء يكون طهوراً ومن ثم يمتزج بالمعادن والأملاح في طريق جريانه في الأرض ليصبح فراتاً اي مستساغاً للشرب، ولا يستخدم الله عز وجل كلمة طهور عندما يتحدث عن مياه الأنهار والينابيع، لسبب أن مياه الينابع والأنهر تحتوي كما ذكرنا على العديد من البكتيريا وحتى الجراثيم والمعادن بنسب متفاوتة لكن مياه الأمطار لا تحتوي على أي من هذه المعادن وغيرها وإنما هي نقية و معقمة طبيعياً.
الماء الأجاج: هو ماء البحار والمحيطات وقد ذكره الله في القرآن بعدة ايات ومنها وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
من المعروف أن مياه البحار والمحيطات هي مياه مالحة ولكن درجة ملوحتها كبيرة ولذلك سماها الله ملح أجاج أي أن ملوحتها زائدة لدرجة تأبى النفس البشرية شربها، ولكن من المعروف أن مياه الشرب العادية التي تؤخذ من الأنهر والينابيع وغيرها من المياه القابلة للشرب تحتوي بلا شك على نسبة من الأملاح ولكن هذه النسبة تعتبر خفيفة لدرجة أن الإنسان لا يشعر بها على الإطلاق ومن هنا جاء التأكيد في القرآن على أن مياه البحر تتكون من ملح أجاج.

لماذا نتكلم عن المياه، وأصنافها؟ كل ماذكرته أعلاه هو مدخل ومقدمة للوصول إلى ما أريد قوله هنا في هذه المقالة التي أعددتها لتبيان إعجاز القرآن وبأنه هو كلام الله وعلاقة الله سبحانه وتعالى بالخلق، نحن نعلم بالطبع أن القرآن نزل على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم على مدى سنوات عديدة في زمن لم يكن هناك علوم فيزيائية ولا كيميائية لتبيان الفروقات بين أنواع المياه وصفاتها وحالاتها، علماء الفيزياء والكيمياء لهذا الزمن هم الذين إكتشفوا خاصية مياه الأمطار وهم الذين قالوا أن مياه الأمطار النقية هي مياه مقطرة ومعقمة تستخدم في الطب وأن هذه المياه خالية من الفيروسات والبكتريا، وهي أيضاً مياه تمتلك خاصية امتصاص المعادن والغازات والغبار وأي مادة تصادفه بنسبة كبيرة، لذلك فهي مادة مطهرة للجوّ أيضاً.

إن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول وجعلنا من الماء كل شيء حي، اي أنه يبلغنا بلاغاً إعجازياً بأنه دون الماء لا وجود للحياة، لا وجود للبشر لا وجود للحيوان لا وجود للنبات ولا وجود حتى للبكتيريا وغيرها من الكائنات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة، علماء الفضاء والكون في ناسا يحاولون إكتشاف الكواكب التي من الممكن أن تكون قابلة للحياة وهم وضعوا شرطاً لما يعنونه قابلة للحياة وهو أن يكون هناك ماء سواء على أي حالة من حالاته الفزيائية سواءاً السائلة أو الصلبة أو الغازية لماذا؟ لأنهم يعلمون أنه بدون الماء لا يمكن أن توجد حياة على أي من الأجرام السماوية في هذا الكون الفسيح الأرجاء، من علم محمد أصناف المياه وخواصها ومن علمه أنه دون الماء لا توجد حياة؟

الأخلاق الإسلامية

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر صدق الله العظيم
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا (1)

الأخلاق بصورتها العامة هي الممارسات التي يقوم بها الأفراد في مجتمع ما، وهي ممارسات نابعة من قناعة شخصية ترتبط إرتباط وثيقاً بالقيم والمبادئ والأفكار التي صاغتها وجبلتها العديد من العوامل الإنسانية والدينية التي نشأ عليها الفرد في مجتمعه.
تنقسم الممارسات الأخلاقية إلى نوعين ظاهر وتطلق على الممارسات والأقوال التي يتناولها المرء في حياته العملية سواءاً في منزله أو بين أقرانه أو في عمله أو غير ذلك. والباطن وهي ممارسات تكون بينه وبين نفسه.
تختلف المسؤولية القانونية على المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون، لكن المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع واشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، فهي مسؤولية ذاتية أمام ربه والضمير، أما دائرة القانون فمقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية من قضاة ورجال امن ونيابة، وسجون. أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى. (2)
بطبيعة الحال إن الأخلاق هي خلاصة الأفعال والأقوال التي انصهرت وتراكمت في مجتمع إنساني عبر ممارسات عملية امتدت منذ آلاف السنين وحتى يومنا الحالي، والأخلاق هي بالتالي تنقسم إلى جزئين منها ما هو محمود ومنها ما هو شائن، الأخلاق الحميدة هي الأعمال والأقوال التي تدلل على الخير وفعله وعلى نبذ الشر وفعله.
أخلاق العرب في الجاهلية:
إقراء الضيف، الإحسان إلى اليتيم، حفظ الجار وإكرامه، الوفاء بالعهود ونبذ الغدر، نجدة الملهوف، ونصرة المظلوم، ولكن بالتالي كان لديهم من الأخلاق والعادات المنبوذة مثل العصبية للقبيلة، ودعوى الجاهلية (الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)، وأد البنات.
الأخلاق الإسلامية
إعتنى الإسلام منذ بدئه بالأخلاق الكريمة مادحاً أصحاب هذا الخلق بنعوت جميلة، كما حث عليها في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وإقتداءاً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل البشر خُلقاً لقول الله عنه "وانك لعلى خلق عظيم".
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " بهذه الكلمات حدد الرسول الكريم الغاية من بعثته وأنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين كما ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون، وإن التحلي بالأخلاق الحسنة والبعد عن أفعال الشر والآثام يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير وأنها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خُلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت : " كان خلقه القرآن " صحيح مسلم.
وعن أنس بن مالك قال : كان النبي أحسن الناس خلقًا - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
ذكرت الأخلاق الكريمة في القرآن الكريم بصور شتى مثل العرف والمعروف والخير والصالحات والباقيات الصالحات والبر في العديد من الآيات الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون". " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " ...... " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ..... " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " ..... " والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ....... " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " ..... " تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ....... " يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون " ..... " يوم ينفع الصادقين صدقهم"..
كما تظهر الأخلاق في وصايا لقمان لابنه في سورة لقمان، " وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَـنُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَـبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الإنسَـنَ بِوَلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَلِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَـهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَيَـبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِي صَخْرَة أَوْ فِى السَّمَـوَتِ أَو فِى الاْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَـبُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَوةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الاْمُورِ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْوَتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"
كما تظهر الأخلاق في الأحاديث النبوية. فقد روى الترمذي عن ابن مسعود ان رسول الله قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" .... وقال رسول الله أيضا:" ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".
و"من حملَ علينا السلاحَ فليسَ منا" .....و"ليس منّا مَنْ باتَ شبعاناً وجاره جائع"......."ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه كلّ يوم" ......"ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره" .......و"ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ومن لم يعرف لعالمنا حقه" .... و"من خبب عبدا على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا".
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”. أي شره.
وجاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله قال "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله : "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
وقال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكدب فان الكدب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكدب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
وعن جابر أن رسول الله قال: " أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" رواه مسلم.
وقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا " رواه مسلم.
وقال رسول الله "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " ..... و"من لا يرحم لا يُرحم" ..... و" الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض ؛ يرحمكم من في السماء". ..... و"الحاقد والحاسد في النار".
كما أن الإسلام نهى عن التطفيف والتخسير في الميزان وإبخاس الناس أشياءهم وهو فعل قوم شعيب والنهي عن اللواط والمثلية الجنسية وإتيان المنكر في الأندية كفعل قوم لوط، وكذلك نهى الإسلام عن الرشوة والمحاباة والمحسوبية كما ورد في حديث "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"....... وحديث "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ...... "لعن رسول الله الراشي والمرتشي" ونهى النبي عن المثلة (التمثيل بالجثث في الحرب) ونهى عن قتل الصبيان والشيوخ والنساء في الحرب، "اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا". وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "أعفُّ الناس قِتْلةً: أهلُ الإيمان".وفي آداب الذبح للحيوان والقتل في الحرب عن شداد بن أوس عن رسول الله" إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
وفي مجال الرفق بالحيوان روى البخاري وغيره عن النبي أنه قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".
وعن أبي هريرة أن رسول الله - - ذكر : "أن امرأة بغيا من بني إسرائيل رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغفُر لها" رواه مسلم.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفّه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا ؟، قال : " في كل كبدٍ رطبةٍ أجر" رواه البخاري.
وعن يعلى بن مرة قال: كنت جالساً مع النبي ذات يوم إذ جاءه جمل يخب حتى ضرب بجرانه بين يديه "أي جاء يمشي حتى وضع عنقه أمام النبي " ثم ذرفت عيناه، فقال ويحك: انظر لمن هذا الجمل، إن له لشأناً ؟!! قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: وما شأنه؟ قال: لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه. قال: فلا تفعل هبه لي أو بعنيه، فقال: بل هو لك يا رسول الله فوسمه بوسم الصدقة ثم بعث به. وفي رواية أن الرسول قال له: ما لبعيرك يشكوك ؟ زعم أنك أفنيت شبابه حتى إذا كبر تريد أن تنحره قال صدق، والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل، رواه أحمد.
كما حفل القرآن الكريم بآيات النهي عن الأخلاق السيئة والشريرة مثل سورة الماعون :" أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ "، ووصف المطففين في سورة المطففين، ووصف المنافقين في سورة المنافقون والعديد من آيات القرآن الكريم، والنهي عن تزكية النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل أموال الناس بالباطل، والسحت (المال الحرام)، وكنز الذهب والفضة والامتناع عن إنفاقهما في سبيل الله، وإتباع الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث، وتوعدت الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، والذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس. وحفلت بآيات الأمر بالقسط والعدل ولو على أنفس المؤمنين أو الوالدين والأقربين، والأمر بالوفاء بالعقود، وقولوا للناس حسنا.
كما ظهرت الأخلاق في خطب الخلفاء الراشدين حين قال أبو بكر الصديق :"أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :"إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني" و"ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع " و"عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه." كما قال في نهج البلاغة: «انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ، وَلَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلا عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلاء،ِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ. فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلا عِلَّةٌ أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِهِ وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.كما يقول: وَأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَقالُوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَيَعَاسِيبِ القَبَائِلِ، بِالأَخْلاقِ الرَّغِيبَةِ وَالأَحْلامِ الْعَظِيمَةِ وَالأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ وَالآثَارِ الْمَحْمُودَةِ فَتَعَصَّبُوا لِخِلالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ وَالأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ وَالإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَالإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الأَفْعَالِ وَذَمِيمِ الأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ، فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِه شأنهمِ...»
ولخص الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب الأخلاق الإسلامية حين قال للنجاشي : " أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيءًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيءًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك."
وفي صحيح البخاري عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن النبي كان من بين ما سأله عنه أن قال: " ماذا يأمركم ؟ " فقال أبو سفيان: " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة." متفق عليه.
على الرغم من أن تعاليم الإسلام من قرآن وسنة قد أحدثت " تغييرا جذريا في القيم الأخلاقية على أساس فرض أوامر ونواهي للدين الجديد، وخشية الله وتقوى الله واليوم الآخر "، فإن الممارسة القبلية لدى العرب لم تنقرض تماما، وفي وقت لاحق قام علماء وفقهاء المسلمين بتوسيع الأخلاق الدينية من القرآن والحديث بتفاصيل هائلة.
خصائص الأخلاق الإسلامية (2)
التوازن بين مطالب الروح والجسد فلا تمنع حاجة الجسد من الشهوات والرغبات بل تضعها في إطارها الشرعي، فقال الله "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"الأعراف32، فمن حق الإنسان في إشباع رغباته بالضوابط الشرعية مع إشباع الروح بالذكر والطاعة والعبادة
الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج فيقول الله "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"الحج78 "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا"البقرة286
لا يحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة يقول : "إنما الأعمال بالنيات"
مبادئها تقنع العقل وترضي القلب، فما من نهي شرعي إلا معه مسوغات ودوافع تحريمه فيقول الله: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً " الإسراء32 وقوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَأوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"المائدة90-91، وكذلك الأخلاق الإسلامية تقبلها الفطرة السليمة ولا يرفضها العقل الصحيح.

الفلاسفة والأديان

هل إختلف الفلاسفة مع الأديان، أم أنهم جعلوا طريق العقل والفكر وسيلة للوصولِ إلى فهمٍ أكبر للقوةِ الإلهية، وسيلة لكشفِ ذلكَ الجمال المنتشر في أرجاءِ الكون الكبير، بدءاً من أرضنا وما فيها من مخلوقات ومن أسرار، امتداداً إلى الكون الفسيح الذي لا يستطيع كشفه وسبر أغواره ومجاهله أحداً من العالمين، فما نحن سوى نقطة صغيرة في هذا الكون المترامي الأطراف والذي لا يعرف كنهه إلآ خالق متمكن من ما خلق، مدبر لأمور بلايين الكواكب والنجوم والمجرات الجاريات في دروب لا نعرفها ولا نرى منها في الحقيقة إلآ صور عن ماضي غارق في القدم بما وفرته لنا الوسائل العلمية الحديثة من مناظير تعمل بطرق عديدة.

كثيراً ما يستندُ الملاحدة في إنكارهم للخالقِ إلى الفلسفة والمنطق، ومِن ثمَ يُحاولون أن يَظهروا بمظهرِ الباحثينَ والمُفكرين، لكِنهم في حقيقةِ الأمر مِن أجهلِ المخلوقات على الإطلاق وليس في ذلك شك أبدا، ذلك أن الدين والعلم والفلسفة كلها اتفقت على الإيمانِ باللهِ سبحانهُ وتعالى، وبأنه موجدُ الكون ومُدّبره، ولكن كما قال بعض الفلاسفة: القليل من الفلسفة يُبعِدُ عن الله، لكِنَ الكثير منها يَرُدُّ إلى الله، لنقرأ معاً مقولاتٍ لبعضِ العظماء من الفلاسفة والمفكرين الذين أمضوا سنواتَ عمرهم في البحثِ عن الحقيقة وعلى وجود الله سبحانه وتعالى والإيمان به: يقول أناكساغورس أحد فلاسفة اليونان الأوائل: "من المستحيل على قوة عمياء أن تُبدعَ هذا الجمال وهذا النظام اللذان يتجليان في هذا العالم، لأن القوة العمياء لا تُنتج إلا الفوضى، فالذي يُحرِّك المادة هو عقلٌ رشيد، بصيرٌ حكيم"، أو كما يقول أفلاطون وهو الغني عن التعريف: "إنَّ العالم آية في الجمالِ والنظام، ولا يُمكن أن يكون هذا نتيجة عِلل إتفاقية، بلّ هو مِن صُنعِ عاقل توخى الخير ورتّبَ كُلَ شيءٍ عن قصدٍ وحِكمة"، ويقول ديكارت: "إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقتِ نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مُضطرًّا إلى اعتقادي لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تِلكَ الذات الكاملة المتحليَّة بجميعِ صفات الكمال، وهي الله"، ويُسهب في الحديث بقوله : "أنا موجودٌ! فمن أوجدني ومن خلقني؟ أنا لم أخلقُ نفسي، فلا بُد لي من خالق وهذا الخالق لا بد أن يكونَ واجب الوجود، وغيرَ مُفتقر إلى مَن يوجِده، أو يَحفظ له وجوده، ولا بُد أن يكونَ مُتصِفاً بكلِ صِفات الجمال، وهذا الخالقُ هو الله بارئ كل شيء"، ويقول باسكال: "إنَّ إدراكنا لوجودِ الله، هو مِنَ الإدراكاتِ الأولية، التي لا تحتاج إلى جدلِ البراهين العقلية، فإنهُ كان يُمكن أنْ لا أكون، لو كانت أمي ماتت قبلَ أنْ أولد حياً، فلستُ إذاً كائناً واجبَ الوجود، ولستُ دائماً ولا نهائياً، فلا بُد مِنْ كائنٍ واجبَ الوجود، دائمٍ لانهائي، يعتمدُ عليه وجودي، وهو الله الذي ندركُ وجوده إدراكاً أولياً، بدونِ أنْ نتورط في جدلِ البراهين العقلية، ولكنْ على الذينّ لم يُقدَّر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصولِ إليه بعقولهم".

يقول الدكتور مصـطفى محـمود عن رحلتهِ مع الإلحاد: إن زهوي بعقلي الذي بدأ يتفتح وإعجابي بموهبةِ الكلام ومُقارعة الحجج التي انفردتُ بها كانَ هو الحافز دائماً، و كانَ هو المُشَجِع وهو الدافع، وليسَ البَحْث عن الحقيقة أو لأكتشف الصواب، لقد رفضتُ عبادة الله لأني استغرقتُ في عبادةِ نفسي وأعُجبت بومضةِ النور التي بدأت تومضُ في فكري مَعْ إنفتاح الوعي وبِداية الصحوة مِنْ مَهدِ الطفولة، ويُضيف قائلاً: لقد غابت عني أصول المَنطِق ولم أدْرك أني أتناقض مع نفسي إذْ كيفَ أعترفُ بالخالقِ ثم أقول ومَنْ خَلق الخالق؟ فأجعل منهُ مخلوقاً في الوقتِ الذي أسميه خالقاً وهي السفسطة بعينها، ثم إنَّ القول بسببٍ أولي للوجودِ يقتضي أنْ يكونَ هذا السبب واجب الوجود في ذاته، وليسَ مُعتمداً ولا مُحتاجاً لغيرهِ لكي يوجد، أما أنْ يكونَ السبب في حاجةٍ إلى سببٍ فإن هذا يَجعلهُ حلقة مِنْ حلقاتِ السببية ولا يجعل منه سبباً أول، هذهِ هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت بأرسطو إلى القولِ بالسببِ الأوّل والمحرك الأول للوجود، ولم تَكُن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلكَ الحين، واحتاجَ الأمر مني إلى ثلاثينَ سنة مِنَ الغرقِ في الكتبِ وآلاف الليالي مِنَ الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر، ثم تقليب الفِكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت، لم يكن الأمر سهلاً، لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً.
لكنه يعترف بقوله : لو أنني أصغيتُ إلى صوتِ الفطرة و تركتُ البداهة تقودني لأعفيتُ نفسي من عناءِ الجدل ولقادتني الفطرة إلى الله
ويؤكد اعترافه بقوله: إنني جئتُ في زمنٍ تعقدَ فيهِ كُلَ شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همساً وارتفع صوت العقل حتى صار لُجاجة وغروراً واعتداداً، فتصورَ نفسه قادراً على كل شيء و زجّ نفسه في كل شيء و أقام نفسه حاكماً على ما يعلم و ما لا يعلم.
ولكن هل نحنُ بحاجةٍ إلى الله وإلى الإيمان به؟
ولماذا نحن في حاجة إلى الإيمان بالله؟ وهل الله بحاجة لمن يؤمن به؟
أسئلة كثيرة تُطرح هنا وهناك لسببٍ ربما يكون فلسفي أو نفسي بحت ... وفي الحقيقة هي اسئلة تعانق عقول العقلاء والمفكرين عامة والعاقل منهم من يُدرك أن الخالق ليس بحاجة إلى البشر وبأنه قادر على خلقهم متى ما شاء وتبديلهم بغيرهم من الخلق، لذا فالخالق لا تنفعه طاعة بشر كما لا تضره معصيتهم، ولكن أليس البشر همُ الفقراء إلى الخالق الذي يُدبرّ أمرهم وخلق لهم ما يحتاجون إليه لإستمرار حياتهم ومعيشتهم من الهواء والماء والطعام ومركوبهم، يقول الله تعالى في حديثه القدسي يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كان على قلب أتقى رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً، يا عبادى: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلكى شيئا، وقال عز وجل:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (سورة فاطر)، ولكن البشر فى حاجة إلى الله:" قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (سورة النمل)، وقال تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (سورة القصص)

ومن المعروف أن الحاجة للإيمان بالله أقوى ما تكون فى المجتمعات المادية، حيث أن المجتمع المادي الذي نعيشه والحضارة المادية التى نحياها لم تُحقق للإنسان الأمن النفسي فأصبح الإنسان فيها قلقاً متوتراً بعيداً عن السعادة، لذا فإن كبار الباحثين يمتازون عن غيرهم بأنهم يبحثون في الأمور بعقلٍ مُدرك ونظر متجرد، لذا فإن شهاداتهم تُعد ذات إعتبار كبير في الأمور التي يدلون فيها بآرائهم ومما قاله بعض العلماء في قضية الوجود والخلق وهم كثير، قال اسحق نيوتن: "إنه لا يمكن أن تأتي إلى حيز الوجود مباهج عالم الطبيعة الزاهرة ومنوعاتها هذه بدون إرادة واجب الوجود أعني به الإله القادر قدرة مطلقة السميع البصير المكتمل الذي يسع كل شيء"، وقال هيرشل عالم الفلك الإنجليزي "كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والفلكيون والرياضيون والطبيعيون قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم وهو في الواقع صرح عظمة الله وحده
وقال وولتر أوسكار لندبرج عالم الفسيولوجيا و الكيمياء الحيوية الأمريكي: "أما المشتغلون بالعلوم الذين يرجون الله فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشفٍ جديد في ميدان من الميادين، إذ إن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد إدراكهم و أبصارهم لأيادي الله في هذا الكون"، أما العالم الأمريكي الفسيولجي أندرو كونواى ايفي فقد قال: "إن أحداً لا يستطيع أن يثبت خطأ الفكرة التي تقول إن الله موجود، كما إن أحداً لا يستطيع أن يثبت صحة الفكرة التي تقول، إن الله غير موجود، وقد يُنكر مُنكر وجود الله تعالى ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل، وأحياناً يشك الإنسان في وجود شيء من الأشياء ولابُد في هذه الحالة أن يستند شكه إلى أساسٍ فكري، ولكنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلاً عقلياً واحداً على عدم وجوده تعالى وقد قرأتُ وسمعت في الوقت ذاته أدله كثيرة على وجوده، كما لمست بنفسي بعض ما يتركه الإيمان من حلاوة في نفوس المؤمنين وما يخلفه الإلحاد من مرارة في نفوس الملحدين".
فالشواهدُ على قدرة الله ووجودهِ كثيرة لا تُعد ولا تُحصى فأينما وجهت وجهك ترى الله في مخلوقاته وفي آيات خلقه ولكن هل من معتبر؟ ولا أدري ما قيمة الإنسان أي كان دون الإيمان بأن له خالق أعظم وأقدر منه، خالق يدبر أمور الكون بما فيه، خالق أركن إليه أمري وأتوكل عليه في مسيرتي فالعمر وإن طالت سنواته قصير، فما خُلد أحداً من قبلي ولن يُخلد من بعدي أحد.