Saturday, May 16, 2015

الأخلاق الإسلامية

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر صدق الله العظيم
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا (1)

الأخلاق بصورتها العامة هي الممارسات التي يقوم بها الأفراد في مجتمع ما، وهي ممارسات نابعة من قناعة شخصية ترتبط إرتباط وثيقاً بالقيم والمبادئ والأفكار التي صاغتها وجبلتها العديد من العوامل الإنسانية والدينية التي نشأ عليها الفرد في مجتمعه.
تنقسم الممارسات الأخلاقية إلى نوعين ظاهر وتطلق على الممارسات والأقوال التي يتناولها المرء في حياته العملية سواءاً في منزله أو بين أقرانه أو في عمله أو غير ذلك. والباطن وهي ممارسات تكون بينه وبين نفسه.
تختلف المسؤولية القانونية على المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون، لكن المسؤولية الأخلاقية فهي أوسع واشمل من دائرة القانون لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، فهي مسؤولية ذاتية أمام ربه والضمير، أما دائرة القانون فمقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية من قضاة ورجال امن ونيابة، وسجون. أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى. (2)
بطبيعة الحال إن الأخلاق هي خلاصة الأفعال والأقوال التي انصهرت وتراكمت في مجتمع إنساني عبر ممارسات عملية امتدت منذ آلاف السنين وحتى يومنا الحالي، والأخلاق هي بالتالي تنقسم إلى جزئين منها ما هو محمود ومنها ما هو شائن، الأخلاق الحميدة هي الأعمال والأقوال التي تدلل على الخير وفعله وعلى نبذ الشر وفعله.
أخلاق العرب في الجاهلية:
إقراء الضيف، الإحسان إلى اليتيم، حفظ الجار وإكرامه، الوفاء بالعهود ونبذ الغدر، نجدة الملهوف، ونصرة المظلوم، ولكن بالتالي كان لديهم من الأخلاق والعادات المنبوذة مثل العصبية للقبيلة، ودعوى الجاهلية (الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)، وأد البنات.
الأخلاق الإسلامية
إعتنى الإسلام منذ بدئه بالأخلاق الكريمة مادحاً أصحاب هذا الخلق بنعوت جميلة، كما حث عليها في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وإقتداءاً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل البشر خُلقاً لقول الله عنه "وانك لعلى خلق عظيم".
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " بهذه الكلمات حدد الرسول الكريم الغاية من بعثته وأنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين كما ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون، وإن التحلي بالأخلاق الحسنة والبعد عن أفعال الشر والآثام يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير وأنها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خُلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت : " كان خلقه القرآن " صحيح مسلم.
وعن أنس بن مالك قال : كان النبي أحسن الناس خلقًا - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
ذكرت الأخلاق الكريمة في القرآن الكريم بصور شتى مثل العرف والمعروف والخير والصالحات والباقيات الصالحات والبر في العديد من الآيات الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون". " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " ...... " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ..... " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " ..... " والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ....... " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " ..... " تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ....... " يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون " ..... " يوم ينفع الصادقين صدقهم"..
كما تظهر الأخلاق في وصايا لقمان لابنه في سورة لقمان، " وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَـنُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَـبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الإنسَـنَ بِوَلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَلِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَـهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَيَـبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِي صَخْرَة أَوْ فِى السَّمَـوَتِ أَو فِى الاْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَـبُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَوةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الاْمُورِ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاْصْوَتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"
كما تظهر الأخلاق في الأحاديث النبوية. فقد روى الترمذي عن ابن مسعود ان رسول الله قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" .... وقال رسول الله أيضا:" ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس".
و"من حملَ علينا السلاحَ فليسَ منا" .....و"ليس منّا مَنْ باتَ شبعاناً وجاره جائع"......."ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه كلّ يوم" ......"ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره" .......و"ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ومن لم يعرف لعالمنا حقه" .... و"من خبب عبدا على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا".
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”. أي شره.
وجاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله قال "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله : "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
وقال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكدب فان الكدب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكدب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
وعن جابر أن رسول الله قال: " أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" رواه مسلم.
وقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا " رواه مسلم.
وقال رسول الله "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " ..... و"من لا يرحم لا يُرحم" ..... و" الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض ؛ يرحمكم من في السماء". ..... و"الحاقد والحاسد في النار".
كما أن الإسلام نهى عن التطفيف والتخسير في الميزان وإبخاس الناس أشياءهم وهو فعل قوم شعيب والنهي عن اللواط والمثلية الجنسية وإتيان المنكر في الأندية كفعل قوم لوط، وكذلك نهى الإسلام عن الرشوة والمحاباة والمحسوبية كما ورد في حديث "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"....... وحديث "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ...... "لعن رسول الله الراشي والمرتشي" ونهى النبي عن المثلة (التمثيل بالجثث في الحرب) ونهى عن قتل الصبيان والشيوخ والنساء في الحرب، "اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا". وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله : "أعفُّ الناس قِتْلةً: أهلُ الإيمان".وفي آداب الذبح للحيوان والقتل في الحرب عن شداد بن أوس عن رسول الله" إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
وفي مجال الرفق بالحيوان روى البخاري وغيره عن النبي أنه قال: "دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض".
وعن أبي هريرة أن رسول الله - - ذكر : "أن امرأة بغيا من بني إسرائيل رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغفُر لها" رواه مسلم.
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفّه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" قالوا : يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا ؟، قال : " في كل كبدٍ رطبةٍ أجر" رواه البخاري.
وعن يعلى بن مرة قال: كنت جالساً مع النبي ذات يوم إذ جاءه جمل يخب حتى ضرب بجرانه بين يديه "أي جاء يمشي حتى وضع عنقه أمام النبي " ثم ذرفت عيناه، فقال ويحك: انظر لمن هذا الجمل، إن له لشأناً ؟!! قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: وما شأنه؟ قال: لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه. قال: فلا تفعل هبه لي أو بعنيه، فقال: بل هو لك يا رسول الله فوسمه بوسم الصدقة ثم بعث به. وفي رواية أن الرسول قال له: ما لبعيرك يشكوك ؟ زعم أنك أفنيت شبابه حتى إذا كبر تريد أن تنحره قال صدق، والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل، رواه أحمد.
كما حفل القرآن الكريم بآيات النهي عن الأخلاق السيئة والشريرة مثل سورة الماعون :" أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ "، ووصف المطففين في سورة المطففين، ووصف المنافقين في سورة المنافقون والعديد من آيات القرآن الكريم، والنهي عن تزكية النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل أموال الناس بالباطل، والسحت (المال الحرام)، وكنز الذهب والفضة والامتناع عن إنفاقهما في سبيل الله، وإتباع الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث، وتوعدت الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، والذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس. وحفلت بآيات الأمر بالقسط والعدل ولو على أنفس المؤمنين أو الوالدين والأقربين، والأمر بالوفاء بالعقود، وقولوا للناس حسنا.
كما ظهرت الأخلاق في خطب الخلفاء الراشدين حين قال أبو بكر الصديق :"أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". وقال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :"إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني" و"ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع " و"عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه." كما قال في نهج البلاغة: «انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ، وَلَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلا عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلاء،ِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ. فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلا عِلَّةٌ أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِهِ وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.كما يقول: وَأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ، فَقالُوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَيَعَاسِيبِ القَبَائِلِ، بِالأَخْلاقِ الرَّغِيبَةِ وَالأَحْلامِ الْعَظِيمَةِ وَالأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ وَالآثَارِ الْمَحْمُودَةِ فَتَعَصَّبُوا لِخِلالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ وَالأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ وَالإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَالإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الأَفْعَالِ وَذَمِيمِ الأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ، فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِه شأنهمِ...»
ولخص الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب الأخلاق الإسلامية حين قال للنجاشي : " أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيءًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيءًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك."
وفي صحيح البخاري عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن النبي كان من بين ما سأله عنه أن قال: " ماذا يأمركم ؟ " فقال أبو سفيان: " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة." متفق عليه.
على الرغم من أن تعاليم الإسلام من قرآن وسنة قد أحدثت " تغييرا جذريا في القيم الأخلاقية على أساس فرض أوامر ونواهي للدين الجديد، وخشية الله وتقوى الله واليوم الآخر "، فإن الممارسة القبلية لدى العرب لم تنقرض تماما، وفي وقت لاحق قام علماء وفقهاء المسلمين بتوسيع الأخلاق الدينية من القرآن والحديث بتفاصيل هائلة.
خصائص الأخلاق الإسلامية (2)
التوازن بين مطالب الروح والجسد فلا تمنع حاجة الجسد من الشهوات والرغبات بل تضعها في إطارها الشرعي، فقال الله "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"الأعراف32، فمن حق الإنسان في إشباع رغباته بالضوابط الشرعية مع إشباع الروح بالذكر والطاعة والعبادة
الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج فيقول الله "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"الحج78 "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا"البقرة286
لا يحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة يقول : "إنما الأعمال بالنيات"
مبادئها تقنع العقل وترضي القلب، فما من نهي شرعي إلا معه مسوغات ودوافع تحريمه فيقول الله: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً " الإسراء32 وقوله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَأوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"المائدة90-91، وكذلك الأخلاق الإسلامية تقبلها الفطرة السليمة ولا يرفضها العقل الصحيح.

No comments:

Post a Comment