Thursday, July 21, 2011

الترجمة من منظور إسرائيلي

الترجمة من منظور إسرائيلي
يقول د. إبراهيم البحراوي في كتابه "الأدب الصهيوني بين حربي 67 و73" إن الأدب يمثل واحداً من أهم وأوثق السجلات المعرفية التي يمكن الإستناد إليها في إستقاء المعلومات عن التكوينات الباطنة في مجتمع ما والتي يصعب في أحيان كثيرة رصدها عبر سائر المصادر المعرفية المباشرة من كتابات سياسية وإجتماعية وفلسفية وما شاكلها.
ويفسر السيد يا سين إهتمام المؤسسات البحثية الإسرائيلية بترجمة ودراسة الأدب العربي بمختلف عصوره بدءاً من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث بأن أي أدب يرصد العمليات الإجتماعية التي تصاحب التغيير الإجتماعي وتلقي الأضواء عليها وعلى مساراتها المتعددة بصورة أكثر بروزاً ووضوحاً وحيوية من كثير من البحوث العلمية. من هنا يهتم الباحثون العلميون بتحليل مضمون هذه الأعمال الأدبية حتى يضعوا أيديهم على مفاتيح التغير الإجتماعي في اي مجتمع وآثاره.


على ماذا يدل هذا؟ 
 
بالتأكيد إنما يدل على أن إهتمام الباحثيين الإسرائيليين لهذا الأدب بمختلف عصوره وترجمته لا تنطلق من رؤية أكاديمية، وإنما منظور التعرف على المجتمعات العربية حيث أنها مجتمعات معادية للدولة العبرية، ماذا يقول الباحث الإسرائيلي د. ساسون في هذا الشأن؟ " إن مطالعة الأدب العربي الحديث ضرورة حياتية لكل مثقف إسرائيلي ولكل قارئ إسرائيلي نبيه، إذ من دون إطلاعه على التيارات الأدبية فإن معلوماته عن الإنسان العربي ستكون مشوهة ومرتكزة على معلومات صحفية يومية، ويتعلم القارئ الإسرائيلي عن طريق مطالعة الأعمال الأدبية العربية في مجال الرواية والمسرح والشعر كثيراً من المفاهيم النفسية للإنسان في القاهرة ودمشق وفي بيروت وبغداد وحتى في أرياف مصر ولبنان وسوريا وهلم جراً ويتعرف بهذه الوسيلة على مشاكل ومتاعب الأديب العربي والإنسان العادي في نفس الوقت".


مراكز بحثية إسرائلية مختصة بترجمة ودراسة الأدب العربي وتدريس اللغة العربية في معاهدها المنتشرة في فلسطين المحتلة، يقول الدكتور محمد أحمد صالح حسين الأستاذ بجامعة القاهرة في بحث له بإسم "لماذا تهتم إسرائيل بالأدب العربي؟" "لقد كان معهد الدراسات الشرقية من أوائل المعاهد التي أقيمت في الجامعة العبرية، تم إنشاؤه عام 1926 اي بعد إنشاء أول جامعة صهيونية في فلسطين بعام واحد" كما يضيف قائلاً تضم الجامعات الرئيسية التي أقيمت في إسرائيل مثل جامعة تل أبيب وحيفا وبار إيلان و بن جوريون بالنقب وغيرها أقسام لدراسة الأدب العربي، كما تصدر هذه الأقسام والمراكز عدداً من الدوريات والمجلات التي تتناول بالبحث الأدب العربي وتنشر ترجمات أدبية لمختلف عصوره، يضيف قائلاً بأن الباحثون الإسرائيليون حاولوا تقديم أنفسهم للعالم الغربي بأنهم متخصصون في الدراسات العربية والشرق أوسطية، فنجد مثلاً أن الباحث يعقوب م. لانداو ينشر كتاباً عن المسرح والسينما في مصر بالولايات المتحدة الأميركية وإعادة ترجمته إلى اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات، يهتم الإسرائيليون بالأدب العربي الحديث وترجمته ويحظى بالإهتمام الأكبر وبالطبع بدراسات أوفي ومتابعة أدق في ضوء الصراع العربي الإسرائيلي وكانت البداية بترجمة قصة "الأيام" لطه حسين التي قام بها مناحيم كابيلوك عام 1932 كما قام نفس المترجم بترجمة قصص محمود تيمور تصور بها في تفصيل دقائق الأحياء المصرية الفقيرة بالقاهرة.
التركيز دائماً يكون على الرواية لماذا؟ لأنها تقدم صورة بانورامية شاملة تساعد الباحث الإجتماعي الإسرائيلي على إعادة التركيبة الإجتماعية للواقع المحكي ومن ابرز ما تم ترجمته إلى العبرية روايات توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس وغيرهم ومن روايات توفيق الحكيم "يوميات نائب في الأرياف "1945 و"عودة الروح" 1957 وغيرها الكثير، وكثيراً ما تنشر مع هذه الترجمات دراسات وتحليلات أدبية لهذه الأعمال المترجمة إذ يحاول بعض الدارسين أخذ العبر والتوصل لبعض الإستنتاجات بالنسبة للإتجاهات الفكرية لدى طبقة المثقفين المصرين ونواحي تفكيرهم إزاء الأوضاع الإجتماعية والسياسية الراهنة كما يقول د.ساسون سوميخ.
بالطيع كان للأدب المصري الحديث نصيب الأسد نظراً لما تحتله مصر بين الدول العربية في مجال الإبداع الأدبي من ناحية ومن ناحية أهمية دورها المحوري في الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن لا يعني هذا أن الترجمات تجاهلت الأدب العربي في الدول العربية الأخرى التي تمثل ايضاً طرف في الصراع العربي الإسرائيلي فترجمت العديد من الأعمال القصصية للأديب اللبناني توفيق عواد ومخائيل نعيمة وليلى بعلبكي وغيرهم الكثير كما تم ترجمت أعمل قصصية من العراق للعديد من الأدباء مثل ذي النون أيوب وعبد الملك النوري وغيرهم، كما تم ترجمت العديد من الأعمال الشعرية وكان للشعراء العراقيين واللبنانين والسورين دون المصرين الباع الأكبر ويعود ذلك إلى ظهور جيل من الشعراء في العراق ترأسوا الحركة الشعرية التي تعرف بالشعر الحر...
على الرغم مما تم ذكره يبدو في ظاهره اكاديمياً صرفاً يسعى لمتابعة كل ما هو جديد فإنه في الحقيقة ينضوي تحت ما سلف تناوله من قبل وهو رصد المتغيرات والتحولات الإجتماعية فلا يمكن تحليل التحولات الكبرى في أدب ما وفهمها بمعزل عن التحليل الإجتماعي للعوامل الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والعلمية.

No comments:

Post a Comment