Thursday, November 3, 2011

غربـــــــة - جزء سابع

غربة - جزء سابع


هل أتصل بها أم أتركها إلى أن تهدأ ثائرتها مما هي به، وجدت نفسي أرفع سماعة الهاتف وأتصل بها
- سعاد ما بك أأنت غاضبة
- غاضبة مما؟
- طوال الطريق في العودة لم تتفوهي بكلمة واحدة
- وماذا تريد مني أن أقول؟
- يعني ... أي شيء
- مثل ماذا؟ آهـ ... أتعني أن أقول بأن الرحلة أزعجتني والطريق وعر خاصة لمن هي بحالتي
- كيف ... وماذا تقصدين؟
- أنسيت بأنني حامل
- أهـ .... أتراك غاضبة مني لهذا الأمر ... إنني حقا آسف ولا أدري كيف أعتذر
- لا لماذا تعتذر ‎... جعلتني حامل حتى دون مشاورتي بالأمر
- كيف أستطيع أن أكفر عن هذا الخطأ
- بكل بساطة اذهب وأبتع لي قرطين بدل القرطين اللذين اضطررت لإهدائهما لأم سليمان عندما كانت تهنئني على الحمل
- ولكن يجب أن تهديك هي وليس أنت
- نعم أهدتني الثوب الذي لبسته وجلابيتك التي أصبحت بها مثل العمدة وفطير وعسل و ...
- أهـ ... فهمت .... فهمت .. حسنا لا بأس سأعوضك
- تعوضني (غاضبة) أريد القرطين فهما كانا للوالدة
- نعم ! .... ولكن ما ذنبي أنا؟
- أفهم من كلامك هذا بأنك لن تشتري لي نفس القرطين
- لا.... أقصد طبعاً سأشتري ولكن من أين أنا لا أعلم من أين ولست أدري ما شكل هذين القرطين
- لا عليك أنا سأختارهما .. ولكن يجب عليك دفع ثمنهما مهما كان غالياً ، هه موافق فلولا كذبتك لما أعطيتهما لأحد ولكن ...
- حقاً .... اتفقنا أنا موافق ولكن ليس اليوم
- لماذا ما الذي يمنع؟
- أريد التوجه لأسوان
- وماذا يفيدك التوجه لأسوان
- يعني ربما أجد الرجل الذي أبحث عنه
- (ضاحكة) أتظن أسوان مثل قرية الحاج حسين؟ أسوان مدينة يا أستاذ أتعلم ما معنى مدينة ولكن ... تعال لقد نسيت إخبارك ليلة الأمس بما قالته لي الفتيات
- هه .. ما الذي قالته الفتيات لك؟
- لا هذا لا ينفع يجب أن أقابلك
- لماذا ؟
- الموضوع جَدي يا أحمد ومهم وربما يكون به خيط يوصلنا للقاتل
- ألهذه الدرجة؟ .. تكلمي إذاً .. حسناً سأقابلك بالكافتيريا
- سأكون بالكافيتيريا بعد خمسة دقائق
- ولماذا التأخير ؟
- يا أحمد لا تسأل النساء لماذا، إلا تعلم بأمور النساء
- آهـــ نعم أمور نسائية مرة أخرى حسناً سأكون بانتظارك لكن لا تتأخري
ما أن وضعت سماعة الهاتف حتى عاد إلى الرنين فحسبتها سعاد لكنني فوجئت بموظف الاستقبال الذي أعلمني بأن السيد سليم يريد مقابلتي، فأخبرته أنني سأوافيه حالا، ولكنني كنت قد نسيت من هو سليم هذا وما أن رأيته حتى تذكرته، صديق سعيد النادل الذي يعمل بمركز الشرطة 

 
- آهلا يا سيد سليم كيف صباحك
- بخير يا سيدي، آسف لقدومي المبكر
- لا عليك يا رجل، ما رأيك بفنجان من القهوة
- لا بأس
ناديت النادل وطلبت منه فنجانين من القهوة
- هه ... ما ورائك يا سيد سليم
- لقد جئتك بصورة عن محضر الاختفاء
- حسناً فعلت هل أستطيع رؤيته
- لا ليس هنا يا سيدي ولكن فلتره في غرفتك يعني .. خوفاً من أن يرانا أحد (هامساً)
- أهـ معك حق
ناولني سليم ظرف مغلق أبيض اللون فوضعته بجيب السترة الداخلي وأنصرف بعدما دسست بيده بعضاً من النقود التي أخذها وهو ينظر يمنة ويسرة مسرعاً دون أن ينظر إلى الوراء في الوقت الذي أقبلت به سعاد والبسمة ماثلة على ثغرها، جلست أمامي قائلة
- يا أحمد إن رحلة أسوان غير ضرورية ستتعبنا دون نتيجة مرجوة، بالطبع ستكون رحلة جميلة وفسحة لطيفة ولكن ... أن تجد الرجل الذي تبحث عنه مستحيل ... فالتنسى الأمر
جاء النادل بالقهوة التي طلبتها لي ولسليم الذي ذهب دون أن يشربها
- حسناً ما الذي أخبرتك به فتيات القرية أهو عن البيت القديم
- نعم انهم يقولون بأنهم يرون في بعض الليالي أضواء خافتة تتحرك داخل المنزل، وهذا الكلام أكدته لي عدة فتيات
- ولكن الرجال، لما لم يطلعوني على هذا الموضوع
- لا أدري ولكن ربما لأنك لم تسأل أو ربما لأنهم يعتقدون بأنهم موهومون برؤية هذه الأضواء
- لماذا لم تخبريني بذلك من قبل يا سعاد، ليلة الأمس مثلاً
- صدقني كان الموضوع على طرف لساني ولكن عندما أخبرتني عن بقرة صديقك هذا اغتظت منك وذهبت للنوم وعندما تذكرته ناديت عليك لأخبرك به لكنك كنت مع الملائكة
- حسنا متى رأوا هذه الأضواء
- هم يرونها دائما، أحياناً في الأسبوع مرة أو مرتين
- يبدو أن هناك أحد يقطن المنزل، هل شوهدت الأضواء بعد الجريمة أقصد ....
- أعلم ما تقصد، نعم شاهدوها منذ ثلاث ليال فقط
- لا ... مريب هذا الأمر ألست معي؟ ولكن أتظنين أن لهذه الأضواء علاقة بموضوعنا
- أظن أنها خيط سيوصلنا للجاني
- ولكن يا سعاد القاتل لن يترك ضحاياه في مكان يستدل به عليه
- نعم .... أنا معك بهذا ولكن يخال إلي بأن براءة جميل ستظهر لو استطعنا حل لغز هذه الأضواء المتحركة
- هذا يعني أنني سأذهب هناك وأختبئ في مكان قريب من البيت القديم إلى أن تظهر هذه الأضواء فأقوم بالانقضاض عليهم و .....
- مهلاً ... مهلاً ما هذا الذي تقوله، أتراك تحسب نفسك في أحدى القصص البوليسية التي ينتصر بها الأبطال على الأشرار لا أنا لا أريد أن أزجك في مأزق يكلفك حياتك و....
- أخائفة علي لهذه الدرجة يا سعاد
- لا ولكنك ما زلت شابا وأمك ستبكي عليك كثيراً لو وجدوك مذبوحاً مثل الخراف عندما تضيع بقرة منصور مرة أخرى
- يا لك من شقية ... ولديك روح دعابة أيضاً
- هل ظننتني ثقيلة دم مثلك يا أستاذ أحمد؟ ولكن تعال لم تخبرني ما أسم الثور؟
- أي ثور يا سعاد؟
- الثور الذي يملكه السيد منصور، أليس أسمه أحمد (ضاحكة)
- لا اسمه سعيد، نعم ، نعم (حالماً) سعيد وسعاد ثنائي رومانسي أليس كذلك؟
- حسناً ولكن لتعلم بأنك قد بدأت الحرب (وهي تتوعد)
- لا أرجوك أنا أستسلم
- (ضاحكة) أخفتك أليس كذلك
- ماذا نفعل الآن؟
- نذهب لشراء القرطين كما وعدتني
- لا ... أقصد بالنسبة لموضوع البيت المسكون هذا
- يجب أن نعلم الشرطة بالموضوع ونخلي مسئوليتنا فربما سكانه من قطاع الطرق أو المطاريد إنهم مجرمون بالتأكيد يا أحمد وإلا فما الذي يجبر إنسان على سكن مثل هذا البيت لو لم يكن مجرماً
- (مفكراً) أتظنين الشرطة سوف توافق على التعاون معنا
- هذه مشكلتهم هم لذا يجب علينا أن نطلعهم على الأمر
- حسنا سأخبر صديقنا سليم الذي يعمل بالمركز فهو يستطيع المساعدة بالتأكيد، أهـ لقد نسيت (وهو يخرج المظروف من جيب السترة) هذا محضر قدمه أهل سميرة باختفائها وقد جاء به سليم قبل وصولك بقليل (قارئ) هممممم مستحيل هذا غير معقول ...
- ماذا هناك يا أحمد
- هل هذه مصادفة أم أن الأقدار تضعها في طريقنا
- ما هي أخبرني
- خذي إقرأي هنا (مشيراً لاسم مقدم البلاغ)
- (سعاد تقرأ) عبد الله عارف عبد الرحمن ، حسنا يبدو الاسم غريباً بعض الشيء ولكن ما الذي أثار دهشتك هكذا
- الاسم يا سعاد، والد سميرة هذا يكون ابن العمدة الحاج عارف يعني عمدة الخطارة
- وماذا في ذلك
- يبدو أنني لم أخبرك بالقصة كاملة يا سعاد، هناك ابنة للحاج حسين لم تقتل كانت قد تزوجت من عمدة الخطارة ولم تكن مع أبيها عند حصول المأساة ويبدو لي بأن عبد الله هذا هو ابن السيدة جميلة أي أن سميرة هي حفيدة جميلة
- يا إلهي لقد فهمت الآن فعلاً إنها مصادفة غريبة ... (مفكرة لبعض الوقت) أحمد ما يحصل هو شيء مخيف، هل يمتد الثأر لكل هذه السنوات من أجل ماذا ؟ أحمد هؤلاء وحوش
- يبدو أننا أوقعنا أنفسنا بوسط بحيرة من الدم لذا أنا لا أريد منك المشاركة بهذا الأمر بعد الآن
- أحمد لو أننا عرفنا من هم أهل سالم هذا لحصرنا القاتل، هل تعلم من أهله
- لا الشيخ نفسه لم يعلم من أي البلاد سالم
- أيعقل أن يكون الحاج مصطفى والد جميل من أهل سالم
- لا أظن ذلك ولكن حتى لو كان فلا يعقل أن يقتل أم أحفاده وزوجة أبنه
- نعم هذا صحيح إذن من يا ترى
- الحل يكمن هناك بالبيت القديم بيت الرعب ينتظر مني أن أكتشفه
- هل جننت، لن أوافقك على هذا أبداً
- عند عودتي سأطلعك على كافة ما سأصل إليه
- لن تعود (مدمعة العينين)
- أبقي هنا لن أتأخر

توجه أحمد إلى مكتب إيجار السيارات المجانب للاستقبال بالفندق وعاد بعد قليل يحمل بيده مفاتيح سيارة أوروبية الصنع مشيراً لسعاد أن تتبعه ، استقل أحمد السيارة الصغيرة التي اختار لها لون أخضر متوجهاً إلى أسواق المدينة يشتري بعض احتياجات مغامرته القادمة منظار مكبر، سماعة أذن ومصباح يد وبعض الفاكهة والسجائر ولم ينسى أن يشتري لسعاد الأقراط التي أهدتها لزوجة عبد السلام وتوجه بعد ذلك إلى الفندق ومن ثم لغرفته طالباً من سعاد إيقاظه في الخامسة بعد الظهر تماماً حيث أنه يريد التواجد قرب البيت قبل غروب الشمس لكي يستطيع دراسة المكان بطريقة وافية
جلست سعاد ببهو الفندق تفكر قلقة وتقول بنفسها إنه لا يعلم إلى ما سوف يقحم نفسه به وربما يقتل أو على الأقل يصاب لكنه على ما يبدو مصمماً على الذهاب ولن أستطيع منعه مهما حاولت لذا يجب علي مساعدته، ولكن كيف؟ اعتدلت سعاد واقفة وهرعت إلى موقف سيارات الأجرة طالبة من السائق التوجه بها إلى منزل والدها وما أن وطأت رجلاها أرض الشارع حتى طلبت من أخيها الصغير الذي كان يلعب بأنحاء المنزل مناداة أخيه عصام فأعلمها بأن عصام بالمقهى القريب وما أن طلبت منه استدعاءه حتى انطلق الصغير يسابق الريح وعاد بعد قليل يخبرها بأن عصام سيكون هنا بعد لحظات
ما أن شاهدت عصام حتى طلبت منه إن يركب سيارة الأجرة التي مازالت بانتظارها قائلة له بأنها تريده لأمر هام وعاجل
عادت سعاد إلى غرفتها يرافقها أخيها وما أن وطئت أرض الغرفة حتى قالت:

- عصام أنت أخي، فلننسى ما كان بيننا وأرجو أن تسمع مني ما أقول دون أن تقاطعني فالموضوع خطير للغاية، أنا أعمل على قضية هامة وأريد مساعدة من أحد أستطيع الوثوق به والاعتماد عليه لذا ليس لديَّ غيرك
- ما القصة يا سعاد هل هناك من يضايقك أخبريني .. أنا جاهز ماذا تريدين مني أن أفعل
- القضية خطيرة بل خطيرة جداً وبالطبع سوف يكون هناك نقود مقابل العمل الذي سوف تقوم به
- حسناً قلت لك بأنني جاهز، ماذا تريدين مني؟
- إنتظر لتسمع بقية القصة فربما تغير رأيك
جلست سعاد على المقعد قرب أخيها تحدثه عن حادثة القتل و ما تلاها من أمور هامة وأخبرته عن قصة سالم والحاج حسين والمجزرة التي وقعت هناك وما تبعها من المآسي، تغير وجه عصام وبانت على أساريره الدهشة والاستغراب مما يسمع وما أن إنتهت سعاد من سرد روايتها حتى قال لها عصام
- هذه القصة ... أعني ما تقولينه أهي حقيقية أم نسيج خيال ...؟
- عصام كل ما حدثتك به هو واقع جرى ويجري الآن
- هذا غير معقول، ما تقولينه يا سعاد شيء لا يصدق وأنت .. أين أنت من كل هذه الأمور
- أعلم هذا ولكنه حقيقي يا عصام .. بالنسبة لي فأنا محامية السيد جميل
- حسنا وماذا تريدين مني، أي ما الذي أستطيع فعله؟ أيقاف هذه المجازر أم ماذا؟ (متهكماً)
- عصام أرجوك لا تستهزأ بالموضوع فأنا كما أخبرتك إنه خطير جداً ولك أن ترفض إذا أحببت
- المشكلة يا أختي ليست إن كنت أحب أو أكره، المشكلة أن هذا الموضوع إن كان كما تقولين هو مخيف ..ألست معي بهذا؟
- تقصد مرعب؟
- نعم مرعب ومخيف جداً
أشعلت سعاد لفافة تبغ متوجهة إلى شرفة غرفتها قائلة :
- الاستاذ أحمد ... تذكره طبعاً الرجل الذي صادفته بالقطار (وهي توجه نظرها إليه .. فأشار لها برأسه بأنه ما زال يذكره) الاستاذ أحمد سيكون الليلة هناك قرب البيت الذي حدثتك عنه ليراقب من يتواجد بالمنزل ليعلم من الذي يضيئه في بعض الليالي كما أخبرتك وأظنه سوف يحتاج لمساعدة من شاب قوي مثلك ولا تنسى بأنه غريب عن البلاد، فإن وافقتني على ما أريده منك وإلا سأحاول أن أجد إنسان آخر غيرك ليقوم بهذه المهمة فكر بالأمر ولكن ليس لفترة طويلة حيث أنه سينطلق من هنا حوالي الخامسة والربع قبل المغرب والآن الساعة تشير إلى الرابعة والنصف أي أننا لا نملك الكثير من الوقت
- (بعد قليل من التفكير) وماذا تريدين مني فعله؟
إلتفتت إليه بسرعة قائلة :
- أن تراقبه
- أراقبه، حسبت بأنك تريدين مني أن أساعده
- لا أريده أن يشعر بك ، كن مثل ظله راقبه وعند الخطر قدم له يد المساعدة
- لماذا لا تبلغون الشرطة بهذا الأمر كي يتصرفوا هم ...
- عصام أرجوك كف عن هذا وأخبرني إن كنت حقاً تريد مساعدتي أم لا
- حسناً متى تريدين مني التوجه إلى هناك
- (فرحة) الآن لو إستطعت ولكن ... يجب عليك أن تحضر لنفسك بعض الأشياء ... خذ هذه النقود (تفتح محفظتها وتخرج منها رزمة من النقود) أشتري منظاراً .. وماذا يا سعاد ماذا .. اهـ نعم و سماعة أذن (وهو ينظر إليها بدهشة) ومصباح يدوي وبعض الفواكه والسجائر ولكن أرجوك إنتبه إلى نفسك جيداً
انصرف عصام بعد أن وعد أخته بأن يعمل حرفياً بما أخبرته به وبأنه سيتوجه من فوره إلى هناك بعد أن عرف منها عنوان القرية ومكان البيت القديم

توجهت سعاد إلى بهو الفندق بعد أن انصرف أخاها تعد الدقائق إلى الساعة الخامسة ... توجهت إلى الهاتف لتتصل بأحمد ولكن لم يجبها أحد على الطرف الآخر فأعادت المحاولة مراراً وتكراراً ولكن لا مجيب وأخيرا قررت أن تدق على باب غرفته لعل ذلك يوقظه من النوم ولكنها لم تستفد كثيراً من هذا الأمر فذهبت إلى موظف الاستقبال الذي أخبرها بأن الأستاذ أحمد قد غادر الفندق منذ الساعتين وترك لها هذه الرسالة ..
سعاد،، لم أستطع النوم ... قررت الإنطلاق مبكراً لكي أستطلع المكان لا تقلقي علي ... سأتصل بك عند عودتي ..
أحمد

2 comments:

  1. عقلية الثأر
    هل يمكن حقا ان تترسخ عقلية الثأر كارث يتناقله الاجيال ؟
    يبدو مما ورد في هذا الجزء ان الامر كذلك وربما تعتبر هذه العقدة التي قد تقوض اطمئنان القري واستقرارها بل وتحصد في طريقها ابرياء عدة . فما ورد علي لسان سعاد واخاها والقصة الني رواها الحاج عبد السلام كلها تصبّ في ذات المنحي .
    وكأن الكاتب يقف علي مفارقات عدة بوضع اصبعه علي هذا الداء الذي يعتبره كالنقطة السوداء والتي قد تحيل وتغطي كلّ تلك المزايا للقري . فهل لبقاء القرية منغلقة علي ذاتها كمجتمع داخل مجتمع اكبر ورفضها الانفتاح علي المدن وبالتالي تسرب مفاهيم اخري هو من تركها عرضة لهذا الفيروس .ام ان عجز الحكومات علي فرض القوانيين ترك لعصبية الثأر تتغول وتصبح لها اليد العليا داخل مجتمع القرية .
    فالاندهاش لم يصب الكاتب الغريب عن هذه البيئة بل ايضا سعاد واخيها اصيلي هذه المنطقة .هذه المنطقة السياحية والاثرية وذات الكنوز الحضرية والتي لها جذور الاف السنين عجزت عن فك عزلة هذه القري المحيط والتأثير في اخلاقياتها وربما التشابه الذي يسجله الكاتب هو :مثلما ان لهذه المنطقة جذور تاريخية واثار شاهدة علي التجذر فان اخلاقيات ونمط تفكير هذه القري لها نفس الخاصية .فكليهما من طينة واحدة ويصعب ان لم نقل مستحيل الغائها . لكن الي متي يمتد هذا المسلسل الدموي الذي انبني علي حالة شك .
    والغريب في الامر ان هذه الظاهرة تصبح عبئا ولزاما حتي علي المتعلمين والذين غادروا تراب قراهم .فبماذا نفسر ذلك ؟
    ربما اشار الكاتب تلميحا لاحد الاسباب الهامة في الجزء الفارط وهو :الانقطاع المبكر عن التعليم ولكن هل التعليم في مثل هذه البيئة هو صمام امان وسدا منيعا امام استشراء ظاهرة الثأر. ابدا بدليل ان الكثيرين يجدون انفسهم منساقين في اتون هذه الظاهرة حتي دون ارادة منهم .السبب الثاني وورد ايضا في الجزء الفارط علي لسان والد سليمان عندما قال للكاتب "هذه القرية لايزورها الغرباء بما فيهم السياح " وبالتالي غياب التلاقح وانتقال الافكار والتواصل مع محيطها الخارجي وكيف يتم لها ذلك وهي مازالت تعيش بطريقة تقليدية .
    وقد ذكر الكاتب ان الحياة داخل القري والتي لقلة متساكنيها فيصبح كل فرد معلوم ومعروف وحتي حركاته مراقبة من طرف البقية فلربما لو كانت فاطمة تعيش في المدينة حيث يصبح الناس اغراب لما تعرضت للتلسين ولكن بما ان فضاء القرية ضيق فتصبح للحركة صداها الجمعي حيث المرىء لايملك نفسه انما ملك للمجتمع القبلي او القروي الذي يعيش فيه . ففي حركة مقارنة بين سعاد والتي ساعدتها بيئتها وربما تعليمها علي التمرد والصمود والوقوف حتي في وجه اخيها نري فاطمة قد سلبت حق اختيار من تحب بل كانتقام منه و منها تم التخلص من سالم وجميع عائلته . وربما شعورا منهم انه غدر بهم وخان ثقتهم وتنكرّ لهم بان اعتدي علي شرفهم مع انه رغب في الزواج من فاطمة ولم يكن هناك ما يوحي بانه اقترف ما يشين الا انه دفع ضريبة الشك بهلاكه وهلاك كل عائلته .وكأن الكاتب اراد ان يقول ان سالم وفاطمة كانا ضحية مجتمع متشدد وشديد المحافظة وبالتالي عملية قتله وعائلته كانها غسل لذنب لم يقترف بل واسترداد عائلة فاطمة لهيبتها الاجتماعية .

    ReplyDelete
  2. اذا هي مجتمعات تعيش من اجل ولاجل الحفاظ علي ما يسمي بالهيبة والقبول الاجتماعي .
    الامر الثالث الذي يفسر بقاء عقلية الثأر وان وردت في الجزء الفارط بشكل ايحائي وهو غياب اي دور اعلامي او تثقيفي فلنتذكر قول الكاتب عند حديثه عن ان الحياة في القري علي ضوء السراج والقناديل تحمله لاحضان الف ليلة وليلة وهذا يعني ان هذه القري لم تتمتع بعد بالخدمات التي تتوفر عليها المدن بل حتي في الفنادق التي تحيط بها وبالتالي غياب خدمة الكهرباء بل وخدمة التواصل السريع مع العالم من حولك ونحن نتذكر قول الكاتب وهو يشكر التقنيات الجديدة التي يسرت له عمليات تواصله بمركز عمله وقضاء شؤونه .وهذه التقنيات ليست فقط خدمة مادية بل تسحب وراؤها قيم اخلاقية فتؤثر في سلوكيات الناس ونمط حياتهم وتفكيرهم .وهذا ما تفتقده القري كليا .وكأن الكاتب يعتبر ان الحكومات ليست فقط متقاعسة لعجزها عن تطبيق القوانين بل ايضا فشلها في تحقيق تنمية حقيقية داخل القري تجعلها في انفتاح علي العالم الخارجي وتفك من عزلتها. هذه العزلة والانغلاق مثلما حافظا علي سحر القري الا انهما ايضا ساهما في تعشيش قيم بالية ومستحكمة كعادة الثأر. وكأن بالكاتب يقول ان الثأر الحقيقي يجب ان يكون من هذه الحكومات الفاشلة التي رعت الجهل والامية والتخلف كوسيلة لتنفيذ اغراض فئة محددة ومصالح ضيقة علي حساب الاغلبية .والكاتب يوحي بان هذه المجتمعات التي يقهرها الجهل والفقر هي التي تزيد من اعمار هذه الحكومات الفاسدة.وراينا موقف سعاد السابق من القضية حين قالت ان هم القضاء هو لملمة القضية حتي لايتزعزع الامن السياحي للمنطقة ؟
    واهمية العلم يبرزه الكاتب ليس في موقف سعاد وتعاونها معه بل ايضا في التمكين من البحث والتنقيب والتحليل السليم في تتبع سير قضية جميل .
    فأحمد الغريب عن البلد وسعادالتي تعاني غربة داخل الوطن يجمعهما شعور واحد وهو: الوصول لشط الامان في قضية جميل . جميل الذي لم يجد مساعدة من الاقرباء وجدها من صديقه وسعاد .بل بلغ الامر بهما الي المغامرة والتضحية ومسابقة الزمن لبلوغ الحقيقة .الحقيقة التي فشل القضاء في بلوغها .وهذا مؤشر لفشل المنظومة القانونية داخل اقطارنا وغياب الضمير المهني والحرفية والآليات لتحقيق العدالة .فيبدو ان المنظومة القانونية تعمل لطمس العدالة ليس الاّ.
    طريقة تحرك الكاتب وتخطيطه والوسائل التي يعتمدها تدل علي معرفة او لنقل علي اطلاع علي كيفية البحث والتفتيش .صحيح ان روح المغامرة تكسوه ولكن الاسئلة التي يطرحها وخطة العمل التي يقترحها وآلياته (شراء ما يلزمه للمراقبة ....رشوة الشرطي ..) وخارطة تحركه كانها تكشف تمرس بهذا المجال .دون ان نغفل ايضا وفائه اللامحدود لصديقه وربما لبداية اقتناعه الفعلي ببرائته . فهل سيتمكن من كشف مسلسل الدم ؟ باعتبار ان الجريمة ولدت جرائم ؟....
    الشيىء المدهش ان الوقائع والاحداث لهذه القصة الحقيقة تفوق قدرة القارىء علي التخيل ولكن ايضا تكشف لنا معدن العربي الوفي لقيمه مما يجعله يقدم التضحيات .فالامر الايجابي هنا ان الكاتب يعلي القيم السامية المتأصلة داخل الانسان العربي فعبر احمد وكأننا نطمئن بان الاصل باقي وان جوهر الوفاء لم يخدش بعد .....
    قصة تجمع بين الاثارة والمغامرة وتعري واقعا متغيرا وآخر ثابت ومتجذر في روح الشرق....قصة تهدف الي اعلاء القيم الانسانية الحقة لانها الابقي .....شكرا حكيم

    ReplyDelete