Tuesday, November 8, 2011

غربـــــــة - جزء تاسع

غربة - جزء تاسع

انطلقت سعاد صوب باب الغرفة بسرعة متوجهة إلى غرفتها والدموع تملأ عينيها، أما أحمد فقد فوجئ بما حصل لكنه تمالك نفسه وأخرج رُزمة الرسائل محدقاً بها طويلاً ثم عاد إلى سريره وهو يفض الرسائل ويقرأها واحدة تلو الأخرى
أما سعاد التي خرجت مسرعة من غرفة أحمد وعيناها تمتلئ بالدموع توجهت إلى غرفتها وألقت بنفسها على السرير تُجهش بالبكاء متسائلة إن كانت قد أخطأت عندما أطلعته على ما حصل منها ليلة الأمس، و تساّءلت طويلا هل سيكرهها الآن ويعلم كم أنها كانت أنانية لأنها أباحت لنفسها الإطلاع على أسراره، إنها تشعر بكراهيتها لنفسها لما صدر منها فكيف لا يكرهها هو ولكنها اعترفت له بأنها تحبه نعم تحبه وهذا هو السبب الذي دعاها لمعرفة ما بينه وبين حبيبته السابقة، ولكن هل هي حبيبته السابقة وما طبيعة العلاقة بينهما وهل هذا يبرر برأيه ما فعلته، كيف ستقابله بعد الآن وكيف ستكون نظرته إليها وقد خانت أمانته
توجه أحمد إلى سيارته بعدما غادر الفندق متجهاً إلى مركز الشرطة، قابل سليم بعدما ركن سيارته بموقف المركز، أطلعه على ما توصل إليه من معلومات طالباً منه التقصي عن أية معلومات تفيد عن هوية أهل سالم، وعده سليم أن يجيل النظر بالملفات القديمة ليرى ما إذا كان هناك أية معلومات وبأنه سوف يتصل به لاحقاً، أعطاه أحمد رزمة بها بعض الطعام والسجائر لصديقه جميل وأوصاه أن يهتم به ثم توجه من هناك إلى منزل الحاج مصطفى والد جميل ليستعلم منه ويطمئن على أخبار والدة جميل وما أن وطأت رجلاه أرض المنزل حتى سارع الحاج مصطفى إلى استقباله والترحيب به قائلاً
- لقد توقعنا زيارتك بالأمس يا ولدي، وقد أخبرتُ الحاجة أم جميل بأنك قد قدمت من السفر فسُرت كثيراً ولاحظت عليها والحمد لله بعض التحسن
- لقد شُغلت قليلا بالأمس يا عم ولكنكم لم تفارقوا مخيلتي على الإطلاق وما منعني عن زيارتكم إلا لأنني أسعى إلى تبرئة أخي جميل، وها أنا
- آهلاً وسهلاً يا ولدي الغداء عندنا إنشاء الله
- لدي بعض الاستفسارات يا عم بشأن حادثة وقعت منذ حوالي خمسون عاماً أو ربما أكثر قليلاً وأظن بأن كشف غموضها سوف يساعدنا على حل مشكلة جميل
- ما هي هذه الحادثة وأين وقعت؟
- في الجوار بقرية تدعى الحاج حسين... في الطريق إلى اسوان
- ماذا؟ الحاج حسين تعني ...
تغير وجه الحاج مصطفى وبدا عليه الوجوم والقلق عندما سمع أحمد يذكر حادثة القرية وبدا لأحمد أن الحاج لا بد وأنه يعرف شيء عن هذه الواقعة وإلا لما وجم فسأله
- ما بك يا حاج؟
- لست أدري ولكن يبدو لي أنك قد فتحت باباً من أبواب الجحيم على هذه الأرض
- لماذا يا عم وهل تعرف شيئاً عن هذا الموضوع؟
- لم أشاهد الوقائع وما حصل ولكنني سمعت ولكن هذا حصل منذ أمد بعيد بعيد جدا قبل أن يأتي جميل بخمس وعشرون عاما على الأقل
- أعلم هذا ولكن ما الذي أصابك بالهلع يا حاج؟
- أن تكون قضية أبني لها علاقة بهذا الموضوع الذي مضى منذ أمد بعيد، ولكن ما الذي دعاك إلى التفكير بأن للموضوعين علاقة
- شيئان أولاً سميرة هي ابنة أبن السيدة جميلة والتي بدورها ابنة الحاج حسين هذا
- وثانياً؟
- ثانياً أن سميرة قتلت بنفس المكان الذي وقعت به الأحداث القديمة ولا أستطيع أن أقول بأنها مصادفة لأنه لا يعقل أن تتصادف كل هذه الأشياء مجتمعة
- حسناً ولكن ما علاقة ولدي جميل بكل هذه الأشياء ؟
- ألا يعرف جميل بهذه القصة ؟
- ربما .. لست متأكداً ، إنها قصة قديمة كما تعلم وكثير من شباب جيله يجهلها ومن يعرفها يعتقد بأنها خرافة أو قصة من قصص الجان
- كم كان عمرك يا حاج عندما حدثت هذه القصة؟
- أعتقد بأنني لم أكن أتجاوز العشرين سنة لماذا يا ولدي
- هل تعلم من هم أهل سالم ومن أي القرى هو
- انظر يا ولدي إن كنت تعتقد بأن لقصة سالم علاقة بقتل سميرة فأنت مخطأ
- لماذا يا عم؟
- لأن سالم لم يبقى له على وجه الأرض سوى أخ وخالة، أخوه كان مريضاً ومحموماً عندما ذهب سالم بعشيرته إلى بيت الحاج حسين وهذا ما أبقاه حياً لدى خالته التي إعتنت به .. أما الخالة فقد توفت إلى رحمة الله منذ أمد بعيد ولم يبقى سوى هذا الأخ الذي ما زال حياً يرزق
فوجئ أحمد بهذه المعلومات الغير متوقعة تنساب من فم الحاج بكل سهولة ويسر وثقة .. لكنه إلى الآن لم يعرف من هو أخو سالم هذا فلا بد أن له ضلع بارتكاب هذه المجازر الوحشية
- أرجو أن تذكر لي اسمه يا حاج
- ولماذا أذكر لك أسمه يا ولدي .. أنت تعرفه
- أنا أعرفه معقول؟
- قلت لك بالمرة السابقة عندما رأيتك لأول مرة بأنني لم أكن موافقاً على زواج جميل من سميرة ولكنني لم أذكر لك الأسباب الحقيقية لعدم موافقتي
- أتعني بأنك كنت تعلم بأن سميرة هي ابنة .....
- حفيدة الحاج حسين
- حسناً ولكن ما علاقتكم أنتم .. أتعني بأنك كنت تخاف أن يتكرر.. لا أنت تعني بأنك أنت هو الأخ الذي بقي على قيد الحياة .. يا إلهي ما هذه المصادفة الغير متوقعة لقد سمعت أحد يذكر هذا ولكنني لم أصدق
- تصدق ماذا؟
- بأن يكون لك علاقة بالموضوع
- أخشى بأنك قد أخطأت فهي، إنك تبحث يا ولدي في الطريق الخطأ، كنت أظن بأنها مصادفة أن تقتل في هذا المكان ولكن يبدو بأن من قتل أم أحفادي قد دبر الأمر جيداً لتبدو الجريمة وكأنها امتداد لثأر قديم، ولكن صدقني فالأمر ليس كما ظننت
- الأمور تعقدت جداً، أكثر مما كنت أتصور، من إذاً هذا الداهية الذي عرف بالأمر كله وكان له منفعة من قتل سميرة فدبر هذا الأمر ليبدوا كما امتداد لثأر، أخبرني يا عم أهناك أعداء لك أو لجميل
- لا أدري يا ولدي، فأنا لا أختلط بالناس إلا قليلاً ولم أعرف من الناس إلا النذر النادر، عودتني الحياة بعد قتل عشيرتي أن أحيا وحيداً، كان من الصعب علي أن أرى الناس، في الوقت الذي لم يكن لي أحد
- أتذكر يا عم ماذا حدث عندما جاءكم سالم يريد خطبة فاطمة

إبتدأ الحاج مصطفى يسرد القصة وهو يغوص بأعماق الماضي يحاول إسعاف ذاكرته الضعيفة قائلاً:
- كنت أيامها بريعان الشباب وكان سالم يسبقني بخمس سنوات شاب يمتلئ حيوية ونشاط يحسده عليها كل الشباب وكان وسيم بهي الطلعة كوالدي رحمة الله عليه، ليلة قدومه كنت نائماً في غرفتي وسمعت أصوات هرج خارج الغرفة وعندما أردت الخروج سمعت سالم يكلم والدي بحكاية حبه لفاطمة وأعلمه ما جرى من الحاج حسين وكيف أنه وافق على شرط قدومه بأهله جميعهم، والدي رحمه الله لم يوافق أبداً لأنه لم يكن يريد لأبنه الأكبر أن يتزوج من خارج العائلة كان يريد أن يحافظ على نسب العائلة وخلوها من الدماء الغريبة ولكن إصرار أخي المتواصل بمساعدة والدتي رحمها الله هو الذي جعل والدي يتوجه مرغماً إلى قرية الحاج حسين، أذكر جيداً بأن الحمى داهمتني الليلة التي سبقت مغادرتهم وكأن الله جل وعلا لم يرد لي الموت معهم، تلك الميتة البشعة رحمهم الله جميعاً، ليلتها أصر والدي على تأخير موعد ذهابنا ولكن أخي أخبره بأن الحاج حسين لم يمهله أكثر من أسبوع للذهاب والعودة لذا قرر الوالد إبقاء والدتي معي لكنها رحمها الله أبقت أختها بدلاً عنها لتفرح قلبها بزفاف ولدها الأكبر حيث أنه كان الزفاف الأول في عائلتنا والأخير والذي بالطبع لم يحدث ، ودعناهم والرأس يذوب من جراء الحمى الشديدة حتى أنني أذكر بأن والدي قبلني قبل مغادرته وشاهدت دموعه تترقرق من عينيه وكأنه رحمه الله يودعني الوداع الأخير
امتلأت عينا الحاج مصطفى بالدموع وهو يذكر والده الحنون الذي أقبل على رأسه يقبله ويشمه وعيناه تغرقان بالدموع قبل توجهه مع أخيه سالم إلى حتفه ومصيره وكيف أنه رآه يغادر باب غرفته و لم يره بعد ذلك أبدا أكمل الحاج مأساته قائلاً :
- ذات يوم طرق منزلنا رجل يسأل عن جدي رحمة الله عليه كان يبدو عليه مشاق السفر والتعب وكنت قد شفيت مما بي استقبلته وأخبرته بأن جدي قد توفى منذ فترة من الزمن وبأن الوالد ربما يكون في طريق العودة إلينا فأخبرني بأنه قادم من الجزيرة موطن الأجداد وبأن جدي هو أبن عمه فاستضفناه وأخلينا له غرفة بالمنزل كان ذلك بعد أسبوع من مغادرتهم كان شديد الشبه بجدي لذا تعلقت نفسي به وكنت أحادثه ويحادثني لساعات طويلة، إلى أن جاء ذاك اليوم، كان يوماً رهيباً ذلك اليوم الذي تناقل الناس أخبار ما حدث لأهلي لم تصدق أذناي ما تسمع ولكن ما أن طالت الأيام حتى ابتدأت أتقصى ما حدث لهم وتأكد لي بأنهم قد غادروا دنيانا هذه بليلة غادرة، فأخبرت عمي ما تناقلته ألسنة الناس من الأخبار وما تناهى إلى سمعي من أنباء فلم ينبس بشفة ولم يحرك ساكنا، رأيت الصمت يخيم عليه، كان يجلس أمام قبر جدي هنا في الحديقة وكأنه يحادثه لساعات طويلة، وذات صباح جاء إلي وبين يديه صرته قائلاً أنه سيغادرنا وربما يعود ولكن لا يدري متى، ودعته بعدما حسبت بأنني وجدت من يعوضني عن والدي واخوتي الذين فقدتهم، إمتدت الأيام طويلة منذ مغادرته ولم نعد نسمع عن أخباره شيئاً إلى أن جاء ذات ليلة كما جاء أول مرة منهك تعباً ولكنه هذه المرة، رقد لمنتصف الليل وأنا بجانبه أرعاه والحمى تزاوره بين الفينة والأخرى وتثقل رأسه وابتدأ يتلفظ بكلمات مبهمة لم أفهم منها شيئا في البداية ولكني حسبته يكلم جدي وتبين لي بعض كلمات جمعتها معاً فكانت لقد أبيدوا عن بكرة أبيهم فأرقد بقبرك هادئ ودع روحك تهنأ بجنة الخلد، اغرورقت عيناي بالدموع وأنا أراه يودع هذه الحياة بعدما قال لي:
- يا مصطفى يا ولدي لقد رزقت بالصبر فأصبر يا ولدي ولقد أخذتُ من الظالم ثأركَ الآن تستطيع روح جدك أن تعود لبارئها هانئة وسترتاح روحي إلى الأبد
- لا أفهم ما تقصده يا عم
اعتدل عمي بجلسته قليلاً وهو يحدثني بجهد كبير متكئاً على ذراعي وقال :
- كنت متوجهاً لأرض الشام في تجارة لي، يومها طرقت روح جدك أحلامي ثائرة تخبرني بأنكم في خطر وتحثني على القدوم إليكم بسرعة وكان جدك يا ولدي ابن عمي وصديق طفولتي وأخي بالرضاعة وهالني ما سمعت من روحه عندما أيقظتني روحه الحبيبة الطاهرة رأيت الدموع تنسكب على لحيتي فتوجهت براحلتي أقطع السهول والقفار إليكم وكانت روحه معي في كل خطوة أخطيها دليلاً لي في هذه الأرض الغريبة إلى أن أتيتكم وعلمت ما حدث لأبيك وأعمامك والعائلة، عادت روح الحبيب تحثني على أخذ ثأرك وتوصيني بحفظك من المكروه، عندما رأيتك يا مصطفى وكأنني أرى جدك عندما كان بعنفوان شبابه لشد ما تشبهه يا ولدي فنم قرير العين مرتاح
قال الحاج مصطفى
- وأسلم عمي الروح لبارئها بعدما تلفظ بالشهادتين، غسلناه وكفناه وجعلنا قبره مع جدي هناك (وأشار لقبر كبير يجاور شجرة ظليلة في حديقة المنزل) بعده بفترة وجيزة توفت خالتي وتركتني وحيداً في هذه الدنيا ولم أكن أتجاوز العشرين من عمري، أهـ الحياة كلها شجون يا ولدي
- وبعد ذلك يا عم ألم تسمع شيئا عن قرية الحاج حسين
- ذهبت هناك عندما بلغت الخامسة والعشرين من عمري ورأيت البيت الذي ذبح به والدي رحمه الله وسألت عن قبورهم أهل القرية فأخبروني بأن الحاج أمر بحفر حفرة كبيرة وضعوا كلهم بها وأهالوا عليهم التراب بعد ذلك عدا سالم الذي ألقاه الحاج حسين في البئر بعدما فصل رأسه عن جسده
- ماذا تقول، ولكن لماذا .. أنا لا أستطيع فهم ما حصل هناك أهي طقوس شيطانية أم ماذا، ما الذي حصل حتى يستوجب كل هذا القتل الدموي لإرضاء غروره واعتداده بنفسه أم ماذا
- هي نزوة أستغلها الشيطان يا ولدي وما حصل قد حصل و انتهى منذ أمد بعيد ولكن أن يفتح الموضوع من جديد في هذه الجريمة الجديدة فهذا الذي لا أفهمه أبداً
- حيرتك ليست بأشد من حيرتي يا حاج ولكن أخبرنا أهل القرية بأنهم يرون ..
وروى أحمد للحاج ما حصل معهم وبأن أهل القرية يرون في بعض الليالي أضواء تتحرك داخل البيت وهم متأكدون بأنها ليست تخيلات وبأنها حقيقية ولكنهم لا يعرفون ما هي
- في أي الليالي تظهر هذه الأضواء
- أظن في الليالي المظلمة التي يختفي بها القمر (مفكراً) يا إلهي كم أنا غبي
- مابك يا ولدي حاشا لله أن تكون غبي
قص عليه ما حصل معه ليل البارحة وبأنه لم يكن لهم أن يتواجدوا هناك حيث أن القمر كان بدراً ساطعاً كالشمس المشرقة وبالطبع لم يروا أحداً هناك
- لا عليك يا ولدي فأنت الآن تعلم المكان جيداً ، مع أنني لا أظن بأن للمكان صلة بالحادث
سمع أحمد صوت طرقات على باب المنزل ورأى الحاج ينادي على أبنته لترد على الطارق فقال له
- يا عم أنا متأكد بأن للبيت كل الصلة بهذه الجريمة خاصة بعدما سمعت منك هذه القصة المؤثرة
- كيف يا ولدي
- ستسمع عني يا عم عما قريب
اعتدل أحمد واقفاً يطلب الأذن بالمغادرة لكن الحاج مصطفى الذي استشاطت عينيه غضباً قال له :
- هذه ثاني مرة تأتي بها إلينا ولا تأكل من طعامنا و ..
- أعذر تسرعي يا عمي (وهو يجلس مرة أخرى) لقد نسيت وفي ذهني أمور أحببت التأكد منها
- لا عليك يا ولدي
نادى الحاج مصطفى على ابنته التي لبت نداءه وأخبرها أن تسرع بإحضار الطعام فأخبرته بأن كل شيء جاهز فجلسا يأكلان من الطعام
أما سعاد قد أمضت صباحها تترقب اتصال أحمد بها ، رأته وهو يغادر الفندق من شرفة غرفتها وبيده صرة صغيرة متوجهاً إلى سيارته فانطلقت تعدو خارج الفندق إلى سيارتها أدارت محركها بسرعة محاولة اللحاق به، رأته يتوجه إلى مركز الشرطة وبيده الصرة وشاهدته يغادر المركز بعد فترة من الزمن دون الصرة متوجهاً في طريق جانبي إلى مكان تجهله فتوقعت بأنه قد أخذ بعض الأشياء لصديقه جميل ولكنها لا تدري الآن إلى أين يتوجه بعد عشرة دقائق من السير في ضواحي المدينة الأثرية شاهدته يترجل من سيارته بعدما أوقفها قرب أحد المنازل القديمة بمحلة الصيادين ويتوجه إلى المنزل ورأت شخص عجوز يستقبله معانقاً ويدخله المنزل، أوقفت سيارتها بعيداً بعض الشيء عن المنزل وتوجهت ببطء وكأنها تتنزه تستطلع من حواف سور البيت تستكشف المكان علها تعرف ما يفعله أحمد هنا، وعندما طالت الدقائق وامتدت إلى حوالي الساعة سألت بعض الفتية الذين شاهدتهم يلعبون هناك عن صاحب هذا البيت فأخبروها بأن صاحبه هو الحاج مصطفى وعندما تأكدت بأنه منزل جميل اعتدلت مفكرة وتوجهت إلى سيارتها مخرجة بعض الأوراق منها واتجهت إلى البيت بخطى سريعة، وطرقت الباب لمرتين قبل أن تجد أمامها فتاة جميلة سألتها عما تريد فردت عليها
- أهذا هو منزل الحاج مصطفى والد السيد جميل موكلي
لم تفهم الفتاة شيئاً مما تفوهت به سعاد لكنها أجابتها بأن هذا هو البيت المقصود
- حسنا أنا هنا لمقابلة الحاج أهو والدك
- نعم ، ولكن والدي مشغول الآن، ماذا تريدين منه
- أخبريه بأنني محامية أخيك جميل وبأنني أريد التحدث معه
- حسنا تفضلي من هنا
توجهت الفتاة بسعاد إلى غرفة الضيوف الخاصة بالنساء وذهبت تعد المائدة لوالدها وضيفه ونسيت إخبار أبيها بشأن سعاد
- تفضل يا ولدي على الرحب والسعة
- بعدك يا عم
- بسم الله الرحمن الرحيم أرجو أن يعجبك طعامنا
- هو لذيذ بلا شك يا عم
وهنا سأل الحاج مصطفى ابنته عمن طرق الباب وكان قد مضى حوالي العشرة دقائق على وجود سعاد بالبيت فتذكرت الفتاة موضوع سعاد وأخبرت والدها بأن هناك امرأة تقول بأنها محامية أخيها جميل وبأنها تريد رؤيته فأخبرها أبيها أن تعد لها طعام الغداء وبأنه سوف يراها فور الانتهاء من تناول الغداء، توجهت الفتاة حسب أوامر أبيها بالغداء إلى سعاد التي كانت تشتعل غيظاً وهي تنتظر أن يوافيها الرجل العجوز وفوجئت بالفتاة وهي تحمل إليها الطعام وتخبرها بأن والدها سيوافيها بعد انتهائه من تناول الطعام حيث أنه لديه ضيف يتناول معه الغداء ولن يستطيع أن يراها الآن، جلست سعاد على مقعد جانبي تراقب الفتاة الجميلة وهي تعد الطعام لها وتتساءل في قرارة نفسها هل هو هنا من أجل جميل أم من أجل هذه الفتاة الجميلة، لماذا لم يخبرني عنها سابقاً ولماذا أتى اليوم إليهم وقد أخبرني سابقاً بأنهم لا يعرفون أي شيء عن القضية بعدما سألهم طويلاً، لا بد بأنه هنا من أجل هذه الفتاة وهي هل تحبه إنها جميلة ولكنها ليست أجمل مني، ولكن ربما يعجبه بساطتها وطبيعتها الهادئة كلمتها سعاد قائلة:
- ما أسمك
- هناء وأنا أخت جميل الصغرى
كم عمرك يا هناء؟
- عشرون عاماً
- أهـ ألم تكملي تعليمك
- أكملت الثانوية .. وبعدها أخبرني والدي بأن أبقى بالمنزل لرعاية والدتي فقد أصبح العمل داخل المنزل شاق عليها والفتاة عندنا لا تحتاج أكثر من شهادة الثانوية لكي تعلم أطفالها وتستطيع القراءة
- الا تفكرين بالجامعة أقصد أن تكملي تعليمك
- لا لماذا
- يعني لتعملي
- أعمل .. لا .. لا .. عمل المرأة هو رعاية بيتها وزوجها وأطفالها
- ولكن الحياة تغيرت الآن وعلى المرأة مساعدة زوجها فالغلاء مستشري والمتطلبات كثيرة و ....
- غلاء .. لا أدري ربما
- كيف الا تذهبين للتسوق ؟
- أذهب مع والدتي
- حسناً ألم تلاحظي بأن الأسعار تتبدل يوماً بعد يوم
- وما علاقة هذا بعمل المرأة
- راتبها سوف يساعد الرجل ويحسن من دخلهما
- حياتنا هنا عادية لم يختلف علينا أي شيء هل أنت من الأقصر
- نعم ولكني أقطن القاهرة
- ربما الحياة عندكم تختلف عن حياتنا
- الآ يهمك أن تلبسي وتأكلي وتتنزهي وأن ....
- (ضاحكة) أنا أفعل كل هذا
- حسنا كل هذه الأشياء تحتاج للمزيد من النقود (وهي تأكل) مثلاً الطعام بالمطاعم مكلف
- نحن نأكل في بيوتنا فلماذا نأكل بالمطاعم
- يعني لأجل التغيير والملابس تكلف أيضاً
- لقد تعلمت من والدتي تفصيل ملابسي وأستطيع تفصيل كل ما أراه بالمجلات
- كل شيء
- نعم كل شيء
- الا تحبين مثلاً أن يكون لك شخصية مستقلة
- طبعاً لي شخصيتي التي ولدت بها وأنا مستقلة برأي وهذا ليس له علاقة بالعمل، والدتي مثلاً لا تعمل وها هو والدي لا يفعل شيئاً إلا بعد استشارتها
- والطموح أليس لك طموح أن يكون لك شيء خاص بك
- بالطبع فما أجمل أن يكون لي مملكتي الخاصة بيت جميل وزوج حبيب وأطفال يلعبون من حولي يملئون حياتي فرحاً وسرور
- فما رأيك إن كان المال قليلاً وراتب زوجك لا يساعدكم على بناء هذه المملكة السعيدة
- علمني والدي بأن المال يا أختي لا يبني السعادة، الإنسان بقناعته يبني قصور تمتلئ بالسعادة بينما ترين أجمل البيوت يهدمها المال، المهم هو الإنسان وليس المال
- ولكن الا تحبين أن تتساوى بالرجل
- يا أختي إن الله علمنا بأن الرجال قوامين على النساء بكل شيء فهل أقف ضد الله، هل أنا أعلم من الله وأنا المخلوقة الضعيفة

شعرت سعاد بأن هذه الفتاة التي لم تنهي دراستها الجامعية قد هزمت أفكارها فهي تكتنز من خبرات الحياة التي اكتسبتها من والديها ومن خبرات الآخرين ما يمكنها أن تهزم أعتى ظروف الحياة قسوة وهي الفتاة الصغيرة بأفكارها الكبيرة وتصميمها للآمتناهي، نعم محقة هناء في هذا فها أنا أملك مالاً ورثته عن جدتي وأمي مالاً أستطيع أن أشتري به كل ما أريد ولكن هل أستطيع أن أشتري به السعادة لا، لا أظن ذلك وشعرت سعاد بأنها تحترم كل ما تقوله هناء وبدا لها كم هي سطحية وسخيفة تلك الأفكار التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل وتحريرها من ماذا لا تدري ولكنها شعارات سمعتها بالجامعة رددتها، حفظتها ولم تسأل يوم ما تتحرر من ماذا.
أنهى الحاج مصطفى وضيفه طعام الغداء وتوجها إلى شرفة المنزل المطلة على الحديقة الجميلة بانتظار أن تعد لهما هناء الشاي وجلسا يتحدثان فيما سيفعله أحمد وبينما هما في حديثهما وإذ يسمعان من ورائهما صوت سعاد قائلة:
- الشاي، ما أطيب الشاي بعد الغداء الدسم

دهش أحمد عندما شاهد سعاد تحمل بيديها صينية عليها أكواب الشاي وتقدمها لهما، لم تكن دهشته نابعة من عدم معرفته بوجودها لا ولكن للجرأة التي واتتها بقدومها للمكان الذي هم به حاملة تلك الأكواب، تناول كوب من الشاي قدمه للحاج بينما كان يتناول الكوب الآخر من يد سعاد، أرتشف قليل من الشاي بعدما نظر في عينيها اللاتي وجهتهما إلى أرض الحديقة في خجل وسأل الحاج إن كان يعرف سعاد
- لا يا ولدي ولكن أظن بأنها المحامية التي أخبرتني عنها ابنتي هناء
- هي أنا يا حاج (سعاد موجهة حديثها للحاج) لقد أعلمتني هناء أنكما بانتظار الشاي في الوقت الذي نادت أم جميل عليها فأخبرتها بأنني أستطيع أن أقدم الشاي عنها حتى تستطيع هي تلبية نداء الوالدة
- جزاك الله خيراً يا ابنتي
سألها أحمد وهو ينظر إليها باستغراب
- كيف عرفت البيت يا آنسة سعاد
- عنوان المنزل موجود بأوراق القضية، أنسيت بأنني محامية السيد جميل
- حقاً لم أكن أعلم ذلك، أعني بالنسبة لعنوان المنزل (ضاحكاً)
وأرتشف أحمد الشاي بسرعة ووقف مودعاً الحاج قائلاً:
- أخبر عني هناء بأن الطعام كان لذيذاً جداً وبأنني لن أنسى غداء اليوم ما حييت، ولأتركك الآن يا عم مع محامية جميل أراك بخير يا عمي
و ألقى تحيته على سعاد متوجهاً خارج المنزل بعد أن ودعه الحاج مصطفى مرافقاً له على أن يعود قريباً جداً

أما سعاد التي ذهلت من تصرف أحمد فقد فهمت بعد تصرفه هذا بأنه ما زال غاضباً من تصرفها ذاك وبأنه لم وربما لن يسامحها على ما فعلته أبداً، حاولت أن تتحاشى نظراته عندما كان يحييها متوجهاً إلى الباب الخارجي ولكن دمعة يتيمة ترقرقت من عينها تعلن عن مدى الألم الذي اعتراها
عاد الحاج إلى مقعده على شرفة حديقته مرحباً بسعاد التي احتارت كيف تخفي حزنها الذي بدا واضحاً على وجهها ولكنها تداركت الأمر بسرعة وأخبرت الحاج بأنها تشعر ببعض التوعك الذي لازمها منذ قدومها من القاهرة وبأنها ما زالت حزينة على والدها الذي توفى منذ فترة وجيزة ، فظهر على وجه الحاج التأثر بما سمعه منها وعزاها بوالدها وأخبرها بأنها تستطيع اعتباره والدها من اليوم.
أما أحمد فقد توجه إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة بعد ليلة الأمس وما أن ألقى بجسده على السرير حتى راح في سبات عميق
في الوقت الذي كان معاون الضابط سليم منهمكاً في البحث بين الملفات القديمة عن أية معلومات تفيد أحمد بما يخص المذبحة التي وقعت بقرية الحاج حسين لكنه لم يجد أية معلومة تفيد عن هذه المسألة لذا أستدعى بعض من أعوانه وأمرهم بالتوجه للقرية لسؤال أهلها عما يمكن أن يلقي الضؤ على عائلة سالم ولم يدر بخلده بأن أحمد الذي كان يتناول الغداء مع الحاج مصطفى قد توصل لأهل سالم دون أي معونة منه أو من رجاله، وعندما عادت القوة التي أرسلها سليم إلى القرية خالية الوفاض إلا من بعض المعلومات التي تفيد بأنهم يرون بعض الأشباح والأضواء تحوم حول المنزل في بعض الليالي جلس في مكتبه يفكر ويحاول أن يفهم طبيعة العلاقة بين الحادثتين لكنه عندما يأس قرر التوجه للفندق لمقابلة أحمد بعد انتهائه من ساعات العمل.
أما سعاد فقد بقيت مع الحاج مصطفى تحادثه وأبنته في أمور شتى أحياناً عن عائلتها وأخرى عن حياتها في القاهرة وتجربتها في الحياة وحيدة دون معين إلا من بعض الأصدقاء بعيداً عن الأهل توجهت لها هناء تسألها قائلة:
- لماذا لم تتزوجين للآن يا سعاد
- ربما هو النصيب، أنت تعلمين بأن النصيب عندما يأتي لا يستطيع الإنسان أن يرده نعم إنه النصيب
- أنت تقولين بأن حياتك هناك موحشة يا ابنتي فلماذا لا تحاولين العيش هنا بين أخوتك طالما لم يعد لك أحد بالعاصمة
- لم أتصور بأن الأقصر جميلة لهذه الدرجة ولكنني بعدما جئتها الآن اكتشفت كم أهلها طيبون وبأنني مخطئة بالعيش بالقاهرة وحيدة، لقد أعطيت نفسي مهلة للتفكير جدياً بهذا الموضوع
- حسناً تفعلين
هناء موجهة حديثها لسعاد
- والسيد أحمد هل هو مرتبط بغربته أم أنه يفكر بالبقاء هنا بالأقصر
احتارت سعاد بالرد على هذا التساؤل حيث أنها لا تعلم بعد ما هي حقيقة شعوره منها فكيف تعلم وهو لم يفاتحها بالأمر بعد
- لست أدري هو لا يتحدث عن حياته الخاصة إلا اللمم
- أظن بأن جميل يعرف عنه كل شيء فهو صديق غربته لخمس سنوات مضت وبالتأكيد يستطيع .....
- ما لكما والسيد أحمد تخوضان بحياته الخاصة ألا تريان بأنه ليس من اللآئق الحديث عنه وهو غائب
- نحن لم نقصد هذا يا والدي
- حسناً فالأدعكما الآن لأرى والدتك، أعذريني يا ابنتي، هناء هذه أختك والبيت بيتك فخذي راحتك يا ابنتي
- أشكرك يا عمي
توجه الحاج لداخل المنزل ليترك لهما حرية الحديث وذهب للجلوس مع زوجته والاطمئنان عنها وعن صحتها
تفرغت الفتيات للحديث بشؤونهما الخاصة ولم يشعرا بالظلام وهو يداهمهما فيما هما يتنقلان من حديث لآخر بينما أحمد في الطرف الآخر من المدينة كان قد استيقظ نشيطاً والنسيم القادم من الشرفة المطلة على النيل يداعب وجهه تبسم وهو يتوجه إلى الشرفة مستنشقاً الهواء العليل وعاد بعد قليل يطلب لنفسه فنجان من القهوة ثم عاد إلى مكانه يراقب الشمس وهي تطوي أشعتها تحت الأفق وإذ به يرى عصام قادما من الشارع الجانبي للفندق حسب الاتفاق الذي تم بينهما عندما أوصله بالصباح الباكر لمنزله، أشار له بالصعود لشرب القهوة معه، تحادثا طويلاً بشأن ما يجب عمله هذه الليلة واتفقا على أن يتناوبا المراقبة والسهر خاصة وأن عصام لم يستطع أن يكمل سهره حتى الصباح وبينما هما يخوضان فيما يتوجب عليهما أن يفعلاه عندما سمعا رنين الهاتف، توجه أحمد لاستقبال المكالمة وكان يتوقع في قرارة نفسه أن يكون المتحدث سعاد لكنه فوجئ بصوت سليم وهو يحادثه على الطرف الآخر طالباً منه موافاته إلى البهو ولكن أحمد طلب منه أن يوافيه بغرفته معللاً ذلك بأنه أفضل لسليم الذي وافق على الفور، اعترى أحمد القلق من أن يكون سليم قد اكتشف من هم أهل سالم وتوقع أن تكون الطامة كبرى على صديقه جميل ولام نفسه لأنه طلب من سليم التقصي عن هذا الموضوع، جلس ساهياً يفكر بما سوف يقوله ويفعله ها هو قد أوقع صديقه بمأزقٍ لا يدري كيف يخرجه منه وبينما هو يفكر بالموضوع وإذ بسليم يفتح باب الغرفة مصافحاً أحمد الذي عرفه بعصام وجلسا يتكلما عن شئون المدينة والحوادث التي تقع بها وهم يتناولون القهوة، همس سليم لأحمد بأنه يريد إخباره بشيء مهم وهنا ابتدأ القلق يسيطر على أحمد الذي توجه به إلى داخل الغرفة قائلاً:
- لقد أتعبتك معي يا سيد سليم بموضوع لا أظن بأنه مهم لهذه الدرجة
- أنا أسف لأخبارك بما توصلت إليه

3 comments:

  1. هل يمكن ان تتغلغل الروح الثأرية لدرجة ان يصبح الاموات محرضين عليها , كيف لا والمقبرة بل القبور تلازم الاحياء وتعيش بينهم فمثلما كانت المقبرة تجاور الحياة في القرية ها ان قبر جد الحاج مصطفي والد جميل يتوسط منزلهم .وكأن الاحياء خلقوا من اجل الوفاء بعهود لم يتسني للاجداد الايفاء بها .وحتي ان حاولوا الخروج من جلباب ابائهم فيتم الاموات ردعهم عن ذلك والاّ كيف نفسرّ هذا الانتقام والانتقام المضاد المخزن في نفوس هذه القري .فهل هي العقيدة القبلية التي ترتكز علي عصبية الدم .ونحن نتوقف عند كلام الحاج مصطفي حين رفض والده ارتباط ابنه سالم من خارج نطاق العائلة .فهذا الانغلاق المفرط يعكس نفسية وعقلية تري في نقاء الدم العائلي من اي ارتباط خارجي شكل من اشكال الديمومة والمحافظة علي الوجود المادي والمعنوي للعائلة . فكم من الزيجات عقدت دون رغبة الزوجين انما ارضاء ورضوخا لمشيئة القبيلة .ومثلما توجه سالم كلفه حياة العائلة برمتها ها ان ابن اخيها يعيد السيناريو نفسه دون علمه بالارث التناحري بين العائلتين , فيدفع نتيجة ما لم تقترف يداه .انها ضريبة ستظل تدفع مادام للعائلتين مداد في الحياة .
    ان ما يطرحه الكاتب هنا لقضية بل معضلة تعيشها عدة اقطار عربية خاصة التي يغلب علي نسيجها الاجتماعي النمط القبلي والتي يغلب علي علاقاتها الاجتماعية مبدأي :الدم والولاء . وهذا التفكير يعتبر ان المصاهرة من خارج اسوار القبيلة اضعاف لها ليس فقط بشري بل اقتصادي .فكم من العائلات تفرض علي بناتها الزواج من الاقارب كابن العم او الخال خوفا من تبدد الثروة وتحولها للغريب .وهذا يشكل بالنسبة لهم تهديد حقيقي لنفوذهم الاقتصادي وايضا الاجتماعي والسياسي . وحتي مع عملية الانفتاح بكل وجوهه وانتشار التعليم الا ان ذلك فشل في اذابة او تبديد تلك العقلية .وها اننا نري في قصتنا هذه ان الثأر تجاوز تقريبا الثلاثة أجيال والسبحة ما زالت تكرّ. بل حتي من آثروا السلامة والابتعاد عن هذه الدوامة لم يفلحوا في ذلك فيجدون انفسهم مرغمين يدفعون ضريبة بل ضرائب هذه اللعنة الي ما لانهاية وبشكل جد قاس.
    هذه القسوة نتلمسها من الطريقة التي قتل بها سالم بفصل الرأس عن الجسد والقاءه في البئر فهل هي روح التشفي والانتقام تبلغ هذا المدي الغير انساني .فكأن الكاتب يقف علي دوامة هذا المجتمع المنغلق والمشبع بقيم فاضلة عدة ابرزها الطيبة ولكن نفس الروح تحمل هذه الكمية من القسوة والشرّ والانتقام .فهل حجم الفعل يوازي حجم الانتقام .وكأن الكاتب يتساءل :هل يعقل ان تكون لتلك الروح القبلية هذه العقيدة المتشفية والحاقدة .؟ فهل هذه فعلا طبائع الانسان الذي يكتنز الشر والخير ,الحلم والغضب ,الكره والحب ,الصفاء والغضب ,اللين والقسوة .....ولكن نري ان الكاتب يدين المبالغة في التشفي والانتقام عندما وصف طريقة مقتل سالم بانه عمل شيطاني لانه فعلا لايمت للروح الانسانية بنصيب .

    ReplyDelete
  2. فالي متي يظل الانسان مطارد بنار الثأر الذي يعكر صفو حياته .؟ وهل جبل علي حمل ازره ؟
    بالرجوع الي النص يعتبر الكاتب ان ذلك يعود لانانية الاجداد المفرطة .كيف ؟
    عندما نسير حياة الابناء والاحفاد التي دفع دين الاجداد مرات مضاعفة هذا ينبع من قمة الانانية بل النرجسية .وعندما نفرض علي الابناء والاحفاد ان يحيوا قيما تدميرية فهذه انانية . وعندما ايضا نفرض عليهم ان يعيشوا بعقلية لا تلائم واقعهم فهذه انانية واستبداد واستغلال . وعندما نجعلهم يعيشون الماضي في حاضر غير مهيىء لهم فهذا ظلم وانانية.
    وكأن هذا النوع من التفكير يجعل الانسان يتلبس شخصية لا يريدها ,انه اعدام نفسي وبالتالي غربة مضاعفة :غربة عن النفس ,غربة عن المجتمع ,غربة عن الزمن ايضا .
    فالكاتب يعتبر الانانية داء قاتل يجب علي المرىء تجاوزه لذلك ايضا نراه في هذا المضمار انكر علي سعاد ما قامت به حتي وان كان بدافع الحبّ . فهذا الاخير لا يجب ان يكون تعلة او مطية للا عتداء علي خصوصيات الاخرين من باب ارضاء الذات .وكانه يقول لما نشوه هذه القيمة المعنوية بهذا السلوك المشين والذي يردم الحب ولا يديم عمره .
    الانانية عالجها الكاتب ايضا من خلال الحوار الدائر بين سعاد وهناء وهذه الاخيرة والتي لها من اسمها نصيب اعطت لسعاد المحامية دروسا في معني السعادة والحياة وقيمة العمل .فان انطلقت سعاد ,مدفوعة بالمقولات الجاهزة والمستوردة والرافعة لراية الدفاع عن حقوق المرأة والتي في جوانب عديدة منها تكرس انانية المرأة .

    ReplyDelete
  3. فالعمل كقيمة هامة تراه سعاد بانه يحقق استقلالية المرأة ويفرض وجودها في المجتمع ويخلص المرأة من قيد التبعية والعبودية وايضا يمكنها من تحقيق رغباتها .تصطدم براي هناء دات التحصيل العلمي البسيط مقارنة بسعاد –وهنا الكاتب يريد التركيز علي انه هناك فرق بين التعليم والثقافة وان هذه الاخيرة غير مرتبطة بالشهائد العلمية وانما بالخبرات الحياتية – كيف تعرف لها معني العمل الذي يحقق لها السعادة كامراة وكعائلة .فالعمل بالنسبة لها تستطيع الاضطلاع به حتي داخل المنزل –الخياطة- والعمل بالنسبة لها هو تحقيق الآنا في نحن بعكس سعاد تغليب الآنا علي نحن .والعمل بالنسبة لهناء والتي تشعر بالهناء الداخلي والرضي هو الذي يخلق التواصل مع الاخر ويحفظ كينونتها كامراة وليست التشبه بالرجل لان ذلك يلغي وجودها . فاذا كان العمل والمال يحقق لسعاد الرفاهية فان هناء تعتبره وسيلة وليس غاية في حد ذاته بل تعتبر ان طغيان الروح المادية قد يخطف معني السعادة .السعادة التي تبني علي الرضا والقناعة والتصالح مع الذات والمجتمع .فها ان لسعاد الثروة المالية لكنها تفتقد السعادة والامن والاطمئنان والتواصل مع محيطها .ومن خلال حوارها مع هناء والحاج مصطفي وكانها تعيد لملمة اشلاء نفسها ويعيدون ترميم علاقتها بمجتمعها الاصلي وهو الاقصر .فانظر الي سعاد وهي تقول :"لقد اكتشفت طيبة الناس هنا...."وانها اخذت تفكر في الاستقرار بينهم حيث يشعرونها بالدفىء وحميمية العلاقات التي ردمتها حياة القاهرة المعقدة .
    فتتبع سعاد للكاتب وان كان بدافع الحب والغيرة الا انه يجعلها تكتشف وهم الحياة التي كانت تعيشها بالقاهرة ومعضلة الغربة التي تحوم فيها .فأحمد مكنها من اعادة ربط صلتها مع نفسها ومحيطها الذي انكرته وتمردت عليه تحت شعارات ويافطات عدة لتتكسر علي اسوار فلسفة هناء .وكان الكاتب في رحلة اذابة هذه الغربة بل غربات يعيشها الانسان وفي بعض الاحيان يختارها طوعا ضانا انه يحقق ذاته ليقول لنا الكاتب ان تحقيق الذات ليس بفصلها عن كيانها الطبيعي وقيمه واستنساخ حياة اخري بدافع التقليد والتحرر فيجد المرء نفسه في غربة مضاعفة بل حالة من الاغتراب داخل مجتمعه بل في تماهي الذات مع محيطها والاندماج في الكل ونبذ الانانية والغيرة والكره والحقد الاعمي .......
    كلّ هذه القيم التي يبرزها الكاتب بشكل عملي وعبر مقاربات وتقابل بين الاقول والافعال ومن خلال الحوارات تجعلنا نقف علي عدة امراض تنخر مجتمعاتنا وتهده من الداخل فتمسخ هويته .لذا يقترح الكاتب وصفة دوائية عبر رزمة قيم اخلاقية توصل بالمرء الس شط الآمان ....اليست هذه وصايا سليمان الحكيم ....تري هل يصل جميل وكل الشخوص المتحركة معه وخلفه الي برّ الآمان ....

    ReplyDelete