Saturday, November 12, 2011

غربــة - الجزء الحادي عشر

غربة - جزء حادي عشر

إستجمع أحمد أنفاسه ثم توجه لسكرتيرة الشركة قائلاً:
- صباح الخير، أريد مقابلة المهندس ممدوح عبد المنعم
- صباح النور هل لديك موعد مسبق يا سيدي
- لا أدري
ابتسمت السكرتيرة قائلة :
- كيف، أقصد ألم ....
- أقصد بأنني قد أتيت لتوي من المطار بعدما انتظرت طويلاً وأظن بأنه قد جاءكم فاكس بموعد وصولي ولم أجد أحداً باستقبالي لذا توجهت إليكم بنفسي
- فاكس من أين يا سيدي
- مجموعة الشال للاستشارات العالمية
- أهـ نعم المهندس أحمد نافع
- نعم
- ولكن لم يبرق لنا أحد أو يتصل بموعد وصولك يا سيدي، ولكن لست أدري فربما جهاز الفاكس لدينا هو السبب لأنه تعطل منذ يومين و لم نكن ندري أن به عطل ...
- حسناً لا بأس هل سأبقى منتظراً لفترة طويلة؟
- أوهـ .. أنا حقاً آسفة، أرجوك أسترح من فضلك هنا وسأبلغ المهندس ممدوح بأن سيادتك قد شرفت مكتبنا وأرجوك أن تقبل اعتذارنا بخصوص عدم موافاتك في المطار
- لا بأس أشكركِ
وشكر أحمد الله على أن جهاز الفاكس كان معطلاً، اتصلت الآنسة بالمهندس ممدوح على هاتف سيارته فأخبرها بأنه سوف يأتي فور إنتهائه من موعده المسبق مع وكيل الوزارة وأعلمها بأن تحاول شغل المهندس أحمد لبعض الوقت حتى لا يشعر بالملل والضجر من طول الانتظار لحين عودته للمكتب

ابتسمت السكرتيرة وأخبرت أحمد بأن المهندس ممدوح هو في مقابلة مهمة مع وكيل الوزارة ولكنه أكد على الاهتمام به لحين عودته من المقابلة وبأنه لن يتأخر وسوف يكون على اتصال بها عند أي طارئ جديد ، لم يبد على أحمد أي نوع من الضيق ولكنه أخذ يستفسر عن معاملات شركة النسر الذهبي وعن أية أنواع من المشاريع يقومون بها ولم تبخل السكرتيرة التي أوصاها المهندس ممدوح بالرد على استفسارات أحمد خاصة وأن جميع هذه الاستفسارات كانت تدور حول أعمال الشركة ومنجزاتها فأخذت السكرتيرة على عاتقها إعلام أحمد بكل المشاريع التي قامت بها الشركة والتي تقوم بها الآن ولاحظ أحمد بأن للشركة مشروع بمدينة الأقصر وهو عبارة عن حي سكني يضم عمارات سكنية ومنافعها من حدائق ومحال تجارية وخلافه فالشركة تقوم بأعمال تقدر قيمتها بملايين الجنيهات المصرية وفي وسط هذه الأحاديث التي قطعها رنين الهاتف كان على الطرف الآخر المهندس ممدوح الذي تحدث مع سكرتيرته قليلاً ثم طلب منها إعطاء أحمد سماعة الهاتف لمحادثته
- السلام عليكم، والحمد لله على السلامة باش مهندس أحمد صدقني أنا في أشد حالات الخجل إذ يبدو أنني سوف أتأخر أكثر مما كنت أتوقع وهذا وقت الظهيرة قد حان لذا أرجوك أن تقبل اعتذاري ودعوتي للغداء وأنا سوف أقوم لاحقاً بالاتصال بك في الفندق ... بأي فندق أنت يا أستاذ أحمد
- لست أدري بعد، لقد قدمت من المطار فوراً ولم أفكر بحجز أي غرفة بعد
- حسنا فعلت .. أرجوك دع هذه الأمور لنا، السكرتيرة سوف تقوم باللازم ومرة أخرى أرجوك أن تقبل اعتذاري
- لا بأس يا أستاذ ممدوح سأراك لاحقاً
- بالطبع سوف نسهر سوياً هذه الليلة، أراك بخير، أرجوك دعني أكلم السكرتيرة

أعطى أحمد سماعة الهاتف للسكرتيرة وجلس في مكانه ينظر إليها وهي ترد مرة حاضر وأخرى حسناً وبإنشاء الله وتعده بإنجاز كل شيء وأن لا يقلق بعدها أغلقت السماعة قائلة:
- حسناً يا باش مهندس، مكالمتين وسنكون جاهزين
- لا أفهم
ويبدو أن السكرتيرة لم تسمع أحمد وهو يحادثها لهذا عادت للهاتف مرة أخرى واتصلت بالفندق الذي تتعامل الشركة معه وحجزت غرفة لأحمد وبعدها اتصلت بمطعم لحجز طاولة للغداء وعندما أغلقت سماعة الهاتف توجهت لأحمد قائلة:

- حسناً هل أنت مستعد يا باشمهندس؟
- مستعد لماذا؟
- للغداء
- ولكن ...
- يا باشمهندس أنت ضيف الشركة وأنا مسئولة عنك شخصياً بأمر صاحب الشركة لذا أرجوك .. إلا إذا أردتني أن أقال من عملي
- لا .. بالطبع لا ولكنني لا أستطيع التوجه لأي مكان حيث أنني بانتظار عم محمد فأنا لدي معه عمل
- من عم محمد
- أهــ بالطبع .. عم محمد هو سائق الأجرة الذي أوصلني إلى الشركة من المطار وقد أوكلته ببعض الأمور الهامة، لذا فأنا بانتظاره
- حسنا نستطيع أن نوكل فراش المكتب بإطلاع عم محمد على مكاننا ونخبره بأن يطلب منه التوجه إلينا
- هذا ممكن بالطبع .... حسناً أين هذا الفراش
نادت السكرتيرة الفراش وأعلمته بمكان المطعم وعنوانه وأخبرته بإيصال هذه الرسالة لعم محمد سائق الأجرة الذي سيسأل عن المهندس أحمد وتوجها بسيارة سهير السكرتيرة الحسناء التي تعمل كموظفة علاقات عامة بالإضافة إلى عملها كسكرتيرة للمهندس ممدوح

- أين يقع هذا المطعم .. بالمهندسين؟
- نعم، هل زرته من قبل ؟
- لا في الحقيقة هذه أول زيارة لي إلى مصر
- أول زيارة لمصر، لا .. غير معقول ولكنك تتكلم كأبناء مصر
- حقاً .. لا تنسي بأن لهجتكم هي السائدة في كل المحافل العربية وخاصة في الإعلام سواء من مسلسلات وأفلام وغيرها وهي لهجة سهلة ومهضومة، وأخيراً نحن نحب أن نتكلم بها إذا لم يكن عندك مانع
- (ضاحكة) لآ .. أبداً بالطبع ليس هناك أي مانع

عندما وصلت السيارة إلى مكان المطعم أوقفا سيارتهما وتوجها إلى باب المطعم الذي سرعان ما جاء مديره يرحب بهما، وبدا لأحمد بأن سهير معروفة هنا جيداً بصفتها ممثلة عن الشركة لذا كان المدير يسألها عن المهندس ممدوح وعن أحواله، اختار لهما مدير المطعم طاولة تطل على نهر النيل مرحباً بأحمد الذي عرفته على مدير المطعم قائلة بأنه أبن خالتها سميح بعدها توجه سميح هذا إلى شؤون المطعم وزبائنه بعدما أوصى النادل عليهما هنا توجهت سهير إلى أحمد هامسة:
- .. هذا المطعم مشهور بالطعام والمقبلات اللبنانية فما رأيك أن نطلب بعض المازاة ومن بعدها نختار ما سوف نأكله
- حسنا كما تشائين
- ماذا تشرب يا بيه (النادل يوجه كلامه لأحمد)؟
- عصير تفاح
- وسيادتك (وهي تنظر باستغراب لأحمد) عصير برتقال
واختارا الأصناف التي يريدانها من المازة بعدها توجهت سهير لأحمد قائلة :
- حسبتك تشرب
- أشرب، أشرب ماذا ؟
- أقصد مشروبات روحية
- لا أبداً لم أشرب بحياتي، لم أحبها أبداً
- هذا غريب فكل اللبنانيين الذين تعرفت عليهم كانوا... يشربون
- لست من الذين يحبون الخمر
- حتى بالمناسبات
- حتى بالمناسبات، فأنا لا أحبها

وجلسا يتحدثان عن الصفقة التي جاء أحمد من أجلها وبأنهم مستعدون لتقديم الاستشارات الفنية العالمية والتقنية المتطورة التي يمتلكون زمامها من خلال الخبرات العريقة المتوفرة لهم والتي اكتسبوها من خلال أعمالهم ومشاركتهم في مشاريع عالمية وعدّد لها أحمد المشاريع التي اشتركت الشركة في إنجازها وتمويل بعضها من خلال علاقاتهم الوطيدة بعدة بنوك خليجية وعالمية وطلب منها إخباره عن مشروع الحي السكني الذي يقوم بالأقصر وعن تكلفته الإجمالية وعن الشركاء والممولين المفترضين لهذا المشروع الضخم والذي اعتبره أحمد في عداد المشاريع العالمية التي تود شركتهم الخوض به وتقديم أية مشاركة سواء عن طريق الاستشارات أو عن طريق تسهيل القروض للشركة فوعدته السكرتيرة بالوقوف إلى جانبه ولمحت إلى أنها تود أن تكون لها نسبة يتفق عليها ولكنها لن تستلم هذه النسبة إلا بعد توقيع العقود ولم يعارضها أحمد في هذه الخطوة لكنه أصر أن تكون نسبتها من ضمن المبلغ الذي سوف تدفعه شركة النسر الذهبي لقاء الخدمات الاستشارية وأخبرها بأنه سيحاول جاهداً إقناع شركته بإعطائها هذه النسبة فيما لو استطاعت تمرير صفقة المشاركة في المشروع برمته فوعدته خيراً على أن يبقى الأمر في طي الكتمان وأن لا يعرف أحداً بهذا الأمر سوى هو وصاحب شركته فقط فوعدها بتحقيق رغبتها، بعد الانتهاء من طعامهما قرر أحمد الذهاب إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة ولكنه كان مشغول البال بشأن العم محمد الذي لم يظهر بعد
وقف أحمد على شرفة غرفته في فندق الميريديان بمنطقة الجاردن سيتي بالقاهرة وهو يطالع المراكب الشراعية وهي تسري بالنيل فتذكر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم من الشعراء الذين أبدعوا في وصف مصر وتساءل طويلاً كيف لا يبدع من عاش على هذه الأرض الطيبة المعطاء، ها هو في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي التي أخرجت أعظم الأدباء والشعراء على مر العصور وها هو النيل الذي تكلمت الأساطير عن عروسه وفيضاناته، أغلق أحمد عيناه وهو يستنشق عبير الزهور القادم مع النسيم لقد حان وقت الغسق ولم يظهر العم محمد مع أنه وعده بأن لا يتأخر في مشواره كثيراً، ربما ما زال يبحث عن صديقه المراسل أتصل بشركة النسر الذهبي مستوضحاً إن كان عم محمد قد جاءهم ولكن يبدو بأن الشركة قد أغلقت أبوابها حيث لم يرد على اتصاله أحد
تذكر أحمد بأن عليه إعلام فندقه بالأقصر بأنه ينزل بفندق الميريديان بالقاهرة فأتصل بالأقصر وتكلم مع إستعلامات الفندق وأعلمهم برقم غرفته بالقاهرة ومن ثم قرر أحمد التوجه لبهو الفندق لعل ذلك يخفف من قلقه المتزايد وإذ به يرى أمامه عم محمد وقد شارف على الدخول إلى الفندق وبرفقته شخصين أحدهما طويل القامة عريض المنكبين تبدو على قسمات وجهه الغلظة والقوة أما الآخر فكان هادئ الطباع يضع نظارة طبية، توجه عم محمد إليه يعتذر على التأخير الذي حصل وبأنه أخيراً وجد السيد حمدي
- الأستاذ أحمد (مكلماً حمدي) الذي أخبرتك عنه
- تشرفنا يا سيد أحمد
- لنا الشرف يا أخي
- الأخ عادل، ملاكم سابق ومحترف تصوير ويعمل حاليا بأخبار اليوم
- تشرفنا يا أخ عادل
- السيد حمدي أصرّ على القدوم ليتعرف بنفسه على سيادتك بعدما أطلعته على قضية صديقك.. ما أسمه
- جميل .... جميل مصطفى حسن
- (حمدي موجهاً حديثه لأحمد) لم أسمع بقضيته سابقاً ما هي تهمته بالضبط
- لنجلس أولاً تفضلوا هنا
توجه الجميع إلى الكافيتيريا المطلة على مسبح الفندق وطلب كل واحد منهم ما يود أن يشربه بينما أخذ أحمد يفسر لهم أبعاد القضية وموضحاً كل الأدلة التي تدين صديقه جميل، ولم ينسى أن يحدثهم عن الحادث القديم الذي وقع في المنزل المهجور بالقرية
لاحظ أحمد الاهتمام واضحاً جلياً على وجه حمدي الذي كان يوجه بعض الأسئلة الخاصة بالقضية ويدون بعض المعلومات التي كان يأخذها من فم أحمد، إحساسه كصحفي كان يدفعه للاهتمام بهذه الجريمة حيث أنه وكما أخبر أحمد يشعر بأن وراء هذه الجريمة أموراً أخرى على قدر كبير من الأهمية

- أستاذ أحمد أخبرني لماذا فكرت بحصر أسماء المفقودين، وهل تظن بأن لذلك علاقة بالجريمة التي نحن بصدد الكلام عنها
- الحقيقة يا أخ حمدي أن هناك شيء لم أفهمه عندما سمعت أول مرة عن الجريمة ولم أفكر به في البداية
- ما هو
- زوجة جميل وجدت مشوهة وكأن القاتل كان يحاول طمس معالم الوجه
- هكذا إذن، .... ومن تعرف على جثة القتيلة
- كما سمعت والد القتيلة و... و والد جميل
- ولكنك قلت بأن الوجه قد طمست معالمه فعلى أي أساس تم التعرف على الجثة
- هنا بيت القصيد يا صديقي، تعرفوا على مقتنيات سميرة أقصد زوجة جميل خاتمها، ثوبها ، يعني ربما أشياء أخرى.. لا أعلم ولكن كما قلت الوجه غير واضح المعالم إطلاقاً
- نعم ...نعم.. فهمت الآن مقصدك، كم عمر القتيلة هذه
- هي في حوالي الثلاثين من عمرها
- إذن نحن نبحث عن مفقودة بتلك الفترة تقريبا أوصافها تشابه إلى حد ما أوصاف زوجة صديقك
- إنها فكرة طرأت على بالي ويحتمل أن تكون خطأ ولكن إن كانت خطأ فيبقى هنا سؤال لماذا شوه القاتل وجه القتيلة؟
- معك حق، حسناً .... أنا مستعد يا سيد أحمد للتعاون معك ولكن هل لي أن أطلب منك طلب واحد
وهنا نظر أحمد إلى عم محمد قائلاً:
- ألم تخبر الأخ حمدي بأنني مستعد لكل ما يطلبه
قاطعه حمدي قائلاً :
- لا تسيء فهمي يا صديقي أنا لا أقصد شيئا مما دار أو يدور في تفكيرك لا، ولكنني أود المشاركة بإسم الصحيفة في التقصي على الجاني
- تقصد أنكم تودون المساهمة في رحلة البحث عن القاتل
- نعم صوت وصورة
- كيف ماذا تعني
نظر إلى عادل مبتسماً ثم قال:
- الأخ عادل مصور محترف لذا هو يسجل بالكاميرا ما تعجز عنه أفضل الأقلام .. ما رأيك
- بالطبع ليس لدي مانع ولكنك تعلم بأن القضية في مدينة الأقصر وهذا يعني أنكم ستذهبون معي إلى هناك
- أخبرني عم محمد بكل هذه الأمور وأظن بأن الصحيفة وإدارتها لن يمانعوا خاصة أننا سنكون على مقربة من الأحداث وسوف نسجل الوقائع كاملة دون ما نقصان
- حسنا متى نستطيع حصر الأشخاص المفقودين
- سأتوجه من فوري إلى مقر الصحيفة وسأعمل على جمع كافة البيانات والصور الموجودة لدينا وعند اكتمال كل شيء سوف أقوم بالاتصال بك، أهـ في أي غرفة أنت أستاذ أحمد
- 614 وإن لم تجدني أرجو أن تترك لدى موظف الاستعلامات رقم الهاتف الذي تتواجد عليه
- حسناً لم يتبقى أي شيء لذا فاسمح لنا بالمغادرة فلدينا بعض الأعمال التي لا تحتمل التأجيل خاصة وأننا ربما نغادر القاهرة قريباً
- بالطبع، أراكم بخير وأنا متوقع مكالمة منك
- نعم إلى اللقاء
توجه حمدي وبرفقته عادل إلى خارج الفندق بينما طلب أحمد من عم محمد الجلوس معه قليلاً ليحادثه بأمر هام
- عم محمد .. أ .. أريد منك أن تجد لي شخصاً ما يده خفيفة رشيق .. سريع الحركة
- (ضاحكاً) .. ربما تريد .. أعذرني ولكنه مواصفات نشال
- أتسمونه نشال أهـ طبعاً نشال ولكن أريد نشال محترم أقصد أبن بلد
- ماذا (غير مصدق) أنت تعني ما تقول
- لا تسيء فهمي سأوضح الأمر لك لاحقاً
- ربما .. أعتقد بأنني أستطيع إيجاد أحد ما ولكن لماذا تريده يا بيه ؟
- أريد منه التوجه معي إلى الأقصر لأمر هام أفكر به كنت أستطيع الحصول على أحدهم هناك ولكنه سيكون معروفاً لتلك الدوائر لذلك فكرت أن يكون من هنا
- أتعني ما تقول (وهو مندهش)
- نعم أنا أعني ما أقول ولا تسألني أكثر من ذلك، قلت بأني سأوضح لك لاحقاً
- متى تريده
- بأسرع وقت، ولكن عم محمد عليك التأكد من مهارته وخفة حركته أريده ماهراً في مهنته هذه
- (وهو يتأهب للوقوف) ربما أستطيع إيجاد أحدهم هذه الليلة فهل تود مقابلته هنا أم ..
- لا بالطبع فربما يكون مُراقَباً أو .. ربما أستطيع رؤيته خارج الفندق بمكان منعزل، أي مكان
- الليلة، إذا وجدت أحد
- سيكون ذلك رائعاً ولكن بعد سهرة العشاء
توجه عم محمد من فوره لسيارته وأنطلق يجوب شوارع القاهرة ويحث سيارته على الانطلاق بعيداً عن المكان في رحلة البحث عن اللص الذي طلبه أحمد بينما استغرق أحمد في تأملاته متسائلا إن كان ما يفعله صواباً أم لا قائلاً :
- ماذا سنخسر، لا شيء
أسرع أحمد بالنهوض والتوجه لغرفته وطلب مكالمة إلى الأقصر، تحدث مع موظف الاستقبال بالأقصر وأوضح له بعض الأمور ثم أغلق سماعة الهاتف بعد تلقيه عدة رسائل أملاها له موظف الاستقبال بالهاتف
- أهـ لدي سهرة الآن ويجب علي الاستعداد لها

5 comments:

  1. .وكأننا بالكاتب يلمح الي ان فقر هؤلاء وبحث البعض الاخر عن فرصة عامل خارج بلده وتحول شق ثالث للمخدرات والنشل والسرقة انما جاء نتيجة الاختلال في توزيع الثروة حيث تحتكر الأقلية النصيب الاكثر منها في حين يتزاحم الاغلبية علي الفتات . وهذا التعريج الذكي من الكاتب يكشف من خلال احد اسباب تفشي المعضلات الاجتماعية والتي اشار في النصوص السابقة لدور الحكومات ليضيف اليها هنا :غياب العدالة الاجتماعية نظرا لان هذه الحكومات انما هي تحالف بين السياسي ورجال المال.
    وكأننا به يقول ان هؤلاء مسؤولين علي عملية التفقير الممنهجة ووأد أحلام البسطاء والدافعين بهم الي اتون الهجرة والمخدرات . فهل ان الكاتب هنا يقيم محاكمة معنوية وادبية لهم .فبينما تحتكر زمرة مقدرات الوطن وتزيد في نفخ ارصدتها عبر استيلائها علي كلّ المشاريع فطغت روح الانانية والعبودية للمادة واصبحت العلاقات تحكمها المصلحة والسمسرة .فهذا العالم المتخم بالمادة يعيش جوعا اخلاقيا مقابل الاغلبية التي تعاني جوعا ماديا مقابل غنى اخلاقيا فها هو عم محمد والصحافيين يتطوعون لمساعدة احمد دون مقايضة مادية .بل من واجب تحقيق العدالة لجميل .فهؤلاء المحرومين من العدالة الاجتماعية يؤمنون بهذه القيمة ويسعون لمساعدة جميل وهم غرباء عنه . في حين ها ان السكرتيرة لم تفوت الفرصة من اجل تحقيق الغنيمة من الصفقة التجارية .
    بين هذان العالمين يتحرك الكاتب , فانظر اليه وهو يولّي وجهه شطر الوجه الآخر للقاهرة ,حيث النيل يتهادي وينساب اليه فيمده باكسجين جديد ويأخذه الي قاهرة المعز ,قاهرة الثقافة والفن والابداع .فكأن النيل لم يهب الحياة لها فقط بل منحها ايضا كينونتها الثقافية .فكأن من يشرب من مياهه يتغذي ويتشبع بقيم سامية وثقافة راقية . فمثلما منح النيل لمصر حضاراتها التي اشعت بها علي العالم فانه ايضا كان ملهما ابداعيا لابنائها كحافظ ابراهيم وشوقي وغيرهم كثر بل وايضا توسد صفحات مبدعين اجانب .فبوقوف الكاتب علي الشرفة التي تطلّ علي النيل انما هي اطلالة علي مصر التاريخ والحضارة والفن فاستمع للكاتب وهو يتحدث اللهجة المصرية في قوله للسكريتيرة :"...لاتنسي ان لهجتكم حاضرة في المحافل الدولية وطاغية في المسلسلات ..." فكأن الكاتب يتحسر علي انحسار ذلك الدور لارض الكنانة ويقول في نفسه :" من شوهها وطمس ملامحها الي هذا الحدّ..."
    وبعودته من الشرفة الي باحة الفندق كأنه يعود من مصر الماضي الي مصر الحاضر

    ReplyDelete
  2. .فها هي قاهرة المعز تعيش علي تناقضات حادة مما يجعل غربة سكانها متفاقمة ومضاعفة ولكن ربما تكون غربة عالم رجال الاعمال أشد بأسا حيث كلّ حركاتهم في الفضاءات المغلقة : بين السيارات والمكاتب وغرف الفنادق والمطاعم ...فكيف لم توفر لهم ثروتهم حرية التحرك وكأنهم تحولوا الي سجناء مال ورهينة هذا العالم الذي حاكوه بأنفسهم فلم يزيدهم الا قيدا وسجنا .في حين نري ان البسطاء وعم محمد نموذجا يدور ويتحرك في فضاء اكبر واوسع بل وكأنهم هم الاسياد الحقيقين لام الدنيا وليس كما يتوهم الاخرون سدنة المال . فالتخفف من عبىء المادية جعل حركتهم ايسر بل وامتلاكا للمكان والزمان معا .انظر لتطوع الصحافيين وسرعة تنقلهم نحو الاقصر وان كان بدافع اعلامي .وصحيح انهم يمثلون نماذج للصحفي والاعلامي الباحث عن الخبر الحدث لكنهما ايضا وجها من وجوه الاغلبية الذين لا يستطيب لهم الجلوس في المناطق المغلقة وراينا سرعة مغادرتهم الكافيتريا فهم لم يخلقوا للتحصن داخل ترسانات اسمنتية بحثا وخوفا عن ثرواتهم .فكأن الكاتب ينقد بسخرية عالم رجل الاعمال والذي عوض ان يحرسه ماله تحولّ هو الي حارس له . في حين نلاحظ ان المصري البسيط يعيش في فضاءات مفتوحة بدون خوف .فكأن الاول ثراءه كبله والثاني فقره او لنقل بساطته حررته .وهنا نقف علي مفهوم الحرية الحقة من وجهة نظر الكاتب . والتي تطيح بالمفاهيم القديمة المتكلسة .
    ليس هذا فحسب بل الكاتب يعتبر ان الثراء يفرض علي اصحابه ارتداء اقنعة اجتماعية شتي في حين يعيش البسيط علي سجيته دون اقنعة او مساحيق .الثروة تبني سدودا بين صاحبها ومجتمعه في حين بساطة العيش تحطم كل القيود والسدود . الثري يتحرك وفق لمصلحة الانا بل يجعل الأنا محور المجموعة في حين البسيط يجعل الانا في خدمة المجموعة بل لايجدها الا متي افاضت علي محيطها .في حين انا الثري تلغي المجموعة وتسخرها لصالح الانا وهذا ما يعمق الهوة بينه وبين نفسه وبينه وبين محيطه .
    هؤلاء البسطاء الذين تحركوا بسرعة لخدمة قضية جميل .والبسطاء والذين هم الاغلبية كما يقدمهم الكاتب من عم محمد الي الصحافي الي النشال ...هذه الذائرة الممتدة هي من ستحتوى قضية جميل وكأن الكاتب كلما يتحرك صوب قلب المجتمع المصري يتوسع مدى وصدى حادث جميل والتي خرجت من سجن الاقصر لتمتد للقاهرة . هذا التعاون الذي يجده الكاتب انما هو كشف لواقع المجتمع المصري ومدي ترسخ قيمة التعاون والتكاتف والسعي لبلوغ الحقيقة .فكلما يتحرك الكاتب صوب المجتمع القاعدي كلما تتسع خارطة المتعاونين والمدافعين عن جميل . اذ حولها الكاتب قضية راي عام بل قضية المجتمع المصري بكل اطيافه بل بقاعدته العريضة .......
    ليس تحرك احمد النافع ,تحركا روتينيا بل ديناميكيا وبحثيا ونسيجيا بمعني انه يقوم بربط كلّ التفاصيل والخيوط من اجل بلوغ الحقيقة .ومن خلال هذه الرحلة التي اكتست روح المغامرة نجده يسبح بنا داخل الروح المصرية وكلما تعمقنا وتسربنا الي اعماقها كلما تكشفت لنا انسيابياتها وشفافيتها وروحها الصامدة ..أليست روح نهر النيل والذي يقف عنده الكاتب بين تحرك وآخر وكأنه يقدم له الشكر والامتنان لانه يسقي المصري بين حين وآخر بقيمه الاصيلة التي تحاول المدنية طمسها وتشويهها .....
    مثلما تتيح لنا القصة الغوص في الاعماق المصرية تمنحنا الوقوف علي طينة احمد النافع وكأنه جاء من عصر بعيد او سبق زمانه بكثير ....شكرا حكيم

    ReplyDelete
  3. قاهرة التناقظات .....
    انها صورة مصغرة للمجتمع المصري بأكمله بل انعكاس للمدن العربية عامة .حيث تحتل العواصم مركزية الانظمة وتحتكر كل الوظائف السياسية منها والاقتصادية والمالية والجامعية والاعلامية مما يجعلها تستقطب الوافدين من كلّ الجهات .فهي بالتالي النموذج الحي للمجتمع المصري بكلّ أطيافه وتناقضاته وانفعلاته وتدافعه . هذه المدينة التي تؤم رجل الاعمال الذي يرعي مؤسسات ذات مشاريع ضخمة ,مرورا بالعامل البسيط والذي يرعى حتي سيارة اجرى وصولا للذين يعيشون علي الهامش كالفقراء والنشالين وما اكثرهم .فالكاتب يكشف عن ان القاهرة تضم عوالم وليس عالم واحد .انها عالم المتناقضات حيث تخفي العمارات والاحياء الراقية حزاما من الاحياء الفقيرة والمهمشة وحيث تمر المرسيدس بجانب عربة الكارو ....انه واقع العالم العربي بل والنامي اجمالا .
    وكلّ عالم من هذه العوالم تنطوى علي نمط حياة خاصة تعكس المستوي المعيشي لاصحابها وعقلية تفكيرهم .
    فالكاتب ينساب بنا الي عالم رجال الاعمال وما يعتريه من اسرار كطريقة الفوز بمشاريع الانشاء والتي تكون فيها للعلاقات الاجتماعية وتشابك المصالح التأثيرالكبير " لقاء ممدوح صاحب شركة النسر الذهبي بوكيل الوزارة .." فكأن الكاتب يلمح للتزاوج بين النفوذ المالي والسياسي ...وهذا التداخل الرهيب يحول الوطن بمجمله الي كعكة يتقاسمها هؤلاء : السياسي عبر التسهيلات القانونية ورجل الاعمال عبر العمولات المالية الكبري . مما يجعل من الوطن محتكرا بين الطرفين وما النسر الذهبي علامة الشركة الا دليل قاطع علي ذلك فمثلما يرمز النسر للقوة والتقاط الفريسة والارتفاع الدائم وهذا حال رجال الاعمال فان النسر ايضا وهو رمز العلم الوطني المصري وهو بالتالي رمز لمصر وكأن هذه الشركة هي الوطن كلّه .وهذا فيه معني ايحائي ان مصر بين جناحي التحالف رجال الاعمال والسياسين . فالكاتب ينبه الي ان الاوطان اصبحت رهينة فئة محددة من الناس تجمعها المصالح الخاصة الضيقة دون خدمة المصلحة العامة .هذه الفئة التي سخرت الوطن بكامل منجزاته لصالح طبقة متنفذة . وهذا للاسف واقع الاوطان العربية الذي تحولت مزارع خاصة لرجال الاعمال والسياسة حيث تعشش العقلية الاحتكارية والفساد (الرشوة والعمولة )والتي انتشرت لدي بقية الموظفين (حال السكرتيرة ). السكريتيرة التي لايقتصر مهامها علي العمل المكتبي بل يتعداه الي الاهتمام الخاص بالعملاء المهمين . عالم رجال الاعمال بين المكاتب الفارهة والسيارات المحصنة والمطاعم الفاخرة والفنادق عالية الجودة .بل اصبح كلّ هذا من سمات رجل الاعمال بل حتي نوعية الاطعمة والمشروبات تشكل علامات خاصة بهم لذلك استغربت السكرتيرة عندما طلب احمد عصير التفاح "...وهي تنظر باستغراب ..حسبتك تشرب مشروبات روحية .." وكأن ذلك اصبح طابع مميزا لهم .وهذا نقد مبطن من الكاتب لسلوكيات عدة لرجال الاعمال .بل وكأنه يشمئز ومتألم لعالم هذه الفئة التي اصبحت المادة عقيدتها المقدسة .
    بين عالم رجال الاعمال ونمط حياتهم يقف علي الضفة الاخرى نقيضها .عم محمد ولو عدنا بالذاكرة للاجزاء الاولي حين طلب احمد منه ان يأخذه الي احدي المطاعم رافقه الي مطعم شعبي حيث الروح المصرية الاصيلة وحيث الوجه الحقيقي للقاهرة .وكأن الكاتب يستدعي عم محمد ليقف علي التناقض الشديد بين نمطي حياة تعرفهما القاهرة . هذه الاحياء الشعبية التي تغص بالكثافة السكانية .وكأننا بالكاتب يلمح الي ان فقر هؤلاء وبحث البعض الاخر عن فرصة عامل خارج بلده وتحول شق ثالث للمخدرات والنشل والسرقة انما جاء نتيجة الاختلال في توزيع الثروة حيث تحتكر الأقلية النصيب الاكثر منها في حين يتزاحم الاغلبية علي الفتات . وهذا التعريج الذكي من الكاتب يكشف من خلال احد اسباب تفشي المعضلات الاجتماعية والتي اشار في النصوص السابقة لدور الحكومات ليضيف اليها هنا :غياب العدالة الاجتماعية نظرا لان هذه الحكومات انما هي تحالف بين السياسي ورجال المال.

    ReplyDelete
  4. This comment has been removed by a blog administrator.

    ReplyDelete
  5. This comment has been removed by a blog administrator.

    ReplyDelete