Thursday, November 17, 2011

غربــة - الجزء الثالث عشر

غربة - الجزء الثالث عشر

عاد أحمد أدراجه وهومطمئن النفس وفي طريق عودته وضع يده بجيب السترة فتذكر الرسالة التي جاءته من الأقصر ولم يكن قد قرأها بعد، فض الرسالة وأخذ يقرأ ("أستاذ أحمد حاولت الإتصال بك كثيرا بغرفتك مع أن سيارتك كانت أمام الفندق طوال الوقت، إن كنت لا تريد محادثتي فهذا شأنك ولكن على الأقل أرجو أن تطمئني على صحتك الإمضاء سعاد") بالوقت الذي كان يجلس به على كرسيه أمام سهير التي كانت تتساءل وإذ به يبتسم ومن ثم يدس الرسالة بجيبه وينظر إلى سهير قائلاً:

- ماذا طلبتي؟
- أنا بإنتظارك
- لا أعتقد بأنني سأشرب غير القهوة
- لا .. أنا سأشرب عصير البرتقال
أشار للنادل وأملى عليه ما يريدون في الوقت الذي كانت سهير تحاول التكلم
- ما بك يا سهير
- كنت أتساءل ..
- عن ماذا
- لست أدري ولكن .. هل استطيع أن أكون صريحة معك
- بالطبع ألسنا أصدقاء .. أرجوك خذي راحتك
- نعم .. لماذا لم تتزوج للآن .. أعني إنك فوق الثلاثين كما أظن
- أوه أجل .. أنا فوق الثلاثين ، لدي من الظروف التي تمنعني عن التفكير بالإرتباط
- أهو العمل .. أعني تأسيس المستقبل وخلآفه .. أم ماذا ؟
- بالحقيقة لقد ارتبطت بالفعل بإنسانة ولفترة طويلة من الزمن، لست أدري إن كنت ستفهميني لقد أحببتها كما لم يحب رجل امرأة أبداً وكانت الظروف بحالة مد وجزر طوال الوقت لم أبخل عليها عندما تكون الأحوال جيدة ولكن ماذا أفعل وقد أصبحت الظروف قاهرة، إسمعي يا سهير لا يغلب الرجال سوى الفقر ولا يقتلهم سوى القهر، وهي سامحها الله لم تكن تصدق بأنني أمر بظروف صعبة وقاهرة، بل على النقيض من هذا كانت تظن بأنني أخدعها وبأنني أخونها
- وأنت ألم تخنها بحياتك
- لست أدري ماذا أقول لك ولكنها كانت كل شيء بحياتي الأم والأخت والحبيبة، أتعلمين ما العشق؟ كنت أعشق أنفاسها فلماذا أخونها
- والآن؟
- أعيش على ذكراها ... أقلب صفحات رسائلها القديمة
- منذ متى لم تراها؟
- بالتحديد منذ سبعة أشهر، ولكن القطيعة منذ أكثر من سنتين
- ألم تحاول أن تقابلها ،، أن تشرح لها
- حاولت كثيراً ،، لكنها سامحها الله مصممة
- فالتحاول أن تنساها .. صدقني ستجد أحسن منها حاول لن تخسر شيئاً
- كأنك تطلبين المستحيل، أنساها وهل ينسى الإنسان عمره ؟
- ألهذه الدرجة تحبها
- بل قولي أحببتها
- والآن ألا تحبها؟
- ما أشعر به الآن هو مزيج من الألم والغضب تجاهها لقد جرحتني أكثر من مرة ومنذ أكثر من سنتين وكلما أردت النوم أراها تتمثل أمامي بالصورة التي فارقتها بها لآخر مرة
- يبدو أنني فتحت جرحاً غائراً ،، فأرجو أن تسامحني
- لا عليك ،، بالعكس كنت أريد أن أتفوه ما بنفسي منذ فترة طويلة ولكنني لم أجد من أرتاح إليه لأفضفض عن نفسي ما بها
- صدقني ستجد أحسن منها وأجمل ،، ولكن عليك هذه المرة بحسن الإختيار
- اهـ نعم صدقتي ،، حسن الإختيار .. هيا بنا فالساعة قد تجاوزت الثانية صباحاً
- هيا ...

دفع أحمد فاتورة المقهى وتوجه مع سهير إلى الفندق الذي يبعد حوالي النصف ساعة مشياً على الأقدام ، وخلال سيرهم كانت سهير تحاول تلطيف جو الحزن الذي خيم عليهم أثناء جلوسهم في المقهى فأخذت تلقي بالنكات المضحكة على أحمد وتقص عليه بعض القصص الطريفة التي تمتلئ بها الحياة المصرية
- سهير لم أكن أعلم بأنك خفيفة دم لهذه الدرجة
- هه ماذا تقصد هل اعتقدت بأنني ثقيلة الظل يا سيد أحمد
- لا لم أقصد هذا، نعم كنت أعلم بأنك جميلة، مثيرة أنيقة ولكن صاحبة نكتة لا بالحقيقة لم يخطر ببالي .. ها لقد وصلنا إلى الفندق .. والآن ماذا ستفعلين ؟
- سأعود للمنزل
- وأين يقع منزلكم هذا
- بمنطقة اسمها المعادي الجديدة (مشيرة إلى الكورنيش) هل ترى هذا الشارع الموازي للنيل .. إنه يؤدي إلى البيت .. ويبعد حوالي الربع ساعة تقريباً عن الفندق
- يا سهير الوقت متأخر جداً إنها (وهو ينظر لساعته) الثانية وأربعون دقيقة، ليس من المعقول أن تذهبي للمنزل الآن بمفردك
- فما العمل وهذا هو الوضع، يجب علي العودة ولا أستطيع النوم خارج المنزل
- نعم أنا لا أقصد هذا .. حسناً لنذهب إلى سيارتك .. سأرافقك إلى المنزل وبعد ذلك سأعود إلى الفندق
- أنت تعني ما تقول؟
- لما لا فأنا أريد الإطمئنان عليك، إذ لا يجب عليك القيادة بهذه الساعة المتأخرة ماذا سيقول الناس؟

توجها معاً إلى موقف السيارات فيما كانت سهير تحاول إخفاء عينيها عن أحمد وقد إمتلئتا بالدموع لكنه لاحظ الأمر فأدار بيده وجهها إليه وأوقف السيارة على جانب الطريق بعدما شاهد الدموع وهي تملئ عينيها متسائلاً عما بها.
- سهير ما بك؟ هل أنت حزينة من أمر ما ... هل أسأتُ إليك
- ... أحمد لا (وهي تشهق بالبكاء)
- سهير ما بك؟ أنا آسف إن بدر مني أي شيء
- لا ... أبداً .. أحمد أنت ... إنسان رائع
- لا أعلم ماذا تقصدين (قبلها من جبهتها ... لكنه تدارك نفسه معتذراً)... أنا ... أنا آسف ... لم اقصد ... يا إلهي..
- لماذا تتأسف .. أحمد ... أحضني إليك أرجوك
قام أحمد بحضنها إليه فيما قامت سهير بتقبيله وهي تبتسم ضاحكة وتسأله العودة إلى الفندق
- لماذا يا سهير .. ألآ تريدي العودة إلى المنزل؟
- أحمد أريد تكملة السهر معك إلى الصباح ... أرجوك .. بحاجة إليك
- هل تعنين ما تقوليه يا سهير؟
- ألآ تحب السهر معي؟
- سهير ...
- أرجوك (تنظر إليه تتوسل عيناها إليه) هه

عاد أحمد إلى الفندق لكنه كان يشعر في قرارة نفسه بالكثير من الإحراج والتردد وبدأ يسآءل نفسه عن هذا الوضع الجديد الذي اصبح به ... فيما كانت سهير تتأبط ذراعه وهما منطلقان صوب المصعد ومنه إلى الغرفة والسرور يبدو على محياها ...
- سهير ألن تتساءل أمك عن تمضيتك الليل خارج منزلك؟
- أحمد لا تعبأ بالأمر سأقول لها اضطررت للسفر إلى سيناء فلدينا مشروع هناك وفي الحقيقة سبق لي الذهاب إلى المشروع لعدة مرات سابقاً وهي لا تسألني طالما لم اخبرها بشيئ فقد تعودت على غيابي عن المنزل خلال السنتين الماضيتين.
- كما تشائين يا سهير ...المهم عندي أن لا تكون الوالدة منزعجة من هذا الأمر ومطمئنة عليكِ
- لا عليك ... دعنا من هذا الأمر الآن ولنجلس ..هناك (مشيرة إلى الشرفة التي تطل على النيل) ... تعال أحمد
- إسبقيني أنت ... سآتي بعد قليل

جلس أحمد على طرف البانيو بعدما أغلق عليه باب الحمام يفكر بهذا الأمر الذي إستجد عليه... وأخذ يتساءل عما تقصده سهير بقدومها معه إلى غرفته وماذا سيقول عنه وعنها موظفي الإستقبال وخاصة أنه رأى بعيني الموظف أو هكذا تهيئ له بريق تساؤل ما
لكنه عاد بعدما قام بغسل يديه وتوجه إلى الشرفة وهي تنظر إليه بسرور

- إذن ... عن ماذا سنتكلم الآن؟
- تعال أجلس معي هنا ... لا تتكلم أترك العنان لعينيك لتتحدثا معي
- لغة العيون تقصدين؟
- ألآ تعرفها؟
- كيف لا أعرفها ...
- إذن إقترب مني قليلاً وحدق بعينيَّ ... هه أخبرني ماذا تقولان لك
- سهير أنت تعلمين أن الوقت قد تأخر كثيراً وأن ...
- أخبرني أحمد ماذا تقولان إقترب
- سهير
- أحمد أحضني أرجوك ... أريد أن اشعر بنفس المشاعر تلك التي خبرتها في السيارة

كان المكان هادئاً والجو مشبعاً بالعواطف الصادرة عن سهير تلك الفتاة التي عرفت كيف تستميل إليها كل عواطفي ونهمي إليها وما هي إلآ ثوان حتى أصبحنا في عناق حار وقبلات متوقدة لم تفي معشار ما في قلبي وقلبها من جوع إلى الإلتحام والإنغماس فيما كان يبدو أننا سائرين إليه بلا شك، وفي ثوان أخرى كنا ممددين على سرير الغرفة نسرق من الزمن لحظات طيش بدت لي فيما بعد وكأنها آتون نار صب فوق رأسي ..
- سهير ما الذي جرى؟ (وأنا أنظر إليها وهي ممددة قربي وراسها على صدري)
- لحظات حب ... هل أنت سعيد؟
- لكنك لم تخبريني أنك إمرأة يا سهير
- (وهي تنظر إليَّ) ومنذ متى تخبر المرأة أنها إمرأة؟
- ليس القصد... ولكن حسبتك فتاة أي
- نعم أعلم ... القصة طويلة يا أحمد ولن تحب سماعها
- ماذا لدينا؟ هل حبيب سابق؟
- لا ... لا ..ليس الأمر كما تظن لا ابداً
- إذن ما هو؟
- سأقول لك في وقت آخر ولكن دعنا ننام الآن ... أريد النوم قربك
- حسناً كما تشائين ...
- لكن لا تسيء الظن بي يا أحمد سأخبرك كل شيء بوقته هه
- سهير أنا لم اسئ الظن بك لكنني أتساءل ليس إلآ
- نعم أعرف لننم الآن ... أحضني إليك ..

لم يستطع أحمد النوم يفكر بما جرى ويجري متأملاً سهير التي أسلمت للنوم عينيها غير عابئة بما حصل ... إنها مسؤولية لا يستطيع تحملها أخذ يحدث نفسه ويستعيد ذكريات الأمسية.
يتساءل عما ستقول له وهل ما حدثته به هو حقيقة .. والدتها .. أختها ووالدها المتوفي منذ صغرها هل كل ما أخبرته به حقيقة، لكنه لم يستطع الإستمرار فيما هو فيه لذا توجه إلى الشرفة وأشعل لفافة تبغ تلو الأخرى وعيناه تحدقان في الأفق فيما بدأت تباشير فجر اليوم الجديد في الظهور تبث الدفئ في أنحاء الأرض .. لكنه شعر بالنعاس والتعب يدب إلى عينيه فعاد إلى السرير فيما كانت سهير تتقلب في الفراش وتنظر إليه متسائلة عما به ولما لم ينم حتى الآن
- لما لا ترح نفسك قليلاً فسرعان ما سيأتي الصباح تعال نم قليلاً
- إنني تعب بالفعل يا سهير .. نعم تعب
- إذن تعال.. تعال

في الصباح توجه أحمد وسهير إلى مطعم الفندق لتناول طعام الإفطار ولم ينبس أحمد بشفة فيما كانت سهير تراقبه بصمت وتحثه عيناها على المحادثة لكنه لم ينظر إلى عينيها فوضعت يدها على يده وهي تنظر إليه قائلة
- أحمد ما جرى الليلة الماضية كان أمراً أحببته أنا (وهو ينظر إليها وعيناه تتساءلان فيما إلتزمت شفتاه الصمت) .. أنا لن أطالبك بشيء
- ماذا تقصدين يا سهير؟
- لا تظن بأنني أستغلك يا أحمد أو شيء من هذا القبيل لا... صدقني شعرت بحاجتي إليك .. أنا لا أريدك أن تظن أنني سيئة .. لا أعلم إن كنت تفهمني أو لا ولكن أرجوك لا تظن بي السوء
- لكني أريد أن أفهم يا سهير ما يدور.. فأنا لم أنم الليلة الماضية.. هل كل ما حدثتني به عن والدك.. أمك ..
- أحمد أنا لم أكذب عليك بأي أمر .. صدقني .. ربما .. ربما أخفيت عنك أمراً ما حصل معي .. لكن ..سأكلمك به إن كنت تريد أن تسمع .. وأن تفهم و.. بشرط أن لا يكون ذلك من باب تحمل مسؤولية أو
- ماذا تقصدين تحمل مسؤولية ...مسؤولية ماذا .. أنا
- لا .. لا اقصد تحمل مسؤولية ما حصل ...أرجوك تروى قليلاً معي .. أنظر إليَّ ... بعدما ننتهي من هنا لنتمشى قليلاً لأقص عليك ما حصل... أحمد أنا لست سيئة كما تظن
- سهير تداومين على قول هذه الكلمات ... أنا لا أظن بك شيء ولكني أرفض أن أكون جاهلاً فيما أنا به ... أريد أن افهم لا غير... نحن يا سهير شرقيين ... وأعذريني يا سهير أنا لم أعتاد هذه الأمور ... لا تغضبي من كلماتي أرجوك ولا تعتبريها إهانة .. لكني لم أعتاد هذه الأمور وخاصة في الشرق
- أحمد (وعيناها تذرفان الدموع) ... أنا ..لست كما تظن
- ......... أرجوك لا تغضبي مني ...سهير يكفي ..هل إنتهيت من إفطارك؟

توجه أحمد وسهير إلى كافيتيريا الفندق المطلة على النيل وجلسا تحت مظلة واقية من الشمس فيما طلبا كوب من عصير البرتقال وقهوة وما أن ذهب النادل لإعداد الطلبات حتى إبتدأت سهير بالكلام قائلة:
- أحمد إستمع إليَّ ولا تقاطعني أرجوك ... حتى أنتهي مما سأقوله
- طيب تفضلي ...
- أنا ... إلتحقت بالشركة منذ ثلاث سنوات تقريباً... المهندس ممدوح إنسان رائع ومحب لعمله .. بصراحة لم أرى من هو مثله بتفانيه .. الشركة كانت بحالة إنطلاق و ... كان المهندس ممدوح يكافح لأجل إبرام العقود هنا وهناك ... كنت أنا أتسلم أعباء كثيرة في الشركة .. الإتصالات المكاتبات ... العلاقات العامة ... كنت كل شيء بالشركة ... لم يبخل المهندس ممدوح بتقديم النصائح لي .. وكان يغدق عليَّ بالنقود وخاصة عندما كانت الشركة توقع عقداً جديد .. إعتبرت الشركة هي بيتي الآخر.. كنت أمضي الكثير من أوقاتي هناك في البحث عما يمكن أن اساهم به لإعلاء من شأنها ... كنت في أحيان كثيرة أستقبل عملاء الشركة القادمون من الخارج وكنت مسؤولة عنهم .. توفير إقامتهم وفي أحيان كثيرة إقامة المآدب وحفلات للتوقيع على العقود و .. وفي إحدى السهرات لا أذكر ربما كانت هي المرة الأولى التي أتناول بها الخمرة بهذا الشكل لا اعلم أمتدت السهرة بنا لوقت متأخر وكان لدينا عملاء ... عملاء من الخارج و.. وجدت نفسي في صباح اليوم التالي نائمة بينهم عارية .. هذا من أكثر من سنتين .. كانوا إثنين .. يبدو أ..
- سهير ... خلاص ... المهم ماذا فعلت بعد ذلك
- (تبكي) .. و..ماذا أستطيع أن أفعله؟
- كيف ماذا تقصدين؟
- (تنظر إليَّ متسائلة وهي تكفكف دموعها) .. إثنين .. يا أحمد ماذا سأقول ولمن .. ماذا ستقول عني الوالدة؟ كيف..
- جاء النادل يا سهير ... (وبعد ذهاب النادل) .. أقصد ألم تخبري أحد بالواقعة تلك؟
- تركت الفندق يومها ... لم يكن هذا الفندق .. عدت إلى البيت وعيناي تغرقان بالدموع سألتني الوالدة عما بي لكنني أخبرتها بأني مريضة متعبة ... دخلت لأستحم ...لكن ماء العالم كله .. (تجهش بالبكاء) لم ... لم يكفيني لم اشعر بأنني نظيفة ... أحمد كنت خائفة مرعوبة ... أتسائل في نحيبي ماذا لو.. حصل حمل .. لا أعلم كيف جرى الأمر لا أذكر شيء .. لا لآ أذكر أي شيء ... كيف بدأ كيف إنتهى ..لا أذكر .. فقط لا اذكر..
- تروي يا سهير .... أعلم إنها لحظات قاسية .. ولكن أنا لا أحاسبك الآن .. ولكن يبدو أنك مازلت تشربين الخمر
- لا ... أحمد لا ..ربما اساير لكن لا أشرب كما تظن لا ابداً ... لا لم أعد للشرب .. ربما شفة ألفظها بكأس الماء لكن لا
- وهل أخبرتي الوالدة عن هذا الأمر؟
- أنت الوحيد الذي يعلم ما حصل ... أو لنقل ما أعرفه لأنني حقاً لا أعلم ما الذي حصل ليلتها
- أهذا هو السبب الذي جعلك ترفضين من تقدم إليك من عرسان؟
- لا يا أحمد ... لم أكذب عليك بأي أمر قلته لك .. صدقني
- أنا اصدقك ... وأحترم كلمتك تلك إذهبي لغسل وجهك ... سأنتظرك هنا
- هل ستذهب معي إلى الشركة أم ستبقى هنا في الفندق؟
- لا أعلم يا سهير حقاً لا أعلم...
- هل أنت متضايق مما أخبرتك به (وهي تضع يدها على يدي)
- أخبرتك أنا لا أحاسب أحد ... وأعلم بأنك ظلمتِ بهذا الأمر .. لتذهبي الآن ...
- ستنتظرني إذن؟
- أنا هنا أشرب قهوتي

أشعل أحمد لفافة من التبغ فيما كانت سهير تغادره متلفتة لمرات إليه وكأنها تستنطق نظراته المتجهة إليها ترافقها في ذهابها ... نظر إلى المراكب السابحة في مياه النيل وإلى العمارات الشاهقة التي تبدو على أطراف الشاطئ .. لم تكن عيناه تستطيعا التركيز على مكان واحد هو يعلم أنه متضايق من أمر ما لكنه لا يعلم ما الذي يسبب له كل هذا الضيق .. شعر بالتعب والإرهاق فكثرة التفكير في أمر هذه التة أرهقه ولم يستطع النوم كافياً فقرر العودة إلى غرفته لأخذ المزيد من الراحة بعد عودتها ...
- نعم هذا أفضل لي (مكلماً نفسه فيما كانت سهير قادمة) .. سهير أنا سأبقى في الفندق يبدو أنني اشعر بالإرهاق ربما أنام .. لا بالتأكيد سأحاول النوم .. مرهق
- أعلم .. أنت لم تنم ليلة الأمس أنا آسفة ... حسناً أنا مضطرة للذهاب الآن للعمل سأراك عند الظهيرة .. هه .. نتغدى معاً .. ربما آتيك ببعض الأوراق من الشركة .. إذهب أنت للنوم

عاد أحمد إلى غرفته بعدما ترك في الإستقبال رسالة تفيد بأنه مريض ولا يريد أي إزعاج من أحد ... ورسالة أخرى للعم محمد الذي لم يظهر لغاية الآن ... واستسلم لنوم عميق.

3 comments:

  1. هل نحن ازاء سهيرين , بمعنى سهير النهارية وسهير الليلية او ربما التوصيف الامثل سهير ما قبل احمد وسهير ما بعده ؟ فسهير تلك المرأة الموظفة والنشيطة والمادية (طلبها للعمولة) والانثي الانيقة والجميلة والشابة واصيلة بيئة محافظة تخفي خلفها سهير الضحية ,ضحية اليتم والحاجة وضحية المجتمع .سهير التي تفتقد الرعاية العاطفية (انت تذكرني بوالدي )والدفىء والحبّ والاستقرار والامن .سهير التي بحاجة للبوح والحديث وكأنها ترزح تحت عبىء نفسي وسلطة ضميرية قهرية . هذا الاحساس المرير اشعرها بغربة مضاعفة كيف لا ؟ وهي تشعر انها خانت سهير الاصلية بل خانت البيئة الشرقية التي تنتمي اليها .ولكن الم تخنها بيئتها ايضا عندما عجزت عن احتوائها فجعلتها تنساق في طريق فرض عليها ثم تبنته كنوع من التمرد والانتقام من مجتمع حملها المسؤولية باكرا واقتلعها من نفسها الحقيقية . وكأن قضية جميل كانت رحلة داخل اعماق شرائح المجتمع المصرى والشرقي من خلفه ليكشف لنا احمد انواع عدة من الغربة بل ولربما ليؤكد ان الغربة داخل الوطن وبين الاهل هو اشد ضراوة ومرارة نظرا لحالة التمزق الداخلي التي يعيشها المرىء بين ما يريد ان يكونه وبين ماهو كائن . فلو كانت سهير عاشت ظروف عادية هل كانت ستتعرض لما تعرضت اليه .ونحن هنا لانحاول تبرير ما وقع ولكن ايضا نريد تفهم هذه الوضعية من الناحية الاجتماعية والنفسية باعتبار اننا نؤمن ان الانسان هو في النهاية ابن ظروفه وبيئته .ومتي حسن هذا الاطار كان النمو التدريجي للكائن البشري نموا صحيا ومتوازنا .وربما وجود احمد هنا جعلنا نتسرب الي نفس سهير واكتشاف الامها ومعاناتها . وكأن احمد أزال عنها القناع وجعلها في مواجهة نفسها . مثلما ايضا كانت سهير دليلنا الي أحمد .فهذا الاخير والذي فسح لشخوصه البوح والجهر والتعبير عن معاناتهم دون تدخل منه وكأن كلّ تلك الشخوص تعاني أزمة غياب ثقة وعدم وجود من ينصت اليها .فوجدت ضالتها في احمد الذي فتح لها المجال لتفرّغ حمولتها لعلها ترتاح وتجد سبيلها القويم. وبالتالي نرى احمد منحهم الوقت والاهتمام والثقة والانصات اليهم دون اقحام للذات بل علي العكس جعل لشخوصه النصيب الاوفر من الحضور والتفاعل علي حساب ذاته . فنحن لانكاد نعرف عنه الاّ النزر القليل .فهل لانه ايضا يجد في قصص شخوصه نوع من التعويض علي غربته ام ان قصصهم تنتشله هو ايضا من ذاته المتألمة ؟ كلّ الاحتمالات واردة باعتبار اننا نكتشف في هذا الجزء بعض الاجابات علي الكثير من التساؤلات التي طرحت سابقا لا سيما من قبل سعاد . فها اننا نقف علي انه يحمل وراءه فشل علاقة حبّ سابقة بل حالة عشق :"...وهل ينسى الانسان عمره ..." "انها كانت الام والزوجة والحبيبة...." وربما نفهم الان تعبيره في احد الاجزاء السابقة اثناء استلقائه في غرفة الفندق بالاقصر وهو يتذكر حال وحدته في غرفته بالكويت . فرسالة جميل وكأنها جاءت لتنتشله من الوحدة والشعور بالغربة وهو مفارق لحبيبته . هذه الغربة التي توارت وقتيا امام غربات شخوصه ليكشفها ليل القاهرة ومرؤى النيل . فربما كان احمد ينتظر هو الاخر ان يجد من ينصت اليه ليتخلص من عبىء ألم أرقه وربما مازال يعايشه .فكانت سهير هي الكشّاف لذلك :"..لاعليك ,بالعكس كنت أريد ان أتفوه ما بنفسي منذ فترة طويلة ولكن لم اجد من ارتاح اليه لافضفض اليه ما بنفسي " . ازمة غياب من ينصت الينا ويمتصّ جزء ما بنا تضاعف من غربة الانسان , وبالتالي سهير وأحمد في حالة تبادلية .البحث عن من يساعدنا لتجاوز ازمتنا . ما يشير اليه الكاتب هنا ,أمر جدّ مهم في علم النفس , وهو ما يسمى بحالة التوليد الحوارى. فمتى بقي المرى كاتم غيض هاو عبئه او ازمته فقد يتولدّ عنها حالة غياب التواصل الاجتماعي فيرتد للعزلة والتقوقع وفقدان

    ReplyDelete
  2. الثقة في محيطه وربما حالة الاكتئاب .وما يذكره الكاتب هنا ,هو فعلا أزمة تعيشها المجتمعات العربية والاسر تحديدا حيث يغيب الحوار بين افرادها فتتباعد روابطها وينكمش كل فرد علي ذاته يخفي صندوق اسراره والمه لغياب من يستمع اليه مأخوذين بتعلة المسؤوليات المادية .فبات افراد العائلة كانهم غرباء ويتحول البيت الي فندق للنوم فحسب . هذه المعضلة التي يبسطها الكاتب هي من فاقمت من توتر الازمات وضعف وشائج العلاقات داخل الاسرة الواحدة حيث اصبح للتفكير المادي طغيان بين العلاقات :"..الم تحاول ان تقابلها ..ان تشرح لها ....حاولت لكنها مصممة " هذا ما اراد الكاتب ايصاله انه متي غابت لغة الحوار والحوار هو اداة تواصل تصل العلاقات الي نفق مظلم وطريق مسدود . وكان الكاتب من خلال تجربته الخاصة يدعو الاخرين الي الاتعاظ وجعل الحوار سبيلا للتفاهم وقناة التواصل الدائمة حتي لاتنهار أسر بأكملها نتيجة هذا الانغلاق الاسري . كما انه يدين التفكير المادي للعلاقات الزوجية والتي من المفروض ان تبني علي التوادد والرحمة والمشاركة والتفهم والثقة .:"....لقد كانت الظروف جيدة ولم ابخل عليها ولكن متي أصبحت الظروف قاهرة ....." "اسمعي لايغلب الرجال سوى الفقر ولا يقتلهم سوى القهر ....".وبهذا القول يحيلنا الكاتب علي مقوم آخر من مقومات الزواج ,فالي جانب الحبّ والعشق يبدو ان الكاتب يعتبر ان المال ركيزة ايضا لدوام العلاقة الزوجية .فهل نحن بصدد تقابل رؤيتين ؟ باعتبار لو ان الزواج كان قائما علي العامل الاقتصادى فهل هذا كفيل باستمرار الزواج .؟ اعتقد ان الحبّ هو الضمانة الاقوى والصلبة والتي تنحني امامها مختلف الازمات وبالتالي يعد العامل الاقتصادي مكملّ لاستقرار الاسرة ولكنه ليس العنصر الفيصل لدوامه . لان العلاقات العاطفية هي الاساس وهي بنيان واعمدة الاسرة .فالعامل الاقتصادي يبق عامل ظرفي والظرفي والاستثنائي لا يعتمد عليه في العلاقات الانسانية وبناء الاسرة لانه قابل للتغيير والتحول ولكن العاطفة والحبّ هو القاعدة والاصل .ومتي كانت القاعدة صلبة تكسرت علي اعتابها اي رياح وعواصف . طيب ها ان سهير تتمتع بظروف مادية جيدة ولكن ها انها تشكو فقدان الدفىء العائلي والحب الصادق والعلاقات الاسرية الحميمية . فكان الكاتب بسرد النموذجين يجعل احدهما مكمل للاخر كما انه ان يكون مفندا له . فسهير التي تمكنت من تحقيق رغد العيش المادي لاهلها ,افتقدت في اثناءها سهير الانسانة او سهير التي تشتهي ان تكون . فهل المادة ان وفرت الرفاهية فهل تخلق السعادة ؟ الاكيد لا... فكأن احمد يريد القول :"ان اللهاث وراء المادة قد تدمر العلاقات الانسانية اي كان شكلها ...وبزوالها نستطيع ان نتبين طبيعة ومعدن الاشخاص ...وان المادة عبد جيد لكنها سيّد سيىء".....فيترك لسهير وهي تسرد مأساتها لنرى حجم الضياع والتيه والظمأ العاطفي حتي الاسري :"...احمد اريد تكملة السهرة معك ...بحاجة اليك " اذا هي تفتقد حاجة العاطفة الصادقة بعيدا عن عالم الصفقات والعمولات ودفع الضرائب مجبرة بل حتي الدفىء العائلي :"...الا تسأل امك عليك ....لالا هي لاتسال مالم اخبرها ..." هذا حال سهير في عائلتها فعلاقتها بامها واختها هي علاقة مادية لدرجة ان تتخلي الام تدريجيا عن واجباتها تجاه ابنتها .فهل النفوذ المادي يخرج صاحبه من المراقبة الاسرية بل وحتي الذاتية ؟ فقول سهير مثلما ينمّ علي استقلالية ينمّ ايضا علي مرارة وشعور بالوحشة وهي داخل اسرتها . باعتبار انسحاب الام تدريجيا من وظيفتها الامومية تجاه ابنتها .فهل ما توفره سهير من استقرار مادي يجعلها بمنأي علي السؤال والمحاسبة بل والتحاور الذي نلتمس انه غائب تماما .ونحن نتذكر قولها في الجزء الفارط ".اريد التحدث معك ..فانت تشبه والدي ...." اذا هي تشتاق في نفسها للسلطة الابوية حتي وان كانت قهرية . كلّ هذا الوضع الملتبس قاد سهي رالي منزلقات عدة ليس اولها الخمر وليس آخرها التعرض للاغتصاب من طرف العملاء ...والاغتصاب هنا يحولها من ضحية الي جلاّد ولكن اولي ضحاياها هي سهير نفسها .وكانها تقوم بعملية جلد للذات باعتبار ان الطريق التذي تسير فيه هو اصبح اختيارا وبشكل واع .وكأنها تستمرى جلد ذاتها والانتقام منها لعلها تشفي او تتخلص من عبىء معاناتها . هذه المعاناة التي وجدت في احمد حالة تعويض بامتياز عن عاطفة الوالد والحبيب في آن واحد وذلك عبر تكرار لكلمة "ضمني اليك .." وهذا يعكس مدي حالة الجوع العاطفي الذي ترسب لديها لاكثر من 17 سنة ,مدة الحرمان من العطف الابوي .فأحمد كان لها مصدر تعويض .كما سهير ايضا كانت له كذلك .

    ReplyDelete
  3. اذا حالة حرمان ثنائية :"..لم تفي معشار ما في قلبي وقلبها من جوع الي الالتحام والانغماس ..."وكلمة الجوع التي يذكرها الكاتب ,تعبر بشكل وفيّ علي الحالتين .فكلاهما في حاجة لعملية تصعيد عبر تفريغ هذا الجوع الناتج عن حالة فراغ وحرمان عاطفي كبير . هذه الحالة النفسية التي تعيش تحت ضغط الرقابة الذاتية والاخلاقية والمجتمعية فانظر لكلمات احمد :" انها حالة طيش .." "نحن يا سهير شرقيين ." "لم اعتد علي ذلك ..." مجموعة عبارات تعكس معاناة من نوع آخر عندما تنتفض كلّ المنظومة الاخلاقية لتعلن بداية الجلد .فهل ان الانسان يخضع لسلطات قهرية عدّة .؟ وهل هذه الحالة هو تمزق آخر يعيشه الانسان بين رغباته الحسية والجسدية والسلطة الروحية ؟ كلّ هذه التساؤلات تعبر عن حيرة وتيه ايضا يعيشها الانسان بين عجزه علي التوفيق في احيان عدّة بين رغباته البوهيمية والروحية .وبان طغيان احدها علي الاخر هو ظلم لاحدي جوانب الانسان. فمتي اكتسح جانب اخر هو عملية اعتداء وظلم علي الجانب الاخر .فكيف السبيل بالنسبة لاحمد والذي يعاني جوع عاطفي بعد انهيار علاقته لسبب مادي وسهير التي غلبت حياتها المادية علي العاطفية . ...فاصبح كلّ واحد ملجأ وتعويض للاخر .... فهل لقاءهما هو اذابة غربة مضاعفة ؟ ام بحث عن الذات في الاخر اي هل ان احمد مرآة عاكسة لذات سهير والعكس صحيح ..وكلاهما مرآة عاكسة لواقع اجتماعي مكبوت ومستتر يخشي التعري امام ذاته لكثرة التشوهات التي تكسوه ؟.. فسباحة نظر احمد للعمارات الشاهقة وللنيل وكانه يتساءل :" اي نوع من المآسي والالام والعاهات التي تختفي خلف تلك الحيطان ...وكم من القصص والمعاناة يحتويها النيل ....وكم من الاقنعة والحجب يزيلها الليل ....." .اوليس الليل هو التوقيت المناسب والمستتر لعودة الذات لنفسها وكأن النهار بالنسبة له هو الظلّ والسراب وان الليل هو الحقيقة والاصل . وما تلك الدور الشاهقة الا بحجم تلك السدود والحواجز التي تراكمت بين الانسان وروحه وما النيل وامتداده اللامتناهي هو ايضا مدفن للاسرار ولعذابات ولغربات الانسان ... وكأن الكاتب يقول ان هذه الترويكا اي الثلاثة عناصر هي التي تخفي حقيقة الشرق ووراءها تكتنز الاسرار وبالتالي رحلة المعالجة الاساسية تبدأ من خلال لحظة المكاشفة .هذه المكاشفة التي تمكننا من الاطلاع علي روح الشرق المعذبة وما المحافظة والصمت الا غطاء تخفي التشوهات والتناقضات التي تعيشها هذه الروح .وكأن بالكاتي يقول :"ان اردتم الوقوف علي الحقيقة وتزيلون الحجب والستائر اليكم بالثلاثي التي فيها وبين جنباتها تعيش الروح الشرقية اسيرة ...." نصّ فيه من البحث والمعالجة الاجتماعية والنفسية الشيىء الكثير والتي تجعلنا في حالة ارتداد ذاتي من باب المكاشفة والمصالحة والمصارحة عبر ازالة كل الرتوش والمساحيق والاقنعة .ومتي عرف الانسان ذاته عرف محيطه جيدا ومتي جهلها افتقد التواصل الاجتماعي وبالتالي تراكمت مأساته وغرباته .فاصبح غريب مرتين :عن ذاته وعن مجتمعه .فالكاتب يعتبر تبعا لذلك ان الاحكام المظهرية غير صائبة وصادقة ولاتعكس معرفتنا الحقيقية بالاخر الا من خلال المعايشة والحوار والانصات وازالة الاقنعة . هذه الوصفة التي بها تستقيم الذات وبالتالي دوات المجتمع متي كشفنا عنها وجعلناها محلّ تمحيص وتدقيق ومناقشة وليس عبر السكوت عنها .وبالتالي فالكاتب ينقد ثقافة المسكوت عنها للمجتمع الشرقي الذي لا يعكس ظاهره حقيقة باطنه .....قصة وكانها مجهر تكشف ما تم طمسه او اخفاءه عمدا تحت تعلات ويافطات عدة .....شكرا حكيم علي هذا الطرح والمعالجة الواعية

    ReplyDelete