Tuesday, March 20, 2012

الطنطاوي ... والحنين .. دائماً إلى دمشق


الطنطاوي ... والحنين .. دمشق
ترك دمشق قسرياً وهاجر الأديب علي الطنطاوي إلى أرض الحرمين وتحت ترحيب وحماية الملك فيصل بن عبدالعزبز، وظل طوال حياته يحن إلى دمشق ويشده إليها شوق متجدد، والتي أصبح الذهاب إليها حلما صعب المنال. وكتب في ذلك درراً أدبية يقول في إحداها..
وأخيراً أيها المحسن المجهول، الذي رضي أن يزور دمشق عني، حين لم أقدر أن أزورها بنفسي، لم يبق لي عندك إلا حاجة واحدة، فلا تنصرف عني، بل أكمل معروفك، فصلّ الفجر في "جامع التوبة" ثم توجه شمالاً حتى تجد أمام "البحرة الدفاقة" زقاقاً ضيقاً جداً، حارة تسمى "المعمشة" فادخلها فسترى عن يمينك نهراً،أعني جدولاً عميقاً على جانبيه من الورود والزهر وبارع النبات ما تزدان منه حدائق القصور، وعلى كتفه ساقية عالية، اجعلها عن يمينك وامش في مدينة الأموات، وارع حرمة القبور فستدخل أجسادنا مثلها.
دع البحرة الواسعة في وسطها وهذه الشجرة الضخمة ممتدة الفروع، سر إلى الأمام حتى يبقى بينك وبين جدار المقبرة الجنوبي نحو خمسين متراً، إنك سترى إلى يسارك قبرين متواضعين من الطين على أحدهما شاهد باسم الشيح أحمد الطنطاوي، هذا قبر جدي، فيه دفن أبي وإلى جنبه قبر أمي فأقرئهما مني السلام، واسأل الله الذي جمعهما في الحياة، وجمعهما في المقبرة، أن يجمعهما في الجنة، {رب اغفر لي ولوالدي} {رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} رب ارحم ابنتي واغفر لها، رب وللمسلمين والمسلمات.
قال علي الطنطاوي في كتابه: "مقالات في كلمات" وهو يتكلم عن معنى الحق ما نصه:
الحق، ما الحق يا ناس؟ خبروني .. لا أسأل عن الحق المجرد الذي يقابل بالباطل، بل الحق الذي هو المُلك.
الرغيف الذي اشتريته بمالك حقك، فإن غصبه منك غاصب، أقوى منك وأكله فأين بقي حقك؟ وما ينفعك أن يكون الحق لك، والرغيف في بطن الرجل؟ ماذا يفيدنا أن الحق بامتلاك فلسطين لنا، وفلسطين نفسها في أيدي اليهود؟
وإلى متى نكرر مهزلة (أوسعته سباً وأودى بالإبل)؟ مهزلة الإعرابي الذي بعثته أمه يرعى جمالها فرأى العدو، فوقف يسبه ويلعن أباه وجده، حتى تعب لسانه وكل، فقعد يستريح وترك العدو يذهب بالإبل.
ومهزلة الزعماء الذين ملأوا الدنيا إدعاء، وفخراً وحماسة وهجاء لليهود واحتقار ثم ناموا وأخذ اليهود فلسطين؟
إلى متى نبقى مغفلين مساكين، لا نفهم أن القوة هي شرع هذه الدنيا؟ قوة العلم، قوة المال وقوة الإتحاد، وقوة الجيش وقبل ذلك كله قوة الإيمان والإرادة؟
وأن الحق لمن يأخذه لا لمن يتغنى بذكره وينظم فيه القصائد؟ فانزعوا من نفوسكم يا أيها العرب هذا الورع البارد وهذا الأدب الرقيع فقد أطعتم هيئة الأمم وعصاها اليهود ووفيتم وغدروا وعدلتم وجاروا ومدحتكم جرائد العالم بأنكم أولاد طيبون مهذبون وذمتهم بأنهم شياطين مفسدون وأنهم قتلة مجرمون فماذا كانت النتيجة؟ أخذ اليهود فلسطين واعترفت بحكومتهم دول هيئة الأمم التي ذبحوا رسولها برنادوت. فحسبكم غفلة يا عرب! إخلعوا صوف الحملان والبسوا جلود الذئاب لئلا تأكلكم الذئاب. مدوا أيديكم فخذوا حقكم لا تطلبوه من أحد فليس في الدنيا أحد يعطيكم حقكم، أقلوا الكلام وأكثروا الفعال واتحدوا واستعدوا إن يوم المعركة قريب، اشتروا السلاح من كل من يبيع السلاح ولوكان الشيطان. يا ايها العرب: إنه قانون تنازع البقاء وإن هذه الدنيا للمحقين الأقوياء.
رحم الله الطنطاوي .. ماذا سيكون رأيه لو كان حياً.. والفظائع والمجازر ترتكب في سوريا أرض الحنين التي منها هجر قسراً ؟

No comments:

Post a Comment