Saturday, February 25, 2012

ذكريات

تذكرت ما حصل معي ليلة موت الوالدة رحمها الله من الأمور التي تبدو الآن غريبة بعض الشيء وخاصة عندما أسترجع ذكريات هذه الليلة التي بدأت كعادتي في كل يوم أعود فيه من العمل عند المساء فأتوضئ لصلاة المغرب وأتوجه لغرفة الوالدة أقبلها وأجلس قربها، أكلمها قليلاً ولا أدري إن كانت تعلم ما أقول حيث أنها تنظر إلي في صمت مطبق إلا من همس أنفاسها ومن ثم أُصلي المغرب في غرفتها وعند إنتهائي من صلاتي أجلس لتناول العشاء وأحاول دون جدوى إقناعها بتناول ولو لقيمة واحدة لكنني كنت أفشل دائما ومع هذا الفشل المتواصل كنت مواظباً على سيرتي هذه في كل ليلة.
الليلة التي نتكلم عنها لم تكن كسابق الليالي لأنني عندما أنتهيت من صلاة المغرب وعند التسليم الأخير على يساري كانت قدميّ والدتي على يساري أيضاً فقبلتهما في طريقي للوقوف، عندها سمعت صوتاً يشبه الكلمات يخرج من فم الوالدة لم أتبينه جيداً ربما لأنني كنت كالعادة أسبّح دُبُر الصلاة، إقتربت منها وسمعتها تقول هل كنت جالساً في الجنة؟
فقلت لها متلفتاً ماذا تقصدين ؟
أجابت ألآ يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام بأن الجنة تحت أقدام الأمهات
ففهمت قصدها وأقبلت على قدميها أقبلهما مبتسماً والدموع تتسابق لمقلتيَّ فأشارت إلى سقفِ الغرفة قائلة أنظر إلى قافلة النمل، نظرتُ حيث أشارت لكنني لم أرى شيئاً فأعدتُ النظر للوالدة أريد منها إعادة ما قالته لعلِّ لم أفهم ما قصدته ولكنها كانت تنظر إلى زاوية الغرفة مبتسمة وقالت بعد برهة جدك هنا جاء ليأخذني معه وسمعتها تقول حاضر، طلبت مني الوالدة أن أُلبسها ثوباً أبيض ووشاحاً من نفس اللون لتغطي بهِ رأسها وأعادت نظراتها إلى زاوية الغرفة والفرحة واضحة على محياها، طلبتُ من زوجتي إحضار ما طلبته الوالدة دون تأخير ولم تفهم زوجتي التي كانت تُعد العشاء وقتئذ ما الأمر، لكنها عادت والوالدة على حالها تُخاطب زاوية الغرفة بعينيها حيناً وحيناً آخر بكلمة أو إبتسامة، لكنها طلبت مني الإستعجال حيث أن والدها ينتظر ليأخذها معه فاصابتني قشعريرة من كلماتها متلفتاً إلى زاوية الغرفة الفارغة إلا من الحائط، عندما انتهينا من إلباس الوالدة سمعتها تنطق بالشهادة وتشكر الله وهي تنظرُ إلي بعينيها الدامعتان وتلفتت بنظراتها إلى اليمين ثم إلى اليسار ثم رأيتها تنظر إلى سقف الغرفة مبتسمة وصدرها الضعيف يخفق بشدة ومن ثم أسلمت الروح لبارئها.

No comments:

Post a Comment