Wednesday, February 22, 2012

الطلاق في الإسلام


الطلاق
إن إستقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام ، وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأبيد إلى أن تنتهي الحياة ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهدآ يأويان إليه وينعمان في ظلآله الوارفة وليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة .
ومن أجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها وليس أدل على قدسيتها من أن الله عز وجل سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ ، فقال تعالى " وأخذن منكم ميثاقآ غليظآ " وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة ومؤكدة فإنه لا ينبغي الإخلال بها ولا التهوين من شأنها ، وكل أمر من شأنه أن يوهن من هذه الصلة ، ويضعف من شأنها فهو بغيض إلى الإسلام لفوات المنافع وذهاب مصالح كل من الزوجين .
  ·  وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو في نظر الإسلام خارج عنه ، وليس له شرف الإنتساب إليه .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من خبب امرأة على زوجها "
وعنه أيضآ " أيما امرأة سألت زوجها طلاقآ من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة " ولأن في الطلاق كفرآ لنعمة الله والزواج نعمة من نعمه وكفران النعمة حرام .
وقد جعل الإسلام الطلاق من حق الرجل وحده لأنه أحرص على بقاء الزوجية ولأنه وبمقتضى عقله ومزاجه يكون أصبر على ما يكره من المرأة ولأن المرأة أسرع منه غضبآ وأقل إحتمالآ .
وإتفق العلماء على أن الزوج العاقل البالغ المختار هو الذي يجوز له أن يطلق وأن طلآقه يقع ، فإن كان مجنونآ أو صبيآ أو مكرهآ فإن طلآقه يعتبر لغوآ لو صدر منه ولا بد من أن يكون المطلق كامل الأهلية حتى تصح تصرفاته ، وإنما تكمل الأهلية بالعقل والبلوغ والإختيار .

طلآق المكره
الذي لا إرادة له ، والإرادة والإختيار هي أساس التكليف فإذا إنتفيا ، إنتفى التكليف واعتبر المكره غير مسؤل عن تصرفاته لأنه مسلوب الإرادة وهو في الحقيقة ينفذ إرادة المكره .
فمن أكره على النطق بكلمة الكفر لا يكفر لقول الله تعالى " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " ومن أكره على الطلاق لا يقع بالتالي طلاقه .
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه "وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبن حنبل وداوود وبه قال عمر بن الخطاب وإبنه عبدالله وعلي بن أبي طالب وابن عباس .

طلاق السكران
قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلآة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " فجعل الله سبحانه وتعالى قول السكران غير معتد به لأنه لا يعلم ما يقول وثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه كان لا يرى طلاق السكران وهو مذهب الصحابة رضوان الله عليهم والشافعي والحنفية والحنابلة وغيرهم من الأئمة .

طلاق الغضبان
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " وفسر الإغلآق بالغضب .

طلاق الهازل
يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع كما أن نكاحه يصح لما رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وأبن ماجه وحسنه والحاكم وصححه ، عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة " وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلآق الهازل مثل أحمد ومالك إذ أن هؤلاء يشترطون لوقوع الطلاق الرضا بالنطق اللساني والعلم بمعناه وإرادة مقتضاه فإذا إنتفت النية والقصد أعتبر اليمين لغوآ لقول الله تعالى " وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم " ، وإنما العزم ما عزم العازم على فعله ويقتضي ذلك إرادة جازمة بفعل المعزوم عليه أو تركه ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " والطلاق عمل مفتقر إلى النية والهازل لا نية له ولا عزم .
أما طلاق المخطئ وهومن أراد التكلم بغير الطلاق فسبق لسانه إليه .
وقد رأى به فقهاء الأحناف أنه يعامل به قضاء وأما ديانة فيما بينه وبين ربه فلا يقع عليه طلاقه وزوجته حلال له .

طلاق الغافل والساهي
ومثل المخطئ والهازل والساهي والفرق بين المخطئ والهازل أن طلاق الهازل يقع قضاء وديانة عند من يرى ذلك وطلاق المخطئ يقع قضاء فقط ، ذلك أن الطلاق ليس محلآ للهزل واللعب .

طلاق المدهوش
المدهوش الذي لا يدري ما يقول بسبب صدمه أصابته فأذهبت عقله وأطاحت بتفكيره لا يقع طلآقه كما لا يقع طلآق المجنون والمعتوه والمغمى عليه ومن أختل عقله لكبر أو مرض أو مصيبة فاجأته .

كنايات الطلاق : وهي ما تحتمل الطلاق أو غيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنية .

الطلاق الرجعي والطلاق البائن

الطلاق إما رجعي وإما بائن ، والبائن إما أن يكون بينونة صغرى أو بينونة كبرى

الطلاق الرجعي
كل طلاق يقع رجعيآ إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال .

أي أن الطلاق الذي شرعه الله يكون مرة بعد مرة " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" والطلاق المكمل للثلاث يبين المرأة ويحرمها على الزوج ولا يحل له أن يراجعها حتى تنكح زوجآ آخر ، نكاحآ لا يقصد به التحليل قال الله تعالى " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجآ غيره " والرجعة حق للزوج مدة العدة وهو حق أثبته الشارع له قال الله تعالى " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " ولا يشترط في ذلك رضا الزوجة أو علمها ولا تحتاج إلى ولي كما لا يشترط الإشهاد عليها وإن كان ذلك مستحبآ خشية إنكار الزوجة فيما بعد ذلك .

الطلاق البائن
وهو الطلاق المكمل للثلاث والطلاق قبل الدخول والطلاق على مال .

قال الله تعالى " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " صدق الله العظيم
 قال صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة "
وقال صلى الله عليه وسلم " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها " وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء فقال " حاملات والدات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين الى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة " وقال صلى الله عليه وسلم " اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء فقلن لم يا رسول الله قال : يكثرن اللعن ويكفرن العشير (يعني الزوج المعاشر) ."
وقال ابن عباس رضي الله عنه أتت إمرأة من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة أيم وأريد أن أتزوج فما حق الزوج قال :" من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه ومن حقه أن لا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه فإن فعلت كان الوزر عليها والأجر له ومن حقه أن لا تصوم تطوعآ إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها وإن خرجت من بيتها بدون إذنه لعنتها الملآئكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب"

وقال صلى الله عليه وسلم " لو أمرت أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها "
وقال صلى الله عليه وسلم " للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات "

فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة وأهمها أمران أحدهما الصيانة والستر والآخر ترك المطالبة بما وراء الحاجة والتعفف عن كسبه إذا كان حرامآ ومن الواجبات أن لا تفرط في ماله بل تحفظه عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه إلا الرطب من الطعام الذي يخاف فساده فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره وإن أطعمت بغير إذنه كان له الأجر وعليها الوزر "
ومن حقوقها على والديها تعليمها حسن المعاشرة وآداب العشرة مع الزوج كما روى أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لإبنتها عند التزويج " إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لا تعرفينه وقرين لم تألفيه فكوني له أرضآ يكن لك سماء وكوني له مهادآ يكن لك عمادآ وكوني له أمة يكن لك عبدآ لا تلحقي به فيقلآك ولا تباعدي عنه فينساك إن دنا منك فأقربي منه وإن نأى فأبعدي عنه وأحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا طيبآ ولا يسمع إلا حسنآ ولا ينظر إلا جميلآ .
وقال الشاعر
خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقر الدف مرة فإنك لا تدرين كيف المغيب
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى ويأباك قلبي والقلوب تقلب
فإني رأيت الحب في القلب والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ولا ترفع لهم الى السماء حسنة : العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها والسكران حتى يصحو " وعنه " أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة عن صلاتها وبعلها " وعنه " أنظري من أين أنت منه فإنه جنتك ونارك " و قال عليه أفضل السلام " لا ينظر الله إلى إمرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه " وفي الصحيحين أيضآ " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطآ عليها حتى يرضى عنها زوجها " فالواجب على المرأة أن تطلب رضا زوجها وتجتنب سخطه ولا تمتنع منه ولا تتصرف في نفسها ولا في ماله إلآ بإذنه وتقدم حقه على حقها ولا تعيبه بقبح وإن كان فيه وعن السيدة عائشة رضي الله عنها : يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخد وجهها . وقال صلى الله عليه وسلم " نساؤكم من أهل الجنة الودود التي إذا آذت أو أوذيت أتت زوجها حتى تضع يدها في كفه فتقول : لا أذوق غمضآ حتى ترضى " كما يجب على المرأة دوام الحياء من زوجها وغض طرفها والطاعة لأمره والسكوت عند كلآمه والإبتعاد عما يسخطه وترك الخيانة له في غيبته في فراشه وماله وبيته وطيب الرائحة وترى القليل منه كثيرآ .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " يستغفر للمرأة المطيعة الطير في الهواء والحيتان في الماء والملائكة في السماء والشمس والقمر مادامت في رضا زوجها. وأيما إمرأة عصت زوجها فعليها لعنة الله والملآئكة والناس أجمعين . وأيما إمرأة كلحت في وجه زوجها فهي في سخط الله إلى أن تضاحكه وتسترضيه وأيما إمرأة خرجت من دارها بغير إذن زوجها لعنتها الملآئكة حتى ترجع ."
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة رضي الله عنها ووجدناه يبكي بكاء شديدآ فقلت له : فداك أبي وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك ؟ قال : يا علي ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي يعذبن بأنواع العذاب ، فبكيت لما رأيت من شدة عذابهن ، ورأيت إمرأة معلقة بشعرها يغلي دماغها ، ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها ، ورأيت امرأة قد شدت رجلآها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها ، ورأيت إمرأة معلقة بثدييها ، ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف لون من العذاب ، ورأيت إمرأة على صورة كلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها والملآئكة يضربون رأسها بمقامع من نار .
فقامت فاطمة رضي الله عنها وقالت : حبيبي وقرة عيني ما كان أعمال هؤلاء حتى وضع عليهن العذاب ؟ فقال رضي الله عنه : يا بنية أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال ، وأما التي كانت معلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها ، وأما المعلقة بثدييها فإنها كانت تفسد فراش زوجها ، وأما التي تشد رجلآها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها وقد سلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت لا تنظف بدنها من الجنابة والحيض وتستهزئ بالصلاة وأما التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كذابة وأما التي على صورة الكلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها فإنها كانت منانة حسادة ." وقال صلى الله عيه وسلم "لا تؤذي المرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله ويا بنية(1) الويل لإمرأة تعصي زوجها " (1) يكلم فاطمة
   ·   وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه فالزوج أيضآ مأمور بالإحسان إليها واللطف بها ، والصبر على ما يبدو منها من سؤ خلق وغيره ، وإيصالها حقها من الكسوة والنفقة والعشرة الجميلة لقول الله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إستوصوا بالنساء ، ألآ ان لكم على نسائكم حقآ ولنسائكم عليكم حقآ. فحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ، وحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون " وقال صلى الله عليه وسلم " أيما رجل صبر على سؤ خلق امرأته أعطاه الله الأجر مثل ما أعطى أيوب عليه السلام على بلآئه ، وأيما إمرأة صبرت على سؤ خلق زوجها أعطاها الله من الأجر مثل ما أعطى آسية بنت مزاحم إمرأة فرعون " .
تم بحمد الله: سليمان الحكيم 14 آذار 2001

No comments:

Post a Comment